هل ينال الإمامةَ الالهيَّة الظالمون؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحي
الظلم المقصود في الآية الكريمة يقع على أنحاء ثلاثة:
أولها: يقع الظلم مع الله تعالى، كالجحود أو الشرك به - تعالى عمّا يصفه الظالمون- كما في قوله تعالى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
وثانيها: يقع الظلم بين الناس أنفسهم، فيظلم الانسان أخاه الانسان، كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، [الشورى: ٤٠].
وثالثها: يقع الظلم بينه وبين نفسه، أي يوقع الإنسانُ الظلم على نفسه كما في قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، [البقرة:٥٧]، أو كما في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}، [فاطر:٣٢].
وهذه الاقسام الثلاثة أجملتها الآية الكريمة من قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}، [النساء:] 48.
فإذا علمنا ذلك تبيَّن أنَّ الظلم الوارد في الآية الكريمة من قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ}، [البقرة: 124] يقع ضمن الأقسام الثلاثة، أي أنَّ الظلم مطلقاً إذا صدر من العبد يكون سبباً مانعاً من نَيْل عهد الله الذي هو الإمامة أو النبوَّة، كما ورد في التفاسير عند إخواننا أهل السنة، كما في الخبر عن مجاهد، في قول الله : {لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ}، قال: (إذا كان ظالماً فليس بإمامٍ). [الجامع لتفسير القرآن ج1 ص22].
وعن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ}، قال: (لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأمَّا في الدنيا فقد ناله الظالم وأمن به وأكل وأبصر وعاش). [تفسير الصنعانيِّ ج1 ص58].
وللمزيد يُنظر: [البحر المحيط ج1 ص548، تفسير ابن كثير ج1 ص410، تفسير القرطبيّ ج2 ص108]، وغيرها، فضلاً عن تفاسير علماء الشيعة الإماميَّة.
وبالتالي، يكون معنى الآية الكريمة: الظالم لا ينال الإمامة الإلهيَّة، فلو وقع الظلم من الانسان فلا يمكن أن يكون للناس إماماً، أمّا لو لم يكن ظالماً – أي كان عادلاً – فهل يجب أن يكون إماماً؟ قطعاً لم تقصد الآية هذا المعنى.
بمعنى آخر: الآية الكريمة لم تقصد: كلُّ عادلٍ يكون إماماً، أو كلُّ غير ظالم يكون إماماً، بل القصد والمعنى: كل إمامٍ لابدَّ أن يكون عادلاً غير ظالم.
وعليه، فالإمامة الالهيَّة لا ينالها الا المعصوم، وليس العكس، أي أنَّ كلَّ إمامٍ معصوم، وليس كلُّ معصومٍ إماماً.
فسؤال السائل الكريم عن شخص العباس بن علي بن أبي طالب (ع) والسيدة الطاهرة زينب الكبرى (ع) وغيرهما أنَّهما قد ظلما نفسيهما، أو وقع منهما الظلم – والعياذ بالله – ليس صحيحاً، بعد أنْ علمنا أنَّ الآية الكريمة أشارت الى صفةٍ أساس ينبغي أن تكون في الامام، ألا وهي العصمة عن الذنب، والعصمة عن الظلم، فهي احدى الشروط لنيل الامامة.
ونكتفي بهذا القدر من الجواب، والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق