دور الخلفاء الثلاثة في معركة أحد

السؤال: ما هو دور الخلفاء الثلاثة في معركة أحد؟ هل كان لهم دور بطولي في هذه المعركة الحساسة؟

: - اللجنة العلمية

 الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى أنّ معركة أحد تعدّ من أصعب المعارك التي خاضها المسلمون، وأشدّها على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ إذ استشهد فيها سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)، وغيره من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد كان النصر حليف المسلمين في أوّل المعركة، إلّا أنّ المعادلة تغيّرت لـمّا ترك الرماة مواقعهم على الجبل - لحماية ظهور المسلمين – ونزلوا لجمع الغنائم، فانكشفت ظهور المسلمين في المعركة، واستغلّ المشركون ذلك والتفّوا من وراء الجبل، فصار المسلمون بين فكّي المشركين، وقُتل من المسلمين عدد كبير، وصاح إبليس: (قتل محمّد) حتّى وصل صدى صوته إلى المدينة، وحصل هرج ومرج، وهرب المسلمون وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحيداً ثابتاً في مكانه بين كتائب المشركين، لم يثبت أحدٌ سوى أمير المؤمنين (عليه السلام) يدافع عنه ويردّ الكتائب المتّجهة نحوه، فما من كتيبة تتّجه إليه إلّا وقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رأسَهم وشتّت جمعهم، إلى أن يئسوا من الوصول لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأظهر (عليه السلام) في هذه المعركة بطولة أسطوريّة تعدّ في المعجزات.

فالمسلمون طرّاً تركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ميدان المعركة، ولم يثبت معه في تلك الوقعة إلّا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإليك بعض النصوص:

عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال في مناشدة يوم الشورى: « نشدتكم الله، أفيكم أحدٌ يوم انقلب الناس على أعقابهم، فلم يبقَ مع رسول الله أحدٌ غيري، فهبط جبرائيل في أربعة آلاف ملك، كلّهم ينادي: لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا علي ، غيري؟ قالوا : اللهم لا » [المسترشد ص348].

وعن عبد الله بن عبّاس: « لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أربعٌ ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو صاحب لوائه في كلّ زحف، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس – يعني يوم أحد – وفرّ الناس.. » [الإرشاد ج1 ص80، مناقب الخوارزميّ ص21].

وعن زيد بن وهب قال: « قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتّى لَـم يبقَ معه إلّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبو دجانة وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وثاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفرٌ، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل ابن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله، فقلت له: فأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى، قال: قلت: فأين كان عثمان؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد ذهبت فيها عريضة. قال: فقلت له: فأين كنتَ أنت؟ قال: كنتُ فيمَن تنحّى، قال: فقلت له: فمَن حدّثك بهذا؟ قال: عاصم وسهل بن حنيف » [الإرشاد ج1 ص84].

هذه النصوص وغيرها تبيّن بشكل واضح أنّ الرجل الوحيد الذي ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذاك الوقت الشديد هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولـمّا يئس الكفّار من الوصول للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهدأت عاصفة المشركين رجع بعضُ المسلمين شيئاً فشيئاً، منهم أبو دجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت، فما يرد في بعض نصوص المخالفين – من أنّ هؤلاء ثبتوا جميعاً – يُراد به أنّهم رجعوا بعد أنّ فرّوا، لا أنّهم ثبتوا تمام الثبات.

والخلفاء الثلاثة لَـم يكونوا معروفين بالشجاعة ورباطة الجأش وقوّة القلب حتّى يكونوا من الثابتين في تلك العاصفة الجامحة، التي لا يستطيع الثبات فيها إلّا مَن كان مخصوصاً بالعناية الإلهيّة، والنصوص المتقدّمة صريحةٌ في أنّه لم يثبت أحدٌ سوى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلا أبا بكر ثبت في ذاك الموقف ولا عمر ولا عثمان.

أمّـا عثمان بن عفّان:

فقد اتّفق الرواة على أنّه فرّ يوم أحد، روى أحمد والبخاريّ والترمذيّ وغيرهم بالإسناد عن عثمان بن موهب، قال: « جاء رجلٌ من أهل مصر حجّ البيت، فرأى قوماً جلوساً، فقال: مَن هؤلاء القوم؟ قال: هؤلاء قريش، قال: فمَن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر، إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه، هل تعلم أنّ عثمان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم... » [مسند أحمد ج2 ص101، صحيح البخاري ج4 ص203، سنن الترمذي ج5 ص293].

قال الطبريّ: « وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله (ص) حتّى انتهى بعضُهم إلى المنقى دون الأعوص، وفرّ عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتّى بلغوا الجلعب - جبلاً بناحية المدينة ممّا يلي الأعوص -، فأقاموا به ثلاثاً، ثمّ رجعوا إلى رسول الله (ص)، فزعموا أنّ رسول الله (ص)، قال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة » [تاريخ الطبري ج2 ص522].

هذا هو حالُ عثمان بن عفّان، فإنّه هرب من المعركة هروباً لم يهربه أحدٌ حتّى بلغ إلى جبلٍ بناحية المدينة يُقال له الجلعب، وبقي هناك خائفاً مترقّباً ثلاثة أيّام، ورجع بعدها، فسأله النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى أين انتهيت؟ فأخبره، فقال النبيّ (ص): « لقد ذهبتَ فيها عريضة ».

بل أكثر من ذلك، فإنّه أراد أن يتهوّد في تلك الحالة ليكون في أمانهم، فقد قال السديّ – في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا ‌تَتَّخِذُوا ‌الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} -: « لـمّا أصيب أصحاب النبيّ (ص) بأحد، قال عثمان: لألحقنّ بالشام، فإن لي به صديقاً من اليهود يُقال له: دهلك، فلآخذنّ منه أماناً، فإنّي أخاف أن يدال علينا اليهود، وقال طلحة بن عبيد الله: لأخرجن إلى الشام، فإنّ لي صديقاً من النصارى، فلآخذنّ منه أماناً، فإنّي أخاف أن يدال علينا النصارى. فأراد أحدهما أن يتهوّد، والآخر أن يتنصر. فأقبل طلحة على النبيّ (ص) وعنده عليّ بن أبي طالب (ع) فاستأذنه طلحة في المسير إلى الشام، وقال: إنّ لي بها مالاً آخذه ثمّ أنصرفُ، فقال له النبيّ (ص): عن مثل هذا الحال تخذلنا وتخرج وتدعنا؟!... » [ينظر الطرائف ص494، عين العبرة ص28، نهج الحق ص305، وغيرها].

وقد نقل علماءُ العامّة خبرَ السديّ بأسلوب الترميز، قال الطبريّ: « عن السديّ: لـمّا كانت وقعة أحد، اشتدّ على طائفة من الناس، وتخوّفوا أن يدال عليهم الكفّار، فقال رجل لصاحبه: أمّا أنا فألحق بدهلك اليهوديّ، فآخذ منه أماناً وأتهوّد معه، فإنّي أخاف أن تدال علينا اليهود، وقال الآخر: أمّا أنا فألحق بفلان النصرانيّ ببعض أرض الشام، فآخذ منه أماناً وأتنصّر معه » [جامع البيان ج8 ص506]، وهكذا الحال عند غيره من المفسّرين بالتعمية والرمز [ينظر تفسير ابن أبي حاتم ج4 ص1155، تفسير البغوي ج3 ص67، تفسير الخازن ج2 ص53، تفسير ابن كثير ج3 ص133، وغيرها].

وأمّـا عمر بن الخطّاب:

فالأدلّة والشواهد على فراره كثيرة..

منها: النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده الذي ثبت دون غيره من الأصحاب، سيّما ما ورد عن زيد بن وهب قال: « قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتّى لَـم يبقَ معه إلّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبو دجانة وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وثاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفرٌ، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل ابن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله، فقلت له: فأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى » [الإرشاد ج1 ص84].

ومنها: ما عن كليب بن شهاب قال: « خطب عمر يوم الجمعة، فقرأ آل عمران، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها، فلمّا انتهى إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} قال: لـمّا كان يوم أحد هزمناهم، ففررتُ حتّى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى » [جامع البيان ج4 ص193]، والأروى: العنز الجبليّة التي تتسلّق الصخور.

ومنها: ما نقله الواقديّ: « قال رافع بن خديج: ... وإني لأنظر إلى فلان وفلان في عرض الجبل يعدون. فكان عمر يقول: لـمّا صاح الشيطان: (قتل محمد) أقبلت أرقى في الجبل كأنّي ‌أروية.. » [المغازي ج1 ص295]، والأروية: الأنثى من الوعول.

ومنها: ما قاله الواقديّ: « وكان ممّن ولّى عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب... » [شرح النهج ج15 ص24 عن الواقديّ]، بينما ورد في المطبوع من كتاب الواقديّ: « وكان ممّن ولّى فلان والحارث ابن حاطب... » [المغازي ج1 ص277]، وكتب المحقّق في الهامش: « في (ح): عمر وعثمان » بدل « فلان »، فالنسخ الخطيّة قد طالتها أيدي التحريف، فجاءت بعضها بالأسماء وبعضها بالفلننة، وهذا ما نبّه عليه المحقّق في المقدمة بخصوص هذا المورد قائلاً: « ولكن الناسخ لم يقبل هذا في حقّ عمر أو عثمان، فأبدل اسميهما أو اسم أحدهما بقوله: فلان » [المغازي (المقدمة) ص18].

ومنها: ما ورد بشأن صلح الحديبيّة ومعارضة عمر له: « وقام [عمر] من عند النبيّ متسخطاً لأمر الله وأمر رسوله، غير راض بذلك، ثمّ أقبل يمشي في الناس ، ويؤلّب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعرّض به ويقول: وعدنا برؤياه التي زعم أنّه رآها يدخل مكّة، وقد صددنا عنها ومنعنا منها، ثمّ ننصرف الآن، وقد أعطيناه الدنية في ديننا، والله لو أنّ معي أعواناً ما أعطيت الدنية أبداً، فقد كان أعطى الأعوان، وقيل له يوم أحد قاتل، ويوم خيبر، ففر بأعوانه، وبلغ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فقال له: إنّه قد بلغني قولك، فأين كنتم يوم أحد، وأنتم تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في آخركم؟ فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وأستغفر الله ممّا كان منّي يا رسول الله، قد كان الشيطان ركب عنقي في ذلك الوقت » [المسترشد ص537].

وفي روايةٍ: « فقال رسول الله (ص): أما إنّكم ستدخلونه [يعني المسجد الحرام] وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكّة وأعرّف مع المعرّفين، ثمّ أقبل على عمر فقال: أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ وأنا أدعوكم في أخراكم؟ » [المغازي ج1 ص609، وغيره].

ومنها: ما ورد: « أنّه جاءته في أيام خلافته امرأة تطلب برداً من برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر تطلب برداً أيضاً، فأعطى المرأةَ وردَّ ابنته، فقيل له في ذلك، فقال: إنّ أبا هذه ثبت يوم أحد، وأبا هذه فرّ يوم أحد ولم يثبت » [شرح النهج ج15 ص22].

ومنها: ما ورد عن أبي وائل، قال: « مشيتُ خلف عمر بن الخطّاب، فبينما أنا أمشي معه، إذ أسرع في مشيه، فقلت له: على رسلك يا أبا حفص، فالتفت إليَّ مغضباً، وقال لي: أما ترى الرجلَ خلفي؟ ثكلتك أمّك، أما ترى عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقلت: يا أبا حفص، هو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأوّل مَن آمن به وصدّقه وشقيقه، قال: لا تقل هذا - يا أبا وائل - لا أمَّ لك، فوالله لا يخرج من قلبي أبداً فقلت: ولِـم ذلك يا أبا حفص؟ قال: والله لقد رأيتُه يوم أحد يدخل بنفسه في جمع المشركين، كما يدخل الأسد في زريبة الغنم، فيقتل منها ما يشاء، فما زال ذلك دأبه، ونحن منهزمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ثابت، فلمّا وصل إلينا قال: فما بالكم يا ويلكم، أترغبون بأنفسكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إذ بايعتموه؟ فقلت له من القوم: يا أبا الحسن، إنّ الشجاع قد يهزم، فإنّ الكرّة تمحو الفرّة، فما زلت أخادعه حتّى انصرف بوجهه عنّي، يا أبا وائل والله لا يخرج روعه من قلبي أبداً » [الروضة ص228].

إلى غير ذلك من النصوص الكثير الدالّة على هروبه وفراره.

وأمّـا أبو بكر بن أبي قحافة:

فالأدلّة على فراره يوم أحد كثيرة..

منها: النصوص الدالّة على تفرّد أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثبات مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، خصوصاً ما ورد عن زيد بن وهب قال: « قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتّى لَـم يبقَ معه إلّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبو دجانة وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وثاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفرٌ، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل ابن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله، فقلت له: فأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى » [الإرشاد ج1 ص84].

ومنها: ما ورد عن عائشة: « كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى، ثمّ قال: ذاك كان كلَّه يوم طلحة، ثمّ أنشأ يحدّث، قال: كنتُ أوّل من فاء يوم أحد، فرأيتُ رجلاً يقاتل مع رسول الله (ص) دونه، فقلت: كن طلحة، حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلاً من قومي أحبّ إليّ » [مسند الطيالسي ص3، الجهاد ص106، صحيح ابن حبان ج15 ص438، المستدرك ج3 ص266، وغيرها].

وقوله: « أوّل مَن فاء » - يعني رجع - صريح في فراره يوم أحد ورجوعه، وأمّـا دعواه أنّه « أوّل من فاء » فهو غير صحيح، وذلك أنّه يصرّح بأنّ طلحة كان هناك، وطلحة لا شكّ في فراره – كما في كلام ابن مسعود المتقدّم، وكلام السديّ الدالّ على أنّه أراد التنصّر في تلك الحالة! -، فهذا النصّ يدلّ على أنّ أبا بكر رجع بعد طلحة، وأمّـا طلحة فرجع بعد جمعٍ منهم أبو دجانة.

ومنها: ما ورد أنّ أبا بكر قال لعمر – ذات مرّة -: « أنسيت له يوم أحد؟ وقد فررنا بأجمعنا، وصعدنا الجبل.. » [الاحتجاج ج1 ص130].

ومنها: ما قاله الجاحظ: « وقد ثبت أبو بكر مع النبي (ص) يوم أحد كما ثبت عليّ، فلا فخر لأحدهما على صاحبه في ذلك اليوم »، فـردّ عليه أبو جعفر الإسكافيّ قائلاً: « أمّا ثباته يوم أحد فأكثر المؤرّخين وأرباب السيرة ينكرونه » [شرح النهج ج13 ص293].

وأمّـا كلام ابن أبي الحديد المعتزليّ: « ولم يختلف الرواة من أهل الحديث في أنّ أبا بكر لم يفر يومئذٍ، وأنّه ثبت فيمَن ثبت، وإنْ لم يكن نقل عنه قتل أو قتال، والثبوت جهاد وفيه وحده كفاية. وأمّا رواة الشيعة فإنّهم يروون أنّه لم يثبت إلّا عليّ وطلحة والزبير وأبو دجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت، ومنهم مَن روى أنّه ثبت معه أربعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، ولا يعدّون أبا بكر وعمر منهم » [شرح نهج البلاغة ج15 ص21].

فقد ردّ عليه العلّامة المجلسيّ بقوله:

« والعجب منه أنّه ادّعى هنا اتّفاق الرواة على أنّه ثبت أبو بكر ولم يفرّ، مع أنّه قال عند ذكر أجوبة شيخه أبي جعفر الإسكافيّ عمّا ذكره الجاحظ في فضل إسلام أبي بكر على إسلام عليّ (عليه السلام)، حيث قال الجاحظ: وقد ثبت أبو بكر مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوم أحد كما ثبت عليّ، فلا فخر لأحدهما على صاحبه في ذلك اليوم. قال شيخنا أبو جعفر: أمّا ثباته يوم أحد فأكثر المؤرخين وأرباب السيرة ينكرونه... انتهى.

فقد ظهر أنّ ثبات أبي بكر أيضاً ليس ممّا أجمعت عليه رواتهم واتّفقت رواياتهم، مع اتّفاق روايات الشيعة على عدمه، وهي محفوفة بالقرائن الظاهرة؛ إذ من المعلوم أنّ مع ثباته لابدّ أن ينقل منه إمّا ضرب أو طعن، والعجب منه أنّه حيث لم يكن من الطاعنين كيف لَـم يصر من المطعونين؟! ولـمّا لَـم يكن من الجارحين لِـم لَـم يكن من المجروحين؟! وإنْ لَـم يتحرّك لقتال مع كونه بمرأىً من المشركين ومسمع لِـم لَـم يذكر في المقتولين؟! إلا أن يقال: إنّ المشركين كانوا يرونه منهم باطناً، فلذا لم يتعرّضوا له، كما لم يقتل ضرارُ عمرَ.

ولعمري يمكن أن يقال: لو كان حضر ميت تلك الوقعة لكان يُذكَر منه بعضُ ما ينسب إلى الأحياء، ولا يدّعي مثل ذلك إلّا مَن ليس له حظ من العقل والحياء) [بحار الأنوار ج20 ص142].

والحمد لله ربّ العالمين