هل لله عزّ وجلّ يحدّه مكان و زمان ؟
سؤال: الثابت في الروايات عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) أنَّ لله عزّ وجلّ لا يحدّه مكان ولا زمان فكيف ذلك؟ وفي قصّة المعراج ذهب إلى السماء؟ (وكان قاب قوسين أو أدنى) من المكان المقدّس لله؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيّها السائل - وفّقك الله - أنَّ علماءنا الأعلام ذهبوا في تفسير عبارة: (دَنَا فَتَدَلَّى) إلى رأيينِ مشهورين:
أحدهما: أنّ الذي دنا هو جبريل (ع)، ليعرجَ بالنبيّ (صلّى الله عليهِ وآلهِ)، أو دَنا بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فنزل إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالوحي.
إذْ قال الشيخ الطوسيّ في تفسيره: والمعنى ثمّ دنا جبرائيل إلى محمّد (صلّى الله عليه واله)، فتدلّى اليه من السماء " فكان قاب قوسين أو أدنى " معناه كان بينه وبين جبرائيل مقدار قاب قوسين.. [التبيان في تفسير القرآن ج9ص411].
وقال ابن شهرآشوب: ثُمَّ (دَنا فَتَدَلَّى) أي نزل (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي كان جبريل من محمّد على هذا المقدار، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى يعني جبريل إلى النبي (صلى الله عليه وآله).. [متشابه القرآن ج 1 ص 101].
والرأي الآخر: أنّ الذي دنا هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد سُئل الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، عن الله تعالى هل يوصف بمكان، فقال: تعالى الله عن ذلك. فقيل: فقول الله تعالى: (ثمّ دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى)؟ قال (عليه السلام): ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات ثمّ تدلّى فنظر من تحته إلى ملكوت الارض، حتّى ظنّ أنّه في القرب من الأرض، كقاب قوسين أو أدنى وكان معراجه بعد النبوّة بسنين [علل الشرائع: 55].
ثُمَّ ليعلم أنّه على أيّ تقديرٍ كان الأمر من هذين الرأيين، فإنّه لا يصحّ ما خطر في ذهن السائل، سواءٌ قلنا: إنّ جبرئيل (ع) دنا من النبيّ (ص) بالوحي أم قلنا: إنّ النبيّ (ص) قربَ من حجب النور وزادَ في القرب فرأى من آيات ربّه الكبرى.
وبعبارة أخرى: ليس المراد من هذين الرأيين أنّ جبرئيل (عليه السلام) أو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد وصلا قريباً من الله تعالى، لكي يقال: كيف يصحّ ذلك؟ مع أنّ الله لا يحدّه مكان، ولا يحويه زمان؟
أضفْ إلى ذلك أنّ بعض المفسّرين ذهب إلى الدنو المذكور في الآية، ليس دنوّاً مادّياً حتّى يلزم منه تجسيم الذات المقدّسة، وإنّما هو دنوٌّ معنويٌّ، ويؤيّده قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى) [النجم:11]، إذْ هو صريح في الرؤية القلبيّة، وإذا كان الدنو بهذا المعنى فحينئذٍ سيرتفع الإشكال.
قال صاحب تفسير الأمثل: (إنّنا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ المراد من هذه الآيات هو نوع من الرؤية الباطنيّة والقرب المعنويّ الخاصّ فلا تبقى أيّة مشكلة حينئذٍ. [الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل ج17ص217].
وجاء في تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ أنّ معنى قوله تعالى: "ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى* فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ" .. أَدْنىٰ أي من نعمته ورحمته. [تفسير القميّ ج2ص 334].
والحمد لله أولا وآخرا.
اترك تعليق