هل بايع الإمام علي(ع) أبا بكر وعمر لموقفهم في نشر الإسلام؟

السؤال: كيف يوجه ما قاله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من أنَّ الامام عليّ عليه السلام لما رأى أبا بكر وعمر بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد، وتجهيز الجنود، وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدّوا، بايع وسالم! [أصل الشيعة واصولها، ص١٩٣].

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على المتتبّع لكلمات العلماء أنَّ ما قاله الشيخ محمد كاشف الغطاء مقتبس من كلام منسوب لأمير المؤمنين (عليه السلام) نقله ابن أبي الحديد المعتزليّ في [شرح نهج البلاغة ج6 ص94] بعنوان: خطبة الامام عليّ (عليه السلام) بعد مقتل محمّد بن أبي بكر، قال: (وروى إبراهيم الثقفيّ ـ صاحب كتاب الغارات ـ عن رجاله، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه، قال: خطب الامام عليّ (عليه السلام) - بعد فتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر -، حيث إنّه قال: «..حتّى رأيتُ راجعة من الناس رجعتْ عن الإسلام، يدعون إلى محق دين الله وملّة محمّد (ص)، فخشيت إنْ لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً، يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أموركم، التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ثمّ يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشّع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولّى أبو بكر تلك الأمور فيسّر وسدّد وقارب واقتصد وصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، وما طمعتُ أن لو حدث به حادث وأنا حيٌّ أن يردّ إليّ الأمر الذي نازعته فيه طمعَ مستيقن، ولا يئست منه يأس مَن لا يرجوه، ولولا خاصّة ما كان بينه وبين عمر لظننتُ أنّه لا يدفعها عنّي، فلمّا احتضر بعث إلى عمر فولّاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولّى عمر الأمر، فكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة..»).

وقد أورد الشريف الرضيّ بعض فقرات هذا الكلام في (نهج البلاغة ص68)، في باب المختار من الخطب بعنوان: ومن خطبة له (عليه السلام) وهي: «إنّ الله بعث محمّداً - إلى قوله: - والآثام بكم معصوبة»، ثمّ صفح عن ذكر باقي الكلام.

أعلم -أيدك الله- فمن خلال ما تقدم يتبّين لك:

أنَّ أصل خبر الخطبة منقول من كتاب إبراهيم بن محمّد الثقفيّ في كتابه [الغارات ج١ ص٣٠٢] وأوّله: (رسالة عليّ (عليه السلام) إلى أصحابه بعد مقتل محمّد بن أبي بكر (ره): عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه جندب قال: دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عديّ وحبّة العرنيّ والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين، فقالوا له: بيّن لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم عليّ (عليه السلام): «وهل فرغتم لهذا؟ وهذه مصر قد افتتحت، وشيعتي بها قد قتلت؟! أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عمّا سألتم، وأسألكم أن تحفظوا من حقّي ما ضيّعتم، فاقرؤوه على شيعتي، وكونوا على الحقّ أعواناً، وهذه نسخة الكتاب: من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى مَن قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين، السلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد.. إلى آخر الكتاب»).

ولا يخفى على نقاد الحديث أنّ بين إبراهيم الثقفيّ وعبد الرحمن بن جندب بن عبد الله الفزاريّ انقطاع، ثمّ إنّ عبد الرحمن بن جندب وأباه مجهولا الحال عندنا [ينظر: معجم رجال الحديث ج١٠ ص٣٤٢].

ثم إنّ الشيخ كاشف الغطاء ساق عبارته آنفاً من أجل دفع سموم الحركة الوهّابيّة التي انتشرت في تلك الفترة، والتي طالما حاولت تشويه صورة الشيعة في أذهان أهل السنّة، فاستشهد بما ورد في المصادر - مع غضّ الطرف عن صحّته من عدمه -، لا بداعي الإذعان والاعتقاد بما ورد في تلك الأخبار، وإنّما لترطيب الأجواء والمناخات بين الشيعة والسنّة.

ويؤيّد ذلك: أنَّ الشيخ نفسه بيّن في مقدّمة كتابه الدافع لتأليفه، وهو عدم اطّلاع علماء أهل السنّة - بل عامّتهم – على حقيقة الشيعة، فكانت الصورة الخاطئة لأهل السنّة أنّ الشيعة عندهم ليسوا مسلمين، ويرون المذهب الشيعيّ صناعة أعداء الإسلام، ومن خلال قراءته لكتاب فجر الإسلام للكاتب المصريّ أحمد أمين أدرك الشيخ أنّهم يرون: (أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ إليه كلّ مَن أراد هدم الإسلام)!.

وممّا يؤيّد هذا التوجيه: ما ذكره الباحث عبد الله الحسينيّ لـمّا قال: (فعلى هذا، فأقصى ما تدلّ عليه الخطبة أنّ الإمام حينما وقف إلى جانب الخليفتين حفاظاً على روح الإسلام وقوامه؛ تقديماً للأهمّ على المهمّ. ولا يعتبر ذلك تصحيحاً لخلافتهم، وتأييداً للطريقة التي وصلوا بها إلى الحكم. فقول كاشف الغطاء: «بايع» بمعنى أنّه لم ينازعهما الأمر، وأنّ الإمام (عليه السلام) قد لجأ إلى طريق السلم ولذلك قال: «بايع وسالم») [الأجوبة الهادية الى سواء السبيل ص282].

أقول: الذي ورد في الأخبار عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) أنّ البيعة تمّت لسببين:

الأوّل: ما رواه الطوسيّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «... فبايعت أبا بكر كما بايعتموه، وكرهت أن أشقّ عصا المسلمين، وأن أفرّق بين جماعتهم، ثمّ إنّ أبا بكر جعلها لعمر من بعده، وأنتم تعلمون أنّي أولى الناس برسول الله (ص) وبالناس من بعده، فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفّيت له ببيعته حتّى لما قتل جعلني سادس ستّة، فدخلت حيث أدخلني، وكرهت أن أفرّق جماعة المسلمين وأشقّ عصاهم...» [الأمالي ص506].

والثاني: ما رواه الكلينيّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «... كتم عليّ (عليه السلام) أمره وبايع مكرهاً حيث لم يجد أعواناً» [الكافي ج8 ص484].

قال المجلسيّ: (وقد روى أصحابنا في ذلك أخباراً كثيرة، ليس هذا مقام ذكرها) [مرآة العقول ج26 ص189].

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخرا