هل الشيعة يدعون ويرجون غير الله؟
السؤال: السجّاد عليه السلام يقول لا وسيلة إلى الله إلّا هو: «الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، الحمد لله الذي أرجوه ولا أرجو غيره، ولو رجوت غيره لأخلف». هل هذه عقيدتنا كشيعة أو عقيدة أهل السنّة؟ الشيعة تدعو غير الله وترجو غيره أيضا؟
الإجابة:
اعلم - رعاك الله - أنّ الشيعة لا يدعون غير الله ولا يرجون أحداً سواه، وما جاء في دعاء الإمام السجّاد (ع) وبقيّة أدعية أهل البيت (عليهم السلام) يؤكّد ذلك، فجميع الشيعة يعتقدون بأنّ الله وحده هو الذي يستجيب الدعاء، ومن يدعو غير الله معتقداً بألوهيّته أو ربوبيّته أو أنّه مستقلٌّ في فعل من أفعاله عن الله تعالى يكون مشركاً بالله حتماً، هذا هو أساس التوحيد في عقيدة الشيعة، وهو ما يتّفق مع عقيدة جميع المسلمين بلا خلاف.
والتوسّل بالأنبياء والأئمّة لا يتعارض مع هذا الاعتقاد باتّفاق جميع المسلمين ما عدا الوهّابيّة، فحقيقة التوسّل هو طلب الوسيلة سواء كانت وسيلة مادّية أم معنويّة، ووجود الأسباب والمسبّبات لا يعني الاعتقاد بخروج الكون عن إرادة الله وسلطانه؛ بل الكون خاضع لله تعالى في أصل وجوده وفي بقائه واستمراره وفي النظام المتحكّم فيه، فالله سبحانه هو الذي يجعل الأسباب مؤثّرة أو غير مؤثّرة، أي أنّ قبضها وبسطها بيد الله تعالى وحده، ومن هنا كان الأخذ بالأسباب من صميم التوحيد بشرط عدم الاعتقاد في كونها مستقلّة في تأثيرها عن الله تعالى. وكما هو معلوم لا يعتقد الشيعة في النبيّ أو الإمام بأنّهم قادرون بشكل مستقلّ على قضاء الحوائج، وإنّما هم وسائل وضعها الله لنيل رضوانه والتقرّب منه، فبمحبّتهم تستجلب محبّة الله، وبالتقرّب منهم يحصل القرب من الله، وبدعاء الله بجاههم تستجاب الدعوات، ومن هنا، فإنّ التوسّل بالأئمّة لا يعني الرجاء أو الدعاء لهم كآلهة، بل هو طلب من الله عبر وسيلة مشروعة.
فالعلاقة بين الله وخلقه تتمّ عبر الوسائط التي أرادها الله، سواء في الأمور التشريعيّة (كالنبوّة والإمامة) أو التكوينيّة (كالأسباب الطبيعية التي تحكم الكون). لذا، طلب الحاجة من الأنبياء والأئمّة هو في حقيقته طلب من الله، مادام المؤمن يعلم أنّ هؤلاء ليس لهم قدرة مستقلّة عن الله، فالطلب من الوسيلة مع الاعتقاد بأنّ الله هو المصدر الحقيقيّ للقوّة والقدرة هو عين التوحيد، والطلب من الوسيلة مع الاعتقاد بأنّها مستقلّة في قدرتها عن الله هو عين الشرك.
فالعبادة في المفهوم القرآنيّ هي الخضوع اللّفظيّ والعمليّ عن اعتقادٍ بألوهيّة المعبود أو ربوبيّته أو الاعتقاد باستقلاله في فعله أو بأنّه يملك شأناً من شؤون وجوده وحياته على وجه الاستقلال.
فكلّ عمل مصحوب بهذا الاعتقاد يعدُّ شركاً بالله، ولذلك نجد أنّ مشركي الجاهليّة كانوا يعتقدون بألوهيّة معبوداتهم وقد صرّح القرآن بذلك، قال تعالى: {واتّخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّاً} أي أنّ هؤلاء كانوا يعتقدون بألوهيّة معبوداتهم. وقال تعالى: {الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون}، إذْ تصرّح هذه الآيات بأنّ الشرك الذي كان يقع فيه الوثنيّون هو من باب اعتقادهم بألوهيّة معبوداتهم. وقد نصّ الله سبحانه على هذا الأمر في قوله تعالى: {وأعرض عن المشركين إنّا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون}. فتحدّد هذه الآيات الملاك الأساسيّ في قضيّة الشرك، وهو الاعتقاد بألوهيّة المعبود، ولذلك استنكروا واستكبروا على عقيدة التوحيد التي جاء بها الرسول (ص)، قال تعالى: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلّا الله يستكبرون}.
ولذلك كانت دعوة الأنبياء لهم محاربة لاعتقادهم بإله غير الله سبحانه وتعالى، إذْ يمتنع عقلاً عبادة من لا يعتقد بألوهيّته، فيعتقد أوّلاً ثمّ يعبد ثانياً.
وكذلك من خضع أمام إنسان أو طلب منه شيئاً باعتبار أنّه مستقلّ في فعله سواء كان هذا الفعل عاديّاً مثل التكلّم والحركة أو كالمعجزات التي كان يقوم بها الأنبياء، يكون هذا الخضوع وهذا الطلب عبادة لغير الله. بل لو اعتقد الإنسان أنّ حبّة الصداع تشفي بصورة مستقلّة عن الله تعالى، يكون هذا الاعتقاد شركاً.
وقد ذهبت الوهابيّة إلى أنّ التوسّل بالأسباب الطبيعيّة لا غبار عليه كالأخذ بالأسباب المادّية في الحالة الطبيعيّة، أمّا التوسّل بالأسباب المعنويّة كأن تطلب من أحد شيئاً لا يحصل عليه بالسنن المادّية وإنّما بالسنن الغيبيّة فهو شرك. وهذا خلط واضح، إذْ جعلوا السنن المادّية والغيبيّة ملاكاً في التوحيد والشرك. فإذا أنعمنا النظر في هذه السنن بشقّيها، نجد أنّ ملاك التوحيد والشرك خارج عن إطار نفس هذه السنن، وإنّما يعود الملاك إلى اعتقاد الإنسان بهذه السنن. فإذا اعتقد إنسان أنّ لهذه الوسائل والأسباب استقلاليّة بذاتها، أي منفصلة عن الله، يكون هذا الاعتقاد شركاً، بغض النظر عن نوع السبب مادّياً كان أم معنويّاً، وعليه، فإذا اعتقد الإنسان أنّ كلّ الأسباب غير مستقلّة لا في وجودها ولا في تأثيرها، بل هي مخلوقة لله تعالى مسيَّرة لأمره وإرادته، يكون اعتقاده هذا عين التوحيد.
ومن أراد الوقوف على تفصيل هذه المسألة يمكنه الرجوع إلى كتاب الشيخ السبحانيّ [في ظلال التوحيد]، إذْ أفرد للتوسّل فصلاً كاملاً وأثبت جوازه عند جميع المسلمين سنّة وشيعة، وقد ختم كتابه بقوله: (أخي العزيز: لقد عالجت في هذا الفصل مسألة التوسّل التي قد أثارت في بعض الأجواء قلقاً واضطراباً، ولو أنّ إخواننا نظروا إلى كتاب الله وسنّة نبيّه نظرة فاحصة متجرّدة عن كلّ رأي مسبق لوجدوا فيهما بياناً شافياً، لا يدع شكّاً لشاكٍّ ولا ريباً لمرتاب، وبما أنّ بعضهم - سامحه الله - ربّما يرمي المتوسّل بتأليه المتوسّل به، أو يعدُّ عمله بدعة، وضعنا أمامك بحثاً موجزاً حول التوسّل ليقف القارئ على أنّ المتوسِّل بالأسباب - مادّية كانت أم معنويّة - يؤمن بالتوحيد في العبادة وحرمة البدعة أتمّ الإيمان، وأنّه مع إيمانه وتسليمه بهما يتوسّل بما سوّغ في الشريعة الإسلاميّة التمسّك به. نسأله سبحانه أن يرزقنا توحيد الكلمة، كما تفضّل علينا بكلمة التوحيد إنّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير). [في ظلال التوحيد ص 657]. والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق