هل الاعتقاد بالإمامة له آثارٌ ثقافيّةٌ وسلوكيّةٌ؟

السؤال: يقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف:194]، فإنْ قال الشيعيُّ: إنَّها مختصَّةٌ بالأصنام، فهل يعني ذلك أنَّ عبادة غير الأصنام ـ مثلاً آل البيت ـ جائزة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

دعني – لو سمحتَ – أُصحّح معلومةً غريبةً وردت في السؤال ما كنتُ أظنُّ أنَّه تجيء فيه، وقد صار العالمُ قريةً صغيرةً بفضل وسائل التواصل والإعلام الحديثة التي لو استثمرها السائلُ على الوجه الصحيح والدقيق لعلم أنَّ شيعة أهل البيت (ع) لا يعبدون إلَّا الله تعالى، فلا يعبدون الأنبياء، ولا الأولياء، ولا الملائكة، ولا غيرهم، وهذا أصلٌ أصيلٌ عندهم، رعفت به حرباتُ أقلامهم، وأعلنت عنه سطورُ كتاباتهم.

ثمَّ إنَّ الآية المباركة مورد السؤال تتكلَّم عن (عبادة) المشركين لغير الله تعالى، وهذا ما صرَّح به المفسِّر الطبريُّ في تفسيره الآية المباركة.

قال ما نصُّه: (يقول جلَّ ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان موبِّخهم على عبادتهم ما لا يضرَّهم ولا ينفعهم من الأصنام: إنَّ الذين تدَّعون أيُّها المشركون آلهة من دون الله، وتعبدونها شركاً منكم وكفراً بالله، ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾، يقول: هم أملاك لربِّكم، كما أنتم له مماليك، فإنْ كنتم صادقين أنَّها تضرُّ وتنفع وأنَّها تستوجب منكم العبادة، لنفعها إياكم، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم، فإنْ لم يستجيبوا لكم؛ لأنَّها لا تسمع دعاءكم، فأيقنوا بأنَّها لا تنفع ولا تضرُّ؛ لأنَّ الضرَّ والنفع إنَّما يكونان ممَّن إذا سُئل سمع مسألة سائل وأعطى وأفضل، ومَن إذا شُكِيَ إليه من شيءٍ سمع فضرَّ من استحقَّ العقوبة، ونفع من لا يستوجب الضر) [تفسير الطبريِّ ج10 ص635].

وعساه اتّضح ذلك لك؛ فنقول: إنَّ شيعة أهل البيت (ع) بل المسلمين كافَّة ـ عدا قلَّة تُحسب عليهم ـ يعتقدون بما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة:35]، بمعنى: أنَّ كلَّ ما يصحُّ أنْ يكون وسيلةً يُتوسَّل به إلى الله تعالى فلا مانع من التوسُّل والتقرُّب فيه إليه تعالى، وهل يوجد أفضل من أهل البيت (ع) يُتوسَّل بهم إلى الله تعالى؟

روى الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن النبيِّ الأعظم (ص) أنه قال: «الأئمَّة من ولد الحسين (ع) من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله (عزَّ وجلَّ)، هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى الله (عزَّ وجلَّ)» [عيون أخبار الرضا ج1ص ٦٣].

ومنه يتَّضح الفرق بين ما ترمي إليه الآية المباركة، وهو (العبادة) لغير الله تعالى، وبين ما يعتقد به أتباع أهل البيت (ع) وغيرهم من جواز التوسُّل والتقرُّب إلى الله تعالى بأهل البيت (ع).

هذا، وقد ورد في كتب العامَّة ما يدلُّ على جواز التوسُّل بأهل البيت، منه ما رواه البخاريُّ في الصحيح بسنده عن أنس قال: (أنَّ عمر بن الخطَّاب...كان إذا قُحطوا ‌استسقى ‌بالعبَّاس بن عبد المطَّلب، فقال: اللَّهم إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبِّينا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال فيُسقون) [صحيح البخاري ج1ص342].

وجاء في الدر المنثور للسيوطيِّ عن ابن النجَّار، عن ابن عبَّاس قال: (سألتُ رسول الله (ص) عن الكلمات التي تلقَّاها آدمُ من ربِّه فتاب عليه؟ قال: «‌سأل ‌بحقِّ ‌محمِّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلَّا تبَت عليَّ فتاب عليه») [الدر المنثور ج1 ص147].

وجاء فيه أيضاً عن عليٍّ (ع) قال: "سألتُ النبيَّ (ص) عن قول الله ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ﴾[البقرة: 37]...إلى قوله: وقال: يا آدم، ألم أخلقك بيدي، ألم أنفخ فيك من روحي، ألم أُسجِد لك ملائكتي، ألم أزوِّجك حوَّاء أمتي؟ قال: بلى.

قال: فما هذا البكاء؟!

قال: وما يمنعني من البكاء وقد أُخرِجتُ من جوار الرحمن، قال: فعليك بهؤلاء الكلمات، فإنَّ الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل: «اللَّهم إني أسألك بحق محمَّدٍ وآل محمَّد، سُبحانك لا إله إلَّا أنت، عملتُ سوءاً وظلمتُ نفسي، فاغفِرْ لي إنَّك أنت الغفور الرحيم. اللَّهم إني أسألك بحق محمَّدٍ وآل محمَّد، سُبحانك لا إله إلَّا أنت عملت سوءاً وظلمتُ نفسي فتُب عليَّ، إنك أنت التوَّاب الرحيم»[الدر المنثور ج1 ص147].

والنتيجة من كلِّ ذلك أنَّ التوسُّل أمرٌ مشروعٌ بخلاف العبادة لغير الله تعالى؛ لأنَّها منحصرةٌ ومختصَّةٌ به وحده.. والحمد لله ربِّ العالمين.