هل كُفَّ بصر السيِّدة أمّ البنين؟

السؤال: يُقال: إنَّ السيِّدة فاطمة بنت حزام الكلابيّة (رضوان الله عليها) كُفَّ بصرها من كثرة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، فهل صحَّ ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّ البنين (عليها السلام)، هي السيِّدة المعظَّمة فاطمة بنت حزام الكلابيّة، زوجة وليِّ الله الأعظم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي أمّ الشهداء الأربعة الذين جاهدوا واستشهدوا بين يدي أخيهم وسيِّدهم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في معركة الطف الأليمة، وقد بقيت في المدينة المنوَّرة حتَّى فارقت الحياة في الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من عام (64) للهجرة.

قال العلَّامة المامقاني في حقِّها: (تزوَّجها أمير المؤمنين (عليه السلام) فولدت وأنجبت، وأوَّل ما ولدت العبَّاس، المكنَّى بأبي الفضل، الملقَّب بقمر بني هاشم (روحي فداه) ثمَّ عبد الله، ثمَّ جعفر، ثمَّ عثمان. ويستفاد قوَّة إيمانها وتشيّعها أنَّ بشراً كلَّما نعى إليها ـ بعد وروده المدينة ـ أحداً من أولادها الأربعة قالت ما معناه: أخبرني عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؟ فلمَّا نعى إليها الأربعة قالت: قد قطَّعت نياط قلبي، أولادي ومن تحت الخضراء كلُّهم فداء لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أخبرني عن الحسين (عليه السلام)؟ فإنَّ علقتها بالحسين (عليه السلام) ليس إلَّا لإمامته (عليه السلام) وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إنْ سَلِمَ الحسين (عليه السلام) يكشف عن مرتبةٍ في الديانة رفيعة) [تنقيح المقال ج3 ص70].

ونُقل عن الشهيد الأوَّل (طاب ثراه) أنّه قال في حقِّها: (كانت أمّ البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحقِّ أهل البيت (عليهم‌ السلام)، مخلصة في ولائهم، ممحضة في مودَّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحلّ الرفيع، وقد زارتها زينب الكبرى (ع) بعد وصولها المدينة تعزِّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تعزِّيها أيّام العيد) [العبَّاس بن عليّ للقرشيّ ص25].

بُكاء أم البنين:

كانت السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام) دائمة البكاء على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وكذلك أولادها الأربعة (عليهم السلام)، وكانت تخرج إلى البقيع وتبكي وتندب، حتَّى كُفَّ بصرها.

1ـ قال أبو الفرج الأصبهانيّ:(وكانت أمّ البنين أمّ هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها فيجتمع الناس إليها يسمعون منها) [مقاتل الطالبيّين ص90].

2ـ وفي ترتيب الأمالي الخميسية للشجريّ: (...وهي ‌الكلابيّة، وهي أم البنين، قال الحسن بن خضر: قال أبي: بلغني عن جعفر بن محمَّد (عليهما السلام) أنه قال: بُكي الحسين (عليه السلام) خمس حجج، وكانت أم جعفر ‌الكلابية تندب الحسين وتبكيه، وقد كُفَّ بصرها) [ترتيب الأمالي الخميسيّة ج1 ص230].

أقول: ربّما يستظهر من قوله: (وكانت أمّ جعفر ‌الكلابيّة تندب الحسين وتبكيه، وقد كفَّ بصرها) أنَّ السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام) قد فقدت بصرها جرَّاء بكائها على الإمام الحسين وإخوته (عليهم السلام)؛ وذلك لأنّ العرف قد يفهم من سياق العبارة آنفاً – التي ورد فيها (وقد كفَّ بصرها) بعد عبارة ندبها وبكائها - أنَّ الكفَّ كان مسبَّباً عن ذلك البكاء والنوح.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ كثرة بكاء السيَّدة المعظَّمة أمّ البنين على الإمام الحسين وإخوته (عليهم السلام) أمر ثابت، وقد ابتليت (عليها السلام) بفقدان بصرها، كما فقد نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) بصره، فأكرمها الله تعالى بأنْ جعلها باباً من أبواب الحوائج إليه تعالى.. والحمد لله ربِّ العالمين.