هل يصح إطلاق ألفاظ الجلال على المعصوم؟

السؤال: سلام عليكم مرات أشوف تعليقات الناس يكتبون أسم من أسماء اهل البيت صلوات ربي وسلامه عليهم ويكتبون جل جلاله او عز وجل فشنو رأيكم

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنّ لفظي «جلّ جلاله» و «عزّ وجلّ»، ونحوهما من الألفاظ الجلاليّة التي تذكر لله تعالى دون غيره، هي من الألفاظ التي جرت سيرة المسلمين منذ الصدر الأوّل على استعمالها في حقّ الله تبارك وتعالى، وعدم استعمالها في حقّ غيره، فالمسلمون لم يستعملوا لفظ «جل جلاله» و«عزّ وجلّ» ونحوها في حقّ النبيّ ولا الإمام ولا الملك ولا غيرهم؛ لارتكاز كونها من الألفاظ المختصّة بالله جلّ ثناؤه، فلا تُطلق على غيره سبحانه وتعالى.

فإنّ هذين اللفظين - وإنْ كانا مركّبين: من «جَلَّ» بمعنى العظمة، قال ابن فارس: (جلّ: جلّ الشيء: عظم) [مقاييس اللغة ج1 ص417]، و «عَزَّ» بمعنى القوّة ونحوها، قال ابن فارس: (عزّ: يدلّ على شدّة وقوّة وما ضاهاهما من غلبةٍ وقهرٍ) [مقاييس اللغة ج4 ص38]، وهما - بحدّ ذاتهما حسب وضعهما اللغويّ - عامّان غير خاصّين، إلّا أنّ هذا التركيب الخاصّ – أعني «جلّ جلاله» و «عزّ وجلّ» - مختصّ بالله تعالى عند المتشرّعة كما ذكرنا.

ولَـم يرد في القرآن الكريم، ولا الأحاديث الشريفة استعمالُ هذه الألفاظ في حقّ المعصومين (عليهم السلام)، وقد كان الأئمّة (عليهم السلام) يعلّمون الأصحاب أن يقولوا فيهم من الفضل دون غلو وتقصير، وأن لا يقولوا فيهم ما لا يقولونه في أنفسهم، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): « أحبّوا أهل بيت نبيّكم حبّاً مقتصداً، ولا تغلوا، ولا تفرقوا، ولا تقولوا ما لا نقول » [قرب الإسناد ص129].

وفي إطلاق هذه الألفاظ المختصّة بالله تعالى على غيره إيهامٌ للعوامّ بأنّه تأليه للمعصومين (عليهم السلام) – وإنْ فُرِض له معنى لا تأليه فيه -؛ لارتكاز كون هذه الألفاظ خاصّة بالله تعالى، والإيهام للعوام إضلالٌ لهم.

وفيها أيضاً خروجٌ عن أدبيّات المسلمين والمؤمنين في المدح والثناء والتعظيم والتبجيل عند ذكر المعصومين (عليهم السلام)؛ وذلك أنّ استعمال هذه الألفاظ داخل في أدبيّات الغلاة القائلين بألوهيّة أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّهم يتعمّدون استعمال الألفاظ المختصّة بالله تعالى عند ذكر المعصومين (عليهم السلام)، وعدم استعمال الألفاظ التي جرت عليها سيرة أهل الإيمان كـ «عليه السلام» و«صلى الله عليه» ونحوها؛ باعتبار أنّ هذه الألفاظ يستعملها – حسب زعمهم - المقصّرة الذين لا يعرفونهم بمقام الألوهيّة، فلا معنى للصلاة والسلام عليهم وهم آلهة، ففيها تنقيص وتقصير بحقّهم، فالأولى عندهم أن يُقال: «منه السلام» بدل «عليه السلام».

ولا يخفى أنّ التشبّه بهم فيما اشتهروا به واختصّوا قبيح ومذموم، وهو نافذة من نوافذ إبليس ليضلّ المؤمنين عن الإيمان شيئاً فشيئاً، فجملة من الغلاة القائلين بألوهيّة أهل البيت (عليهم السلام) كانت لهم حالةٌ من الصلاح أوّل أمرهم، ثمّ انحرفوا شيئاً فشيئاً بزعم أنّ ما يقولونه يعدّ من المعرفة العالية التي اختُصّوا بها عن سائر المؤمنين، وأنّ ذلك يعدّ من غوامض مقاماتهم التي لا يدركها الناس، وهكذا صاروا مغالين قالوا ما قالوا من تلك الأقاويل العظيمة والعياذ بالله، لا أنّهم انحرفوا فجأة على حين غرّة.

فحريٌّ بالمؤمنين أن يحذروا مزالق إبليس وشراكه، فلا يغرّنهم لإطلاق عنان أوهامهم، وإرسال أقلامهم، في إطلاق ما يختصّ بالله تبارك وتعالى على المعصومين (عليهم السلام) وإسباغ صفاته عليهم، بزعم أنّ ذلك يعدّ من المعرفة الحقيقيّة بهم، فإنّ ذلك ليس إلّا الانحراف عن الجادّة، والمعصومون (عليهم السلام) وإنْ كان لهم مقامٌ رفيع لا يبلغه بشر بل لا يخطر على قلب أحد – كما دلّت الآيات والروايات -، إلّا أنّهم مخلوقون، مربوبون، مفتقرون لله جلّ جلاله، محتاجون له في أصل وجودهم وبقائهم وفي كمالاتهم ومقاماتهم.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « لعن الله مَن قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ولعن الله مَن أزالنا عن العبوديّة لله الذي خلقنا، وإليه مآبنا ومعادنا، وبيده نواصينا » [رجال الكشي ج2 ص590].

وعن مصادف قال: « لـمّا أتى القوم الذين أتوا بالكوفة دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بذلك، فخرّ ساجداً، وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى، وأقبل يلوذ بأصبعه ويقول: بل عبد الله، قن داخر - مراراً كثيرةً -، ثمّ رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته، فندمتُ على أخباري إيّاه. فقلت: جعلت فداك، وما عليك أنت من ذا؟ فقال: يا مصادف، إنّ عيسى لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لكان حقّاً على الله أن يصمّ سمعَه ويعمي بصرَه، ولو سكتُّ عمّا قال فيَّ أبو الخطاب لكان حقّاً على الله أن يصمّ سمعي ويعمي بصري » [رجال الكشي ج2 ص588].

وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) – في حديث -: « يا ابن خالد، إنّما وضع الأخبار عنّا في التشبيه والجبر الغلاةُ الذين صغّروا عظمة الله، فمَن أحبّهم فقد أبغضنا، ومَن أبغضهم فقد أحبّنا، ومَن والاهم فقد عادانا، ومَن عاداهم فقد والانا، ومَن وصلهم فقد قطعنا، ومَن قطعهم فقد وصلنا، ومَن جفاهم فقد برّنا، ومَن برّهم فقد جفانا، ومَن أكرمهم فقد أهاننا، ومَن أهانهم فقد أكرمنا، ومَن قبلهم فقد ردّنا، ومَن ردّهم فقد قبلنا، ومَن أحسن إليهم فقد أساء إلينا، ومَن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومَن صدّقهم فقد كذّبنا، ومَن كذّبهم فقد صدّقنا، ومَن أعطاهم فقد حرمنا، ومَن حرمهم فقد أعطانا. يا ابن خالد، مَن كان من شيعتنا فلا يتخذنّ منهم وليّاً ولا نصيراً » [التوحيد ص364، عيون أخبار الرضا ج1 ص130].