« لو نزل العذاب ما نجا منه إلا عمر »

السؤال: ما صحّة الحديث الذي يتداوله المخالفون عن النبيّ (ص) أنّه قال: « لو نزل عذاب ما نجا منه إلّا عمر »؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى أنّ المسلمين انتصروا في معركة بدر الكبرى، وأسروا جماعة من المشركين، فنزلت في شأن الأسرى آيات كريمة، وهي قول الله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة الأنفال: 67-69]، وذكرنا في جوابٍ حول هذه الآيات: أنّ العتاب الإلهيّ للمسلمين الذين أسروا المشركين، مع أنّ الله تعالى نهاهم عن الأسر قبل الإثخان في الأرض، وهذا العتاب ليس للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بل لأولئك الذين قاموا بأسر المشركين كما هو واضح من قوله: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ، وأنّهم يستحقّون العذاب العظيم، ثـمّ مَنَّ الله عليهم فأحلّ لهم ذلك.

وتبيّن الروايات الواردة أنّ المسلمين أسروا سبعين شخصاً من جيش المشركين، أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أميرَ المؤمنين (عليه السلام) أن يقتل اثنين منهما، ولـمّا رأتِ الأنصار من حال النبيّ أنّه سيقتل عامّة الأسرى، لجأوا له وطلبوا منه أن يفادي الأسرى مقابل المال، ولَـم يقبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذلك منهم لعدم مشروعيّته حينها، وكان ممّن أشار عليه ذلك أبو بكر بن أبي قحافة، في حين أشار عمر بن الخطّاب أن يقتلهم، وواجهته الأنصار بأنّه يقول ذلك لأنّه لَـم يأسر أحداً، فيريد بمشورته هذه أن يمنع المنفعة المترتّبة لهم على إطلاق الأسرى مقابل المال، فكانت مشورته ظاهرة عند الصحابة في أنّها ناشئة من حسد ولَـم تكن لله تعالى. ثـمّ إنّ الله تعالى أحلَّ ذلك لهم بعد العتاب، كما هو واضح من الآيات القرآنيّة.

في هذا السياق: يتداول المخالفون في كتبهم حديثاً منسوباً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: « لو نزل عذابٌ ما نجا منه إلّا عمر »، أي لو نزل عذاب فيما يخصّ أسرى المشركين يوم بدر ومسألة الفدية لَـم ينجُ منه إلّا عمر بن الخطّاب، مصوِّرين أنّ موقف جميع المسلمين – وفيهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) – هو عدم تطبيق حكم الله تعالى، ولهذا كانوا يستحقّون العذاب العظيم، إلّا عمر بن الخطّاب فإنّه الوحيد الذي كان يطالب بتطبيق حكم الله تعالى ولهذا لَـم يكن مستحقّاً للعذاب!! وهذا – كما ترى – ظاهر الضعف، ولبيان ذلك نقول:

ورد هذا الحديث بعدّة ألفاظ ومصادر، وهي:

1ـ روى الطبريّ وابن أبي حاتم بإسنادهما عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله (ص): « لو عذبنا في هذا الأمر - يا عمر - ما نجا غيرك » [تفسير الطبري ج14 ص71، تفسير ابن أبي حاتم ج5 ص1735].

2ـ نقل الزيلعيّ عن الطبريّ قال: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق:... فقال رسول الله (ص): « لو نزل من السماء عذاب لَـمَا نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ » [تخريج الأحاديث ج2 ص39]. ويلاحظ أنّ الطبريّ أخرجه من طريق ابن زيد المتقدّم وفيه ذُكر ابن الخطّاب، ومن طريق ابن إسحاق بهذا الإسناد في سعد بن معاذ، وليس فيه ذكرٌ لعمر.

3ـ نقل الواقديّ عن ‌خالد ‌بن ‌الهيثم مولى بني هاشم، عن يحيى بن أبي كثير، قال: ... وقال رسول الله (ص): « لو نزل عذاب يوم بدر ما نجا ‌منه ‌إلّا ‌عمر » [المغازي ج1 ص110].

4ـ قال السيوطيّ: وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر:... فقال رسول الله (ص): « إن كاد ليمسّنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلّا عمر » [الدر المنثور ج3 ص203].

أقول: هذا الحديث لا يصحّ من جهة إسناده، ولا من جهة متنه:

فأمّـا من جهة إسناده، فإنّ جميع الطرق المتقدّمة ضعيفة؛ وذلك أنّ الطرق الثلاثة الأولى منقطعة، فإنّ ابن زيد وابن إسحاق وابن أبي كثير متأخّرون جداً عن زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأمّـا الرابع فلا يُعلم طريق ابني المنذر ومردويه وأبي الشيخ إلى نافع لينظر إنْ كان متّصلاً بالرجال الثقات أو لا، فالنتيجة: هذا الحديث لا يصحّ من جهة إسناده.

وأمّـا من جهة متنه، فإنّه غير قابل للتصديق؛ وذلك أنّ الحديثَ يدلّ على استحقاق المسلمين – وفيهم رسول الله – العذاب عدا عمر بن الخطّاب، ولا إشكال أنّ في هذا يُعـدّ تنقيصاً لمنزلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأنّه استحقّ العذاب في ذلك الحال، وهذا يتنافى مع عصمته وعلوّ رتبته، وهو مخالفٌ للكتاب العزيز والسنة القطعيّة والعقل الصريح، فلذا سننقل بعض الروايات والآثار وكلمات العلماء التي تؤيّد بطلان هذا الحديث:

1ـ ما ورد عن الإمام الجواد (عليه السلام) في روايةٍ: « قال يحيى: روي أنّ النبيّ (ص) قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلّا عمر، فقال (ع): وهذا محال أيضاً، لأنّ الله تعالى يقول : وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فأخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحداً ما دام فيهم رسول الله (ص) وما داموا يستغفرون » [الاحتجاج ج2 ص249].

2ـ ما ورد عن المأمون العبّاسيّ: « قال آخر: قد قال النبيّ (ص): لو نزل العذاب ما نجى إلّا عمر بن الخطاب، قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيّه (ص): وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، فجعلتم عمر مثل الرسول » [عيون أخبار الرضا ج2 ص203].

3ـ قال أبو القاسم الكوفيّ: « وأمّا ما رووا عن الرسول (ص) قال - بزعمهم يوم بدر -: « لو نزلنا علينا العزاب ما نجا إلّا ابن الخطاب »، فما عند ذوي الفهم أجهل وأضلّ وأعمى قلباً ممّن استجاز رواية هذا واستحسن نقله منهم؛ إذ لو كان ذلك لأوجب هلاك الرسول (ص) بالعدا، ونجاة ابن الخطاب الذي كان يقول: (لولا عليّ لهلك عمر)، (ولولا معاذ لهلك عمر)، فكيف يسلم من الهلكة مَن كان - بزعمهم - لا يسلم من الهلاك دونه؟ ومع هذا فمِن قولهم المنكوس: أنّ أبا بكر أفضل من عمر، وقد أوجبوا إهلاكه لو نزل العذاب ونجاة عمر، فالذي كان ينجو ويسلم من العذاب لو نزل يجب أن يكون أفضل ممّن كان يهلك به. وهذا الخبر يوجب أنّ عمر أفضل من الرسول (ص) وأبي بكر وجميع الخلق، فلمّا كان أولياؤهما مخالفين لهم في تفضيل أبي بكر عليه كانوا قد صرّحوا بتكذيب علمائهم المتخرّصين لهم هذا الخبر وما يشاكله من أخبار الملحدين، ولا يبعد الله إلا مَن ظلم وقال ما لا يعلم » [الاستغاثة ج2 ص44].

4ـ قال العلّامة الكراجكيّ: « ومن عجيب كذبهم، ومفرط غلوّهم: دعواهم أنّ رسول الله (ص) قال: « لو نزل العذاب ما نجا إلّا عمر بن الخطاب »، وهذا تصريح بالكفر والردّة، والخروج عن الملّة؛ لأنّهم أوجبوا أنّه لولا عمر بن الخطاب لهلك جميع الناس وفيهم رسول الله الذي قال الله تعالى فيه: وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، وفيهم أهل بيته المكرمون الذين شهد بطهارتهم التنزيل في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. هذا، والمحفوظ عن عمر أنّه دعا بالويل والثبور عند احتضاره، وتمنّى لو كان تراباً، وأنّ أمّه لم تلده، فلولا أنّه رأى بوادر ما توعّد به على سيئ أعماله، وأشرف على مقدّمات العذاب وأهواله، لم يقل هذا عند احتضاره، فكيف يصحّ القول بأنّه لولا من هذه صفته لعذب الله خلقه الذين فيهم خيرته وصفوته؟ وهل يخفى هذا الافتعال إلّا على العمي والجهّال؟! » [التعجب ص144].

وينظر أيضاً ما ذكره السيّد العامليّ في [الصحيح من سيرة النبيّ ج6 ص30].