معنى: «اعرفوا الله بالله»
السؤال: هل صحيح ما رُوي عن الأمير (عليه السلام) أنه قال: « اعرفوا الله بالله، لا بخلقه، فإن الشيء لا يُعرف بغيره »؟ وكيف يمكننا معرفة الله بالله دون وجود وسيلة توصلنا إليه؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – أيّدك الله – أنّ هذا الحديث لَـم نجده مرويّاً باللفظ المنقول في السؤال، بل هو مرويّ بلفظٍ آخر ولا يتضمّن فقرة: « لا بخلقه فإن الشيء لا يُعرف بغيره »، وإليك نصّ الحديث ومصادره:
روى الشيخ الكلينيّ والشيخ الصدوق الأوّل وولده الشيخ الصدوق الثاني بأسانيدهم عن الفضل بن السكن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان» [الكافي ج1 ص118، الإمامة والتبصرة ص138، التوحيد ص286].
وقد ذكر العلماء وجوهاً عديدة في بيان الفقرة: «اعرفوا الله بالله»، نذكر في المقام بعضاً منها:
الوجه الأول: أنّ المراد هو معرفة الله تعالى بتنزيهه عن كلّ ما يُعرَف به المخلوقات من أجسام وأرواح وأعيان وألوان، فمَن ينفي عن الله تعالى شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله تعالى.
قال الشيخ الكلينيّ: (ومعنى قوله (عليه السلام): «اعرفوا الله بالله»: يعني أنّ الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان - فالأعيان: الأبدان، والجواهر: الأرواح -، وهو جلّ وعزّ لا يشبه جسماً ولا روحاً، وليس لأحدٍ في خلق الروح الحساس الدرّاك أمرٌ ولا سببٌ، هو المتفرّد يخلق الأرواح والأجسام، فإذا نفى عنه الشبهين - شبه الأبدان وشبه الأرواح - فقد عرف الله بالله، وإذا شبّه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله) [الكافي ج١ ص٨٥].
وقد ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) « سُئل: بمَ عرفتَ ربّك؟ قال: بما عرّفني نفسه، قيل: وكيف عرّفك نفسه؟ قال: لا يشبهه صورة ولا يحسّ بالحواسّ ولا يقاس بالناس، قريب في بُعده، بعيد في قُربه، فوق كلّ شيء، ولا يقال شيء فوقه، أمام كلّ شيء ولا يُقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء، سبحان مَن هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكلّ شيء مبتدئ» [الكافي ج١ ص٨٦].
الوجه الثاني: أن جميع ما يُعرف به الله تعالى – من الطرق العقليّة والسمعيّة – فهي تنتهي إلى الله تعالى، وذلك لأنّ الله تعالى هو واهب العقول، وهو مرسل الحجج الإلهيين من الأنبياء والرسل والأوصياء، وهو خالق الأنفس والآيات.
يقول الشيخ الصدوق: (القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال: عرفنا الله بالله لأنّا إنْ عرفناه بعقولنا فهو عزّ وجلّ واهبُها، وإنْ عرفناه عزّ وجلّ بأنبيائه ورسله وحججه (عليهم السلام) فهو عزّ وجلّ باعثُهم ومرسلهم ومتّخذهم حججاً، وإنْ عرفناه بأنفسنا فهو عزّ وجلّ محدِثُها، فبه عرفناه) [التوحيد ص٢٩٠].
الوجه الثالث: ما ذكره الفيض الكاشانيّ بقوله: (معناه انظروا في الأشياء إلى وجوهها التي إلى اللَّه سبحانه بعد ما أثبتم أن لها ربا صانعا، فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها وقيوميته إياها وتسخيره لها وإحاطته بها وقهره عليها حتى تعرفوا اللَّه بهذه الصفات القائمة به..) [الوافي ج١ ص٣٣٩].
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً
اترك تعليق