هل الرافضة يتقلّبون في استدلالاتهم على أحقية مذهبهم؟
السؤال: الروافض متقلّبون، فمرّات يأخذ الآية ويهمل أيّ حديث يبيّنها، مثلاً قوله سبحانه وتعالى: (وأتمّوا الصيام إلى الليل)، فالرافضيّ يرفض أيّ حديث يبيّن أنّ الإفطار يحصل بدخول وقت المغرب! ومرّات لا يأخذ الآية إلا ومعها الحديث، مثل آية التطهير فالرافضيّ لا يأخذها إلا وحديث الكساء معها (علماً أنّ حديث الكساء لا يصح)! وكذلك آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، فالرافضيّ لا يأخذها إلا بإكذوبة التصدق بالخاتم! فلماذا هذا التقلّب المكشوف منكم أيّها الرافضة؟!
الجواب:
يحتوي هذا السؤال على عدّة مسائل يجب الوقوف عندها ولو على نحو الاختصار:
الأولى: فيما يتعلّق بوقت إفطار الصائم:
فإنّ نقطة الخلاف بين الشيعة والسنّة موضوعيّة وليست حكميّة، بمعنى أنّ الشيعة والسنّة متّفقون على أنّ وقت إفطار الصائم هو دخول الليل، وبالتالي لا يوجد نزاع وخلاف حول وجوب الإفطار إذا دخل الليل، إلّا أنّهم اختلفوا في تحديد وقت دخول الليل.
وبعبارة أكثر وضوحاً: اتّفق الجميع على وجوب إتمام الصيام إلى الليل، واتّفقوا أيضاً على أنّ المغرب هو أوّل الليل، إلّا أنّهم اختلفوا في تحديد وتعيين وقت المغرب، فأهل السنّة يبادرون إلى الإفطار بمجرّد غروب الشمس من أفق السماء، فالغروب عندهم يتحقّق باستتار القرص وغيبوبته عن النظر، بينما الشيعة يؤخّرون الإفطار دقائق إضافيّة حتّى يتحقّق دخول المغرب، والعلامة التي تدلّ على دخوله هي غياب الحمرة المشرقيّة، فلا يُكتفى بمجرّد استتار الشمس عن الأفق الحسيّ، وإنّما يجب بلوغها تحت الأفق إلى درجة؛ وذلك لأنّ المشرق مطلّ على المغرب، ووجود حمرة في المشرق دليل على أنّ الشمس ما زالت موجودة، وإذا ذهبت عُلم سقوط قرص الشمس ودخول الليل.
وروايات الشيعة عن الأئمّة من أهل البيت تؤكّد ذلك، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » [وسائل الشيعة ج4 ص174].
أمّا روايات أهل السنّة فقد يُستفاد منها ذلك أيضاً، ففي رواية ابن أبي شيبة، والبخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والترمذيّ، والنسائيّ، عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): « إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم... » [صحيح البخاري ج2 ص691].
ومن الواضح أنّ إقبال الليل من جهة المشرق تعبير عن ارتفاع الحمرة المشرقيّة أو زوالها. وعلى أقلّ التقادير أنّ الاحتياط يوجب التأخير والتأكّد من دخول الليل يقيناً.
الثانية: تفسير آية التطهير بحديث الكساء:
من الواضح أنّ قولَ السائل - بأنّ الشيعة تفسّر آية التطهير بحديث الكساء، وهو حديث لا يصحّ – صادرٌ عن هوى النفس، أو عن بغضٍ دفين في قلبه لأهل بيت النبوّة، وإلّا كيف جاز له تضعيف حديث الكساء وقد أجمعت الأمّة على صحّته؟ حتّى ابن تيمية - الذي يتشدّد في فضائل أمير المؤمنين (ع) – لَـم يقل بضعفه.
ويكفينا هنا للردّ عليه: بأنّ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: « خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » [صحيح مسلم ج7 ص130].
ثالثاً: تفسير آية الولاية برواية التصدّق بالخاتم:
قال السائل: (وكذلك آية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} فالرافضي لا يأخذها إلا بأكذوبة التصدق بالخاتم)!
ويبدو أنّ صاحب السؤال يسير على طريقة ابن تيميّة الذي يضعف كلّ فضيلة لعليّ (عليه السلام)، وكان بإمكاننا الإشارة إلى عشرات المصادر والكتب السنيّة التي روت هذه الواقعة، إلّا أنّ ذلك لا يجدي نفعاً مع مَنْ وضع حاجزاً بينه وبين فضائل أمير المؤمنين (ع)، ولذا سوف نكتفي بما رواه الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عبّاس في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين (ع) عندما تصدق بخاتمه.
وسند الرواية عند الحسكاني هو: (حدّثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي بالبصرة قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس..)
وهناك طريق آخر: (عن سفيان الثوري قال: وحدّثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس...) [شواهد التنزيل ج1ص212].
وهاك بيان حال رجال الإسناد:
فالحسن بن محمّد بن عثمان الفسويّ: وثّقه السمعانيّ؛ قال: (نزيل البصرة، عنده أكثر مصنّفات أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسويّ، ثقة نبيل) [الأنساب ج4ص385].
ويعقوب بن سفيان: هو أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسويّ، المحدّث الحافظ صاحب كتاب (المعرفة والتاريخ)، ترجمه الخطيب في [الرحلة في طلب الحديث ص206]، وقال ابن حجر العسقلانيّ في ترجمته: (وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان ممّن جمع وصنّف، مع الورع والنسك، والصلابة في السُنّة، وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحاكم: كان إمام أهل الحديث بفارس - ثمّ قال - وقال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس، أحدهما وأرحلهما: يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً) (تهذيب التهذيب 11: 338) [تهذيب التهذيب ج11 ص338].
والفضل بن دكين: معروف مشهور، وثّقه الكلّ [ينظر تهذيب التهذيب ج8 ص244].
وسفيان الثوريّ: أعلى من التزكية عندهم [ينظر تهذيب التهذيب ج4 ص99].
وسفيان روى هذا الحديث من طريقين يجتمعان فيه:
الأوّل: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس.
والثاني: عن الأعمش عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس.
وهؤلاء كلّهم ثقات عند القوم.
والحديث له شواهد كثيرة جدّاً عن عدد من الصحابة توصله إلى حدّ التواتر.
اترك تعليق