كيف تميّزت السيدة فاطمة الزهراء بالكمال عن باقي النساء؟
السؤال: قال رسول الله (ص): «كمُل من الرجال كثير ولم يكمُل من النساء إلّا أربع فاطمة ومريم وخديجة وأسية بنت مزاحم». أولًا ـ ما الكمال الذي أراد النبيّ تبيانه وكيف نُثبت أنّه كمال مُطلق ؟ ثانيًا - كيف نُثبت أنّ فاطمة أفضل اللواتي ذُكرن ؟
الجواب:
يختلف معنى الكمال بحسب موصوفه، فقد يكون معناه الذي لا نقص فيه، وذلك حينما يكون وصفا للإله، فيكون الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكمليّة والأفضليّة، بحيث لا يكون كمال لا نقص فيه - فعليّ أو ممكن - إلّا وهو ثابت له تعالى، فله مطلق العلم، ومطلق الحياة، ومطلق القدرة...قال العلّامة الطباطبائيّ(قده):
(إنّ الكمالات الوجوديّة التي هي صفات الوجود كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والوحدة والخلق والملك والغنى والحمد والخبرة - ممّا عد في الآيات السابقة أو لم يعد - صفات قائمة به تعالى على حسب ما يليق بساحة كبريائه وعزّ قدسه لأنّها صفات وجوديّة والوجود قائم به تعالى فهي إمّا عين ذاته كالعلم والقدرة وإمّا صفات خارجة عن ذاته منتزعة عن فعله كالخلق والرزق والرحمة).[تفسير الميزان ج16 ص236].
وقد يكون معناه معرفة الله تعالى والتقرّب إليه اذا وصف به الإنسان، فكماله معرفة الله تعالى التي لأجلها خلق، ولطلبها صنع، وهو ما ورد عن الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ...}، [سورة الروم: 30]: (فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته). [بحار الأنوار ج3 ص278].
ولا يتحقّق القرب من الله تعالى، ولا يمكن المصير الى معرفته إلّا بالتخلّص من أسر الشهوات، وتجفيف أسباب المحرّمات، بهيمنة العقل على الشهويّة والغضبيّة، ووقوعهما تحت سلطانه، وقهرهما بإرادته، وإدارته للمملكة الإنسانيّة وحده لا شريك له، وبذلك تتحرّر النفس من عبوديّة غير الله تعالى، وتتوجّه إليه تعالى بكامل وجودها، فيصل الى أقصى درجات القرب والمعرفة به تعالى.
يقول العلّامة الطباطبائيّ(قده) في تفسيره الميزان[ج5، ص 270]:
(فظهر من جميع ما تقدّم أنّ القرآن الكريم إنّما اشترط التقوى في التفكّر والتذكّر والتعقّل، وقارن العلم بالعمل للحصول على استقامة الفكر وإصابة العلم وخلوصه من شوائب الأوهام الحيوانيّة والإلقاءات الشيطانيّة.
نعم، هاهنا حقيقة قرآنيّة لا مجال لإنكارها وهو أنّ دخول الإنسان في حظيرة الولاية الإلهيّة، وتقرّبه إلى ساحة القدس والكبرياء يفتح له بابا إلى ملكوت السماوات والأرض يشاهد منه ما خفي على غيره من آيات الله الكبرى، وأنوار جبروته التي لا تطفأ، قال الصادق عليه السلام: لولا أنّ الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السماوات والأرض، وفيما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قال: لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع، وقد قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69] ويدلّ على ذلك ظاهر قوله تعالى: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] حيث فرّع اليقين على العبادة، وقال تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} [الانعام: 75]، فربط وصف الإيقان بمشاهدة الملكوت، وقال تعالى: {كلّا لو تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم ثمّ لترونّها عين اليقين } [التكاثر: 7] وقال تعالى: {إنّ كتاب الأبرار لفي عليّين وما أدراك ما عليّون كتاب مرقوم يشهده المقرّبون} [المطففين: 21]، وليطلب البحث المستوفى في هذا المعنى ممّا سيجئ من الكلام في قوله تعالى: {إنّما وليّكم الله ورسوله} [المائدة: 55]: وفي قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم}[المائدة: 105].
هذا المعنى من الكمال القرآنيّ قد حصل لكثير من الرجال حسب نصّ الحديث كالأنبياء والمرسلين والأوصياء والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) لأنّ الله عزّ وجلّ لم يرسل رسولا ولا نبيا، ولم يجعل وليّا ولا إماما إلّا بعد أن يجعل فيه، ويهيّئ له، جميع متطلّبات الكمال، حتّى أصبح أكمل أهل عصره، يمتلك جميع صفات الكمال التي يمتلكها الإنسان وزيادة، ـ لعلمه سبحانه بأحوالهم ـ وبالتالي يستطيع أن يكمّل غيره، لتقوم به حجّة الله على عباده. وذلك لأنّ واهب الشيء ومعطيه لا يمكن أن يكون فاقدا له، كما أنّ من فقد الشيء لا يمكن أن يكون معطيًا له، وهذا المعنى ذكره الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء(قده) إذْ قال في كتابه الجليل [الدين والإسلام]: (إنّ من القواعد الأوّليّة، والمبادئ المقرّرة في العقول الثابتة في النفوس التي هي من غرائزها الأوّليّة وفطرتها الطبيعيّة، وكفى بالامتحان والتجارب شاهد صدق عليها، ألا وهي ما قرّرته الحكماء من (أنّ معطي الشيء لا يكون فاقد الشيء، كما وأنّ فاقد الشيء لا يكون معطي الشيء). وهذه القاعدة من المسجلّات في الكون واللّزوميّات التي ما انتقضت ولا اختلفت أبداً. فهل ترى فاقد التربيّة يكون مربّياً؟ والجاهل يصبح معلّماً. والبائس العادم لقيراط يبذل قنطاراً؟ كلّا: إنّ هذه القاعدة ما انتقضت ولن تنتقض أبداً…) [ج1 ص197].
إذنْ: الكامل مطلقاً هو الذي أفاض الكمال على كافّة مخلوقاته وهو الله الوهّاب الحكيم، وشاء في حكمته أن يجعل أكملهم جميعاً حججه على عباده من رسل وأنبياء وأوصياء (عليهم السلام) ليقوموا بدورهم في دعوة الأمم إلى تكاملهم، كما قال رسول الله (ص) في حديث له: « وما بعث الله نبيّاً ولا رسولاً حتّى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمّته…[الكافي ج1 ص13].
أمّا أفضليّة الزهراء (عليها السلام) فقد وردت في روايات كثيرة عن النبيّ (ص) وعن سائر الحجج (سلام الله عليهم) في كتب الخاصّة والعامّة ما يثبت انحصار أفضليّة مريم (عليها السلام) بنساء أهل زمانها وأيضا ما ورد من تفضيل للزهراء (عليها السلام) على كلّ نساء العالمين منها:
1- بعض الأحاديث الواردة عن النبيّ (ص) أنّه قال: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة»، ومعناه: أنّ كل واحدة منهما خير نساء الأرض في زمانها وعصرها، كما صرّح النوويّ في [شرح صحيح مسلم ج15 ص198]، والعينيّ في [عمدة القاري ج16 ص24]، وابن حجر العسقلانيّ في [فتح الباري ج6 ص339]، بل قال الأخير في [ج7 ص101]: « جزم كثير من الشراح أنّ المراد نساء زمانه.
ويؤيّد ذلك ما ورد عن النبيّ (ص) في موضع آخر فيه تصريح بذلك، إذْ قال: «مريم سيد نساء عالَمِها...». رواه ابن شاهين في [فضائل سيّدة النساء ص25]، وابن عبد البرّ في [الاستيعاب ج4 ص1895]، وابن عساكر في [تاريخ دمشق ج42 ص134]، وابن المغازليّ في [مناقب عليّ ص292].
2- أنّ فاطمة الزهراء (ع) أفضل من مريم بل هي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين
كما جاء عن النبي (ص) أنّه قال: لعليّ (ع): « إنّ اللّه عزّ و جلّ أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين ». [(زين الفتى) للحافظ العاصميّ، كما في (فاطمة الزهراء) للعلّامة الأمينيّ، ص 43].
ومنها: ما عن النبيّ (ص) في حديث طويل: «على ساق العرش مكتوب: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين خير خلق اللّه ».[(بحر المعارف)، للمولى عبد الصمد الهمدانيّ، ص 428].
ومنها: ما عن النبيّ (ص) قال: «لمّا خلق اللّه الجنّة خلقها من نور وجهه، ثمّ أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب عليّا وأهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمّد، و من لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله».[ البحار ج 43 ص 44].
ومنها: الحديث المروي عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل : « ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله ، من الجنّ والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة»).[دلائل الإمامة، ٢٨ ]. والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق