إسلام محاربيّ الإمام عليّ (ع)

السؤال: الامام عليّ عليه السلام كان يعتقد بإسلام من قاتلوه وأخوّتهم له، ودليل ذلك ما رواه المفيد في قرب الإسناد عن جعفر بن محمّد قال: إنّ عليّاً لم يكن ينسب أحداً ممّن حاربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنّه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا.

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل أنّ أصل هذه الخبر هو للحميريّ، وليس للمفيد، إذْ رواه في كتابه [قرب الإسناد ص130] عن الإمام الصادق (ع) من دون سند، فالخبر ضعيفٌ. وقد علّق عليه الشيخ المفيد قائلاً: (هذا خبر شاذٌّ، لم يأت به التواتر من الأخبار). [الإفصاح ص 125 - 127].

ويبدو أنّ السائل كان يريد من وراء سؤاله أنْ يستنتج أنّ محاربي الإمام عليّ (ع)، ليسوا كافرين، فنقول له: أمّا عدم كفرهم بمعنى الكفر الاصطلاحيّ، فهم ليسوا كفّاراً، وهذا اعتقاد الإماميّة كما سيأتي، وأمّا في إخراجهم من الكفر أو في نسبتهم للأخوّة - على فرض صحّة الخبر- فليس فيه أيّ فضلٍ لهم، وذلك لأنّهم اكتسبوا في حربهم للإمام (ع) ذنباً عظيماً وضلالاً كبيراً، خصوصاً أنّ حربهم له عُـدَّتْ كحرب الله تعالى ورسوله الأكرم (ص)، لأدلّة كثيرة ذكرها السنّة والشيعة ليس هنا محلّ تفصيلها.

قال الشيخ المفيد: (واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين، ولكنّهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملَّة الإسلام، إذْ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملَّة، ولم يكفروا كفر ردّة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين. وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان ...) [الجمل ص30].

وفيما يتعلّق بالارتداد ومعناه، سنكتفي بما أورده اثنان من علماء الطائفة:

1- قال الشيخ محمّد حسن المظفّر: (معنى الارتداد؛ والظاهر أنّ له معنيين: حقيقيّاً: وهو الانقلاب عن الدين بمخالفة بعض أصوله؛ كالشهادتين عند الجميع، والإمامة عند الإماميّة. ومجازيّاً: وهو مخالفة بعض أحكام الدين المهمّة). [دلائل الصدق لنهج الحقّ، ج 5 ص80].

2- قال السيّد الگلپايگانيّ: (إنْ قلت: فما تصنع بما قاله الإمام أبو جعفر عليه السلام: ارتدَّ الناس بعد رسول الله إلّا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذرّ والمقداد. نقول: إنّ هذا الارتداد ليس هو الارتداد المصطلح الموجب للكفر و النجاسة والقتل، بل الارتداد هنا هو نكث عهد الولاية، ونوع رجوع عن مشي الرسول الأعظم، وعدم رعاية وصاياه، ولو كان المراد منه هو الارتداد الاصطلاحيّ لكان الإمام عليه السلام - بعد أن تقلّد القدرة وتسلّط على الأمور - يضع فيهم السيف ويبدّدهم ويقتلهم من أوّلهم إلى آخرهم خصوصاً بلحاظ أنّ توبة المرتدّ الفطريّ لا تمنع قتله ولا ترفعه بل يقتل وإن تاب). [نتائج الأفكار ج1 ص 196] .

ثمّ إنّ السائل حاول أنْ يتخيّل فضيلة لمحاربي الإمام (ع) اعتماداً على هذا الحديث الضعيف، مستدلّاً بجملة: (إخواننا بغوا علينا)! فإن كان الأمر كذلك، فجوابنا عنه هو الجواب نفسه الذي أدلى به الإمام زين العابدين (ع) لَـمّا قِيلَ له (ع): (إِنَّ جَدَّكَ كَانَ يَقُولُ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا)! فَقَالَ: ((أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} [الأعراف: 65]، فَهُمْ مِثْلُهُمْ أَنْجَاهُ اللَّهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ وَأَهْلَكَ عَاداً بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ)). [مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص19].

وهكذا الحال مع قوله تعالى: {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً} [هود: 61]، وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ أَخا عادٍ} [الأحقاف: 21]. فقوم صالح وعاد وهود كانوا مشركين، ومع ذلك ذكرهم الله بالأخوّة لأنبيائه، ولكنْ لم تنفعهم تلك الأخوّة، إذْ كانوا من الهالكين. والحمد لله ربّ العالمين.