حديثُ الاقْتداءِ بأَبي بكر وعُمَرَ.

عَلِيٌّ/العِرَاق/: السَّلامُ عليكُم: رأيتُ بعضَ أَهلِ السُّنَّةِ يَستدِلُّ على أَفضليَّةِ أَبي بكر وعمرَ بحديثٍ رواه التِّرْمِذِيُّ في (سُنَنِهِ) وابْنُ ماجة في (سُنَنِهِ)، وأَحمدُ في (المُسندِ) وغيرُهُم بإِسنادٍ يَنتهي إِلى النَّبِيّ ِ (ص) أَنَّهُ قال: إقتَدُوا بالَّذَينِ مِن بعدي أَبي بكر وعُمَرَ. فما هو رَدُّكُم على ذلكَ؟ 

: اللجنة العلمية

 الأَخُ عَلِيٌّ المُحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ ٱللهِ وبركاتُهُ

إِنَّ هذا الحديثَ يُعَدُّ مِنَ الأَحاديثِ الوَاهيةِ جِدَّاً الَّتي لا يجوزُ نِسبتُها إِلى رسولِ ٱللهِ (ص) مُطلقاً، وذلكُ؛ لأَنَّ فيهِ عِلَّتَينِ تَمنعانِ مِن صِحَّتِهِ: إِحداهُما: مِن جهةِ إِسنادِهِ، والثَّانيةُ: مِن جهةِ مَتنِهِ.

 فأَمَّا العِلَّةُ الأُولى: فإِنَّ إِسنادَ هذا الحديثِ يَدورُ مدارَ راوٍ مَجهولٍ، وهُو هِلالُ مولى رَبعِيّ الَّذي لم يَروِ عنه سوى عبد الملكِ بنُ عُمير، حيثُ إِنَّ أَصلَ هذا الحديثِ مَرويٌّ عن عبدِ الملكِ بنِ عُمير عن هِلال مولى رَبعيّ عن حُذيفة، قال : قال رسولُ ٱللهِ (ص): إقتدُوا بالَّذَينِ مِن بعدي أَبي بكر وعُمرَ، ولِأَجل التَّخلُّص مِنَ الضَّعفِ في هذا الإِسنادِ، فقد أَسقطَ بعضُ المُدَلِّسينً والضُّعفاءِ كسفيانَ بنِ عُيَينَة وسالمِ أَبي العَلاء المُراديِّ مِن هذا الإِسنادِ (هلال مولى ربعيّ)، حتَّى يُصَحِّحا الحديثَ، فَسَاقا الحديثَ نفسَه عن عبدِ الملكِ بنِ عُمير عن رَبعيّ عن حذيفة. هذا وقد بَيَّنَ أَبو حاتِم الرَّازيّ (أَحدُ نُقّادِ الحديثِ) الاخْتِلافَ في طُرُقِ هذا الحديثِ فَذَهَبَ إِلى أَنَّ الصَّوابَ في إِسنادِ الحديثِ هُو عن هِلال مولى رَبعيّ (أُنظُر عِلَلَ الحديثِ لأَبي حاتِم الرَّازيِّ، رقم الحديثِ (2655)، وهكذا جَزَمَ التِّرمِذِيُّ بأنَّ الصَّحيحَ في هذا الإِسنادِ هو عن هِلال مولى رَبعيّ. وعليه: يَسقطُ الحديثُ مِن جِهةِ إِسنادِهِ؛ لِجَهَالَةِ هلال مولى رَبعيّ، كما تَقدَّم بيانُ ذلك (ولِتأييدِ ما بَيَّنَتُهُ آنِفاً يَنبغي لِلباحثِ المُنصفِ مُراجعةَ كلامِ الشَّيخِ مُقبِلِ بْنِ هادي الوَادِعِيِّ على هذا الحديثِ في كتابِهِ (أَحاديثُ مُعلّة، في الصَّفحةِ: 118). 

 وأَمَّا  العِلَّةُ الثَّانِيةُ: فإِنَّهُ لو سَلَّمْنَا أَنَّ هذا الحديثَ صَحيحٌ مِن جهةِ إِسنادِهِ، فإِنَّهُ لا يُمكِنُ أن يَسلمَ مِن جهةِ مَتنِهِ؛ وذلكَ لِوُجودِ محذورٍ خطيرٍ مِن جهةِ تَطبيقهِ على واقعِ الحالِ، حكم حك حاصِلُهُ: أَنَّهُ لو اقْـتَدَينا بأَبي بكر فيما حَكَمَ به  على بعضِ المَسائلِ، فسيؤدِّي ذلكَ إِلى مُخالفةِ عُمر؛ لأَنَّهُ حُكمٌ على هذه المَسائلِ نفسِها بخِلافِ حُكمِ أَبي بكر، والعكسُ صَحيحٌ أَيضَاً، فلو اقْـتَدَينا بعُمر في حُكمِهِ على بعضِ المَسائلِ، فسيؤدِّي ذلكَ إِلى مُخالفةِ أَبي بكر لِلسًّببِ نفسِه، بل ما حَكَمَ بهِ أَبو بكر وعُمرُ لم يحكم به عُثمانُ ولا الإِمامُ عَلِيٍّ، وحِينَئذٍ لا مجالَ لِتصحيحِ هذا الحديثِ مِن جهةِ سَنَدِهِ ولا مِن جهةِ مَتْـنِهِ لو أَنصَفنا.

 وَدُمتُم سَالِمِينَ