انتصار المسلمين في معركة أحد

السؤال: هل هزم المسلمون في معركة أحد أم انتصروا؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنّ أحداث معركة أحد لا تكاد تخفى على المسلمين، إذ كان النصر حليف المسلمين في بداية المعركة، فطمع الذين يحرسون ظهور المسلمين بالغنائم، وتركوا مواقعهم مخالفين بذلك التوجيهات الصارمة من النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فاستغلّ ذلك المشركون والتفّوا من وراء الجبل، ووقع المسلمون في شراكهم، وتكبّدوا خسائر فادحة إذ قُتِلَ جملةٌ كبيرة من الأصحاب، وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)، وحصلت فتنة عظيمة، وفرّ المسلمون من المعركة، فصعد بعضُهم الجبل، وبعضهم هرب لا ينظر وراءه حتّى وصل إلى المدينة، ولم يثبت في تلك العاصفة إلّا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، واتّجهت الكتائب نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) طمعاً بقتله، ووقف لهم أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، يصدّهم واحدة تلو الأخرى، يقتل قائدهم ويشتّت جمعهم، إلى أن هدأت الفورة وسكنت الشدّة، فصار المسلمون يرجعون شيئاً فشيئاً، منهم أبو دجّانة وغيره - كما ذكرنا في بعض الأجوبة -، ومُنِيَ المشركون بخسائر فادحة، ما أدّى لتوقّف القتال، والرجوع إلى مكّة.

فالمسلمون وإنْ تكبّدوا خسائر فادحة بالنكسة الحاصلة وسط المعركة، إلّا أنّ نهايات الحرب كانت كبداياتها، فالمشركين أيضاً تكبّدوا خسائر فادحة، بفضل ثبات النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وجهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولحاق جملة من الأصحاب، فانتهت الحرب بهزيمة المشركين وكسر شوكتهم وفقدان جملة من قياداتهم الحربيّة، ففي الرواية عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام) قال: « كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة، قتلهم عليٌّ عن آخرهم، وانهزم القومُ، وطارت مخزوم منذ فضحها عليّ بن أبي طالب يومئذٍ »[الإرشاد ج1 ص88].

فهذه الرواية صريحةٌ بأنّ المشركين قد انهزموا في يوم أحد بعد أنْ تكبّدوا خسارة أصحاب الألوية الذين قتلهم جميعاً أمير المؤمنين (عليه السلام).

وكذلك في الرواية الأخرى التي وردت عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): « .. ثمّ انهزم الناس [أي: المشركون]، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، امضِ بسيفك حتّى تعارضهم، فإنْ رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنّهم يريدون مكة، وإنْ رأيتَهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة، فأتاهم عليّ (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة، فانصرف إلى صاحبك، فاتّبعهم جبرئيل (عليه السلام)، فكلّما سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في السير وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمّد قد أقبل، فدخل أبو سفيان مكّة، فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطّابون فدخلوا مكّة فقالوا: رأينا عسكر محمّد كلّما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارسٌ على فرس أشقر يطلب آثارهم » [الكافي ج8 ص321].

فإنّ هذه الرواية – إضافةً لتعبيرها عن المشركين بأنّهم انهزموا – تبيّن أشياء تتعلّق بما بعد المعركة؛ وذلك أنّ المشركين لو كانوا قد انتصروا في المعركة لكان من الطبيعيّ أنّ يتّجهوا إلى المدينة، إلّا أنّهم لَـم يتّجهوا نحو المدينة، بل تجهّزوا للتوجّه نحو مكّة، وقد رأوا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عارضهم بالسيف، امتثالاً لكلام النبيّ (ص): « يا علي، امضِ بسيفك حتّى تعارضهم »، وهذا يعني أنّه أبدى لهم أنّه مصمِّم على العودة للقتال إنْ لَـم يكونوا بصدد المغادرة، فيطمئنه أبو سفيان قائلاً: « يا عليّ، ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة، فانصرف إلى صاحبك »، فأبو سفيان كان ممتلئاً رعباً من أمير المؤمنين (ع) فيطمئنه – للتخلّص منه - بأنه غير راغب باستمراريّة الحرب، ولَـم يجرؤ حينها على مهاجمته بمَن معه وهم يُعدّون بالآلاف وهو لوحده، فرجع أمير المؤمنين (ع) إلى النبيّ (ص) وفي مخيّلة أبي سفيان ومَن معه أنّ النبيّ (ص) ومَن معه مستعدّون لاستمرار المعركة.

فاتّجه جيش المشركين نحو مكّة، فإذا بهم يسمعون صوت حافر فرس جبرئيل (ع) وهو يتبعهم، فكلّما سمعوا الصوت جدّوا وأسرعوا في السير نحو مكّة؛ ظنّاً منهم أنّ جيش المسلمين خلف هذا الفارس الذي يتبعهم إلى أن دخلوا مكّة، فأخبروا أهلها أنّ جيش المسلمين في إثرهم، ليستعدّوا للدفاع.

وهذا يبيّن أنّ المشركين رجعوا إلى مكّة منهزمين خائفين من جيش المسلمين، في حين أنّ جيش المسلمين بقوا في أرض المعركة ليدفنوا شهداءهم، وأظهروا للمشركين – ببركة حكمة رسول الله (ص) وشجاعة أمير المؤمنين (ع) – أنّهم على استعدادٍ تامّ لاستمرار القتال، بل أظهروا لهم أنّهم على إثرهم يتبعونهم إلى مكّة.

ورد عن عبد الله بن عبّاس: « ما نُصر رسول الله (ص) في موطنٍ نصرُه في أُحد » [المعجم الكبير ج10 ص301].

وقال الشيخ المفيد – في كلامه عن يوم أحد -: « وكان الفتح له في هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء » [الإرشاد ج1 ص78].

وفي شرح الأخبار: « وبقي عليّ (صلوات الله عليه) وحده بين يديه، فقال له: امضِ يا عليّ، فقال: إلى أين أمضي يا رسول الله؟ أرجع كافراً بعد أن أسلمتُ؟ وكانت كراديس المشركين تأتيهما، فيحمل رسول الله (صلوات الله عليه وآله) على بعضٍ، ويقول لعليّ: احمل أنت على هؤلاء الآخرين، فيكشفان مَن أتاهما، ويردانهم بعد أن يبليا فيهم، وكان منهما (صلوات الله عليهما) يومئذٍ ما لم يكن أحد قبلهما مثله، حتّى كشف الله عزّ وجلّ المشركين، وهزمهم بهما » [شرح الأخبار ج1 ص269].

الحاصل: يتبيّن من النصوص المتقدّمة وغيرها: أنّ النصر النهائيّ في معركة أحد كان حليف المسلمين ببركة ثبات النبيّ (ص) والوصيّ (ع) ثمّ رجوع بعض الأصحاب للمعركة.