كيف يدّعي الشيعة أن الصحابة ظلموا الإمام علي (ع) رغم بيعتهم للخلفاء واختيارهم؟

السؤال: كيف يدّعي الشيعة أن الأمة ظلمت الإمام عليَّاً (ع) وأعرضت عنه بعد وفاة النبيّ (ص)، في حين أن الصحابة اجتمعوا على بيعة الخلفاء واختاروا قيادتهم بمحض إرادتهم، وهو ممّا يدلّ على قبولهم لهذا الاختيار السياسيّ وعدم وجود خذلانٍ للإمام علي؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

كثيرةٌ هي الكتب والمصنفات الشيعيَّة التي ناقشت هذا الادعاء، وفي مركزنا (مركز الرصد) الكثيرُ من الموضوعات التي تناولت السياق التاريخيَّ وما حصل من انحرافاتٍ بعد وفاة رسول الله (ص)؛ ولذا سنكتفي هنا بوضع اشاراتٍ يمكن للباحث المهتم تتبعها للوقوف بنفسه على حقيقة الانقلاب الذي حدث على أمير المؤمنين بعد وفاة رسول الله (ص).

أولاً: يعتقد الشيعة أنَّ النبيَّ (ص) لم يترك الأمة دون إرشاد، بل أوصى بخلافة الإمام علي (ع) في مناسباتٍ متعددة. أبرزها واقعة غدير خم، حيث قال: "من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه". هذا الحديث، الذي ورد في الكثير من المصادر السنيَّة والشيعيَّة، يعد دليلاً واضحاً على أن النبيّ (ص) عيَّن الإمام عليَّاً قائداً للأمة من بعده.

ثانياً: البيعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة كانت وليدة اللحظة، ولم تكن إجماعاً حقيقيَّاً كما يُروّج، فقد ذكرت المصادر التاريخيَّة أنَّ سعد بن عبادة والحبَّاب بن المنذر ليسا وحدهما من تخلّف وامتنع عن مبايعة أبي بكر، وإنَّما هناك أخرون من أمثال الفضل بن العبَّاس وهو ابن عم النبيّ (ص) لما سمع بتنصيب أبي بكر للخلافة قال: )يا معشر قريش إنَّه ماحقت لكم الخلافة بالتمويه ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولى بها منك) [تاريخ اليعقوبيّ: ج 2 ص 103]

ويقصد بصاحبنا الإمام عليَّاً (ع)، وهذا ما صرح به عتبه بن أبي لهب في شعره بعد سماع خبر خلافة ابي بكر:

ماكنت أحسب هذا الأمر منصرف عن

هاشم ثم منها عن ابي الحسن

عن أول الناس أيماناً وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وقد كان من المعارضين أيضاً سلمان الفارسيُّ حيث قال بعد تنصيب الخليفة الأول: (.. اخطأتم أهل بيت نبيكم، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغداً)، وكذلك قال: ) لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) [أنساب الاشراف للبلاذري: ج 1 ص 591]

وقال مثل مقالته ابو ذر في عهد عثمان بن عفان: )وعليُّ بن أبي طالب وصيّ محمّد ووارث علمه.

أيّتها الأمة المتحيرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم الله، وأَخَّرْتُم من أخّر الله، و أقررتُم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال وليُّ الله ولا طاش سهمٌ من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسُنَّة نبيّه. فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ,وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون) [تاريخ اليعقوبيّ: ج1 ص 173]

وكان من المواقف الصريحة تجاه خلافة أبي بكر هو موقف خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، كان عاملاً لرسول الله (ص) على صنعاء اليمن )فلمّا مات رسول الله رجع هو وأخواه أبان وعمر عن عِمالتهم، فقال أبو بكر: ما لكم رجعتم عن عمالتكم؟ ما أحد أحق بالعمل من عُمّال رسول الله (ص)، ارجعوا إلى أعمالكم. فقالوا: نحن بنو اُحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله( [الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1 ص 398]

وذهب خالد الى علي بن أبي طالب (ع) فقال له: )هَلُمَّ اُبايعك فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك) [تاريخ اليعقوبي: ج2 ص105]

فالطريقة التي تسنَّم بها أبو بكر الخلافة كانت محل اعتراض حتى عند أكثر مناصريه وهو عمر بن الخطاب حيث قال: (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها) [صحيح البخاري، كتاب الحدود]

. هذه العبارة تكشف أنَّ البيعة لم تكن نتيجة شورى شاملة، بل كانت قراراً مستعجلاً. ذكر ابن الأثير (أراد بالفلتة الفجأة، ومثلُ هذه البيعة جديرةٌ بأن تكون مهيّجة للشر والفتنة، فعصم الله من ذلك ووقى.

والفلتة: كلُّ شيءٍ فُعِل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد بالفلتة الخلسة. أي إن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا) [النهاية في غريب الحديث ج3 ص 467].

ثالثاً: الإمام علي لم يبايع أبا بكر مباشرة بعد السقيفة، وامتنع عن مبايعته نحو ستة أشهر بحسب رواية البخاريّ ومسلم، قال أبو بكر الجوهريُّ في احتجاج عليٍّ (ع) إنَّه كان يقول: ("أنا عبد الله وأخو رسول الله، حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع، فقال: أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة وسلموا اليكم الإمارة، وأنا أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلاّ فبؤوا بظلمٍ وأنتم تعلمون". فقال عمر: إنَّك لست متروكاً حتى تبايع..

فقال له علي: "احلب له يا عمرُ حلباً لك شطره، أشدد له اليوم أمره ليردّه عليك غداً. لا والله لا أقبل قولك ولا أتبعك"( [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص2ـ5]

رابعاً: القرآن الكريم أشار بوضوح إلى أن الأمة ستتعرض لامتحان بعد وفاة النبيّ. قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} . فقد خاطبت هذه الآية صحابة رسول الله وحذرتهم من الانقلاب إذا مات رسول الله أو قتل، ولا نتوقع أن يحدث انقلاب في الأمة غير الانقلاب السياسيّ والتنافس على السلطة والاحتكام الى القبيلة، وهذا ما حدث حتى قبل أن يدفن رسول الله(ص) عندما بدأ التنازع في سقيفة بني ساعدة فقالت قريش: من ينازعنا سلطان محمد؟ وأتسع الأمر حتى اجتاح كل الجزيرة العربيَّة، واستمر حتى قيل: (ما سل سيف في الإسلام كما سل في الإمامة والقيادة)، فكلُّ الدماء التي سفكت والحروب التي وقعت بين الصحابة كانت بسبب الخلافة والإمارة.

خامساً: اعرضت بعض الأمة عن الإمام علي (ع) بسبب تمسّكه بالحق وعدم مجاملته في الدين، فالإمام علي كان معروفاً بصرامته في الحق وعدم مهادنته للباطل، كما أنه كان رمزاً للعدل، وهذا ما جعله قائداً غير مرغوبٍ فيه عند أولئك الذين كانوا يرغبون في التوسّع في الدنيا أو الاستفادة من موقع السلطة.

في المحصلة، البيعة التي تمت بعد وفاة النبيّ (ص) لم تكن إجماعاً حقيقياً، بل كانت خضوعاً للضغوط السياسيَّة والقبليَّة. أما الإمام علي (ع) فقد تعرَّض للإقصاء بسبب تمسكه بمبادئ الإسلام النقية، وهو ما انعكس سلباً على الأمة التي أضاعت فرصة السير تحت قيادةٍ عادلةٍ وحكيمةٍ.