ما المراد بقول الإمام المهديّ: الله خلق الأجسام؟

السؤال: ما المقصود بقول الإمام الحجَّة (عليه السلام): إنَّ الله هو الذي خلق الأجسام، لأنّه ليس بجسم؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

روى الشيخ الطوسيّ (طاب ثراه) بسنده عن الرهاويّ، قال: (حدَّثني أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، أو قال: أبو الحسن عليّ بن أحمد الدلال القمِّيّ قال: اختلف جماعة من الشيعة في أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) فوَّض إلى الأئمَّة (صلوات الله عليهم) أنْ يخلقوا أو يرزقوا؟ فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله تعالى، لأنَّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ وجلَّ). وقال آخرون: بل الله تعالى أقدر الأئمَّة على ذلك وفَوّضه إليهم، فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً...إلى قوله: فخرج إليهم من جهته (عليه السلام) توقيعٌ نسخته: «إنَّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسَّم الأرزاق، لأنه ليس بجسم، ولا حالٌّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، وأمَّا الأئمَّة (عليهم السلام) فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقِّهم») [الغيبة ص316].

ولبيان المراد من فقرة السؤال المذكور ـ إنَّ الله هو الذي خلق الأجسام، لأنّه ليس بجسم ـ نقول: لو كان الله ـ حاشاه ـ جسماً لما أمكنه خلق الأجسام، لأنَّ الجسم محتاجٌ، والاحتياج من صفات المخلوق وليس الخالق، ولأنَّ الله منزَّه عن الجسم وصفات الحاجة والنقص، فقد قام بخلق الأجسام وإيجادها، ولإثبات ذلك وبيانه يقع الكلام في مقامين:

أحدهما: أنَّ الله (تبارك وتعالى) منزَّه عن الجسم والجسمانيّات، لأنَّ الجسم من صفات المخلوقين والمحتاجين، والله منزَّه عن الحاجة والخلق، لأنّه الغنيُّ المطلق، كما ورد في الآيات والروايات، فأمّا الآيات، فمنها قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}[البقرة:268]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:6]، وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم:8]، وغيرها من الآيات الكريمة.

وأمَّا الروايات الشريفة، فمنها

1ـ ما رواه الكلينيّ بإسناده إلى حمزة بن محمَّد قال: (كتبتُ إلى أبي الحسن (ع) أسأله عن الجسم والصورة، فكتب: «سُبحان من ليس كمثله شيء، لا جسم ولا صورة») [الكافي ج1ص104].

2ـ وكذلك ما رواه الصدوق بالإسناد إلى محمَّد بن زيد قال: (جئتُ إلى الرضا (ع) أسأله عن التوحيد، فأملى عليَّ: «الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته...إلى قوله: واستتر بغير ستر مستور، عُرف بغير رؤية، ووُصف بغير صورة، ونُعت بغير جسم، لا إله إلَّا الله الكبير المتعال») [توحيد الصدوق ص98].

3ـ وكذلك ما رواه الصدوق بالإسناد إلى إبراهيم بن محمَّد الهمدانيّ قال: (كتبتُ إلى الرجل ـ يعني أبا الحسن (عليه السلام) ـ أنَّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من يقول صورة؟ فكتب (ع) بخطِّه: «سبحان من لا يُحدّ، ولا يُوصف، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، أو قال: البصير») [توحيد الصدوق ص97].

والحاصل: أنَّ الله تبارك وتعالى منزَّه عن الجسم والجسمانيّات، لغناه المطلق وعدم احتياجه.

والمقام الآخر: أنَّ الله (تبارك وتعالى) هو الذي خلق الأجسام وأوجدها، بل هو خالق كلِّ شيءٍ ومُوجِده، ويدلُّ على هذا المعنى جملة من الآيات والروايات، بل هو من ضرورات الإسلام الواضحة، كما لا يخفى.

فمن ذلك: قوله (تبارك وتعالى):{ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام:102]، وقوله (سبحانه):{قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:16]، وقوله (جلَّ جلاله):{اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62]، إلى غيرها من الآيات المباركة.

وأمَّا الروايات فهي أكثر من أنْ تُذكر في المقام، نقتطف بعضاً منها:

1ـ فقد روي بالإسناد عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ الله (تبارك وتعالى) خلوٌّ من خلقه، وخلقه خلوٌّ منه، وكلُّ ما وقع عليه اسم شيء ـ ما خلا الله (عزَّ وجلَّ) ـ فهو مخلوق، والله خالق كلِّ شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء» [البحار ج4 ص ١٤٩].

2ـ وروي بالإسناد عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «في الربوبيّة العظمى، والإلهيّة الكبرى، لا يكوِّن الشيء لا من شيء إلَّا الله، ولا ينقل الشيء من جوهريّته إلى جوهر آخر إلَّا الله، ولا ينقل الشيء من الوجود إلى العدم إلَّا الله » [البحار ج4 ص148].

3ـ وروي بالإسناد عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر (ع) في دعاء: «يا ذا الذي كان قبل كلِّ شيء، ثمَّ خلق كلَّ شيء» [البحار ج45 ص ٨١]. إلى غيرها من الأخبار الواردة في هذا المقام.

وإذنْ: لمّا كان الله (تعالى) منزَّهاً عن الجسميّة التي هي من صفات المخلوقين كان خالقاً للأجسام، لأنّه هو الخالق لكلِّ شيءٍ، كما دلَّت عليه الآيات والروايات.. والحمد لله ربِّ العالمين.