هل السيد الخوئيّ لم يجزم بتواتر حديث الغدير؟
السؤال: يقول السيّد الخوئيّ: (وروايات غدير خمٍّ كادت أن تكون متواترة)، هل المقصود بقوله (كادت) يعني أنّه لم يجزم بتواتر حديث الغدير؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى على المتتبّع لكلمات العلماء أنّ السيّد أبا القاسم الخوئيّ (قدّس سرّه) ترجم لأبي جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبريّ العاميّ - صاحب التفسير والتاريخ -، وتصدّى لرفع تهمة التشيّع المنسوبة إليه بسبب تصنيفه كتاب (طرق حديث مَن كنت مولاه)، فذكر أنّ روايات الغدير - يعني عند العامّة - مستفيضة جدّاً كادت تبلغ حدّ التواتر، ويريد بذلك: أنّ تصنيفه كتاباً في طرق حديث الغدير لا يعدّ دليلاً على تشيّعه؛ لأنّ طرق هذا الحديث مستفيضة ولا تختصّ الشيعة بروايتها حتّى يُعدّ تصنيفه الكتاب دليلاً على تشيّعه، وهذا نصّ كلامه (قدّس سرّه): (وحاول بعضُهم إثبات تشيّعه؛ لتصنيفه كتاب غدير خم. ومن الظاهر أنّه لا دلالة فيه على ذلك؛ فإنّ حديث غدير خمّ، لم ينكره إلّا المعاند المكابر، وروايات غدير خمّ كادت أن تكون متواترة، واعترف بها جمهور علماء العامّة..) [معجم رجال الحديث ج16 ص157].
ولا شكّ أنّ حديث الغدير متواتر عند الشيعة وعند السنّة، كما أنّه متواتر عند السيّد الخوئيّ (قدّس سرّه)، فإنّه صرّح في مواضع كثيرة بتواتره، وإليك ثلاثة مواضع من كتبه:
1ـ قال (قدّس سرّه) في بعض أبحاثه الأصوليّة: (التواتر اللّفظيّ: وهو أن يخبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب لسماع لفظ بخصوصه عن المعصوم -سلام الله عليه- كالتواتر الحاصل بالنسبة إلى قول النبيّ (مَنْ كنت مولاه فعليٌّ مولاه) بغدير خمٍّ) [غاية المأمول من علم الأصول ج2 ص178-179].
2ـ وقال في بعض أبحاثه الفقهيّة: (بل هذا ثابت بالروايات المتواترة، وفي خطبة حجّة الوداع: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى) [مصباح الفقاهة ج3 ص284].
3ـ وقال في أرجوزته المشهورة في الإمامة:
لا ينكِرُ الغديرَ إلّا جاحِدُ * مُکابرٌ منافقٌ مُعانِدُ
إنّ الغديرَ أمرُه قَدْ اشتَهَر * رواهُ أربابُ الحَديثِ و السِّيَر
راجعْ کتاباً للأمينيّ کَي ترى * أنّ الحديثَ جاوَزَ التَواتُرا
وعبارته صريحة في أنّ الحديث ليس متواتراً فحسب، بل جاوز حدّ التواتر.
إذا عرفتَ هذا، فيقع الكلام في بيان المراد من قوله (قدّس سرّه): (وروايات غدير خمّ كادت أن تكون متواترة)، فنقول: إنّ السيّد (قدّس سرّه) ناظر إلى طرق حديث الغدير عند المخالفين، فإنّه في مقام دفع نسبة التشيّع عن أبي جعفر الطبريّ - الذي هو من أعلام المخالفين - لتصنيفه الكتاب في طرق حديث الغدير، فقال: (ومن الظاهر أنّه لا دلالة فيه على ذلك؛ فإنّ حديث غدير خمّ، لم ينكره إلّا المعاند المكابر، وروايات غدير خمّ كادت أن تكون متواترة، واعترف بها جمهور علماء العامّة)، ومن الواضح أنّه ليس ناظراً في كلامه إلى روايات الغدير في مصادر الفريقين - شيعة وسنّة - وطرقهم؛ إذ الحديث متواتر عند الشيعة بلا شكّ، وإنّما هو ناظر إلى روايات الغدير في مصادر المخالفين وطرقهم، ولعلّه (قدّس سرّه) لَـم يكن مستحضراً لطرق الحديث عند المخالفين ليجزم بتواترها عندهم، فاكتفى بقوله: (كادت..)، وهذا من شدّة ورعه العلميّ.
قال الشيخ الطوسيّ (قدّس سرّه): (الذي يدلّ على صحّة الخبر: هو أنّه قد تواترت به الشيعة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد رواه أيضاً من مخالفيهم مَن إنْ لم يزيدوا على حدّ التواتر لم ينقصوا منه، لأنّه لا خبرَ في الشريعة ممّا قد اتّفق مخالفونا معنا على أنّه متواتر نُقِلَ كنقله، ألا ترى أنّ أصحاب الحديث طرّقوه من طرقٍ كثيرة، هذا محمّد بن جرير الطبريّ قد أورده من نيّف وسبعين طريقاً في كتابه المعروف في ذلك) [الرسائل العشر ص134].
ثـمّ لو تنزّلنا عن جميع ذلك، وقلنا: إنّ عبارة السيّد (قدّس سرّه) في المعجم تفيد عدم ثبوت تواتر الحديث، فنقول: إنّ عبارته في الأرجوزة: (راجعْ کتاباً للأمينيّ کَي ترى * أنّ الحديثَ جاوَزَ التَواتُرا) صريحةٌ في تجاوز الحديث حدّ التواتر، وتصنيفه (قدّس سرّه) للأرجوزة متأخّر عن تصنيفه معجم الرجال؛ وذلك أنّه صنّف الأرجوزة سنة (1410هـ)، وقد توفّي سنة (1413هـ)، أي قبل وفاته بثلاث سنين.
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.
اترك تعليق