هل يُخلَّد الشيعيّ في النار؟

السؤال: هل شيعة أهل البيت (ع) يُخلَّدون في النار؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بدايةً لا بدَّ من الالتفات إلى الفرق بين أصل الدخول في النار وبين الخلود فيها، وقد اتَّفقت كلمات الأعلام على عدم خلود المؤمن الشيعيّ في النار، وإنَّما اختلفوا في (أصل) دخوله، تبعاً لاختلاف الأخبار الواردة، فالأخبار في المقام على طائفتين.

الطائفة الأولى: ما دلَّ على عدم دخول المؤمن النار.

1ـ ما روي بالإسناد عن محمَّد بن سُليمان الديلميّ، عن أبيه قال: «دخل سماعة بن مهران على الصادق (ع) فقال له: يا سماعة! من شرُّ الناس؟ قال: نحن يا ابن رسول الله!

قال: فغضب حتَّى احمرَّت وجنتاه ثمَّ استوى جالساً...إلى قوله (ع): والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد» [بحار الأنوار ج65 ص١١٧].

2ـ وما روي بالإسناد عن محمَّد بن مُسلم قال: قال أبو عبد الله (ع): «والله لا يصف عبدٌ هذا الأمر فتطعمه النار. قلتُ: إنَّ فيهم من يفعل ويفعل؟! فقال: إنَّه إذا كان ذلك ابتلى الله (تبارك وتعالى) أحدهم في جسده، فإنْ كان ذلك كفَّارة لذنوبه، وإلَّا ضيَّق الله عليه في رزقه، فإنْ كان ذلك كفَّارةً لذنوبه، وإلَّا شدَّد الله عليه عند موته حتَّى يأتي الله ولا ذنب له، ثمَّ يُدخله الجنَّة» [بحار الأنوار ج65 ص104].

الطائفة الأخرى: ما دلَّ على دخول المؤمن النار.

1ـ ما روي في تفسير مولانا العسكري(ع) وفيه: «وقال رجلٌ لامرأته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (ص) فاسأليها عنِّي أنِّي من شيعتكم أم ليس من شيعتكم؟ فسألتها فقالت: قولي له: إنْ كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عمَّا زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلَّا فلا، فرجعت فأخبرته فقال: يا ويلي، ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا ـ إذاً ـ خالدٌ في النار، فإنَّ من ليس من شيعتهم فهو خالدٌ في النار. فرجعتْ المرأة فقالت لفاطمة ما قال زوجها، فقالت فاطمة: قولي له: ليس هكذا، شيعتنا من خيار أهل الجنَّة، وكلُّ محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعدائنا، والمسلِّم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أو أمرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنَّة، ولكنْ بعد ما يُطهَّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها أو في الطبق الأعلى من جهنَّم بعذابها إلى أنْ نستنقذهم بحبِّنا منها» [يُنظر: بحار الأنوار ج65 ص155].

2ـ وما روي فيه أيضاً، ونصُّه: «قال رسول الله (ص): اتقوا الله - معاشر الشيعة- فإنَّ الجنَّة لنْ تفوتكم، وإنْ أبطأت بها عنكم قبائح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها، قيل: فهل يدخل جهنَّم أحدٌ من محبِّيك ومحبِّي عليٍّ (ع)؟ قال من قذَّر نفسه بمخالفة محمَّد وعلي وواقع المحرَّمات، وظلم المؤمنين والمؤمنات، وخالف ما رُسم له من الشريعات، جاء يوم القيامة قذراً طفساً، يقول محمَّد وعليٌّ (ع): يا فلان، أنت قذر طفس لا تصلح لمرافقة مواليك الأخيار، ولا لمعانقة الحور الحسان، ولا الملائكة المقرَّبين، لا تصل إلى ما هناك إلَّا بأنْ تطهَّر عنك ما ههنا، يعني: ما عليك من الذنوب، فيدخل إلى الطبق الأعلى من جهنَّم فيعذَّب ببعض ذنوبه...فإنْ كان ذنوبه أعظم وأكثر طُهِّر منها بشدائد عرصات يوم القيامة، فإنْ كانت أكثر وأعظم طهِّر منها في الطبق الأعلى من جهنَّم، وهؤلاء أشدُّ محبينا عذاباً وأعظمهم ذنوباً» [يُنظر: بحار الأنوار ج65 ص154].

أقول: لقد اتَّضح إلى الآن أنَّ الطائفة الأولى تدلُّ على عدم (الدخول) في جهنَّم، بينما تدلُّ الأخرى على(الدخول) فيها، والمستفاد من الطائفتين القول بعدم (الخلود) في جهنَّم، مع إمكان الدخول فيها برهةً من أجل التطهير من الذنوب والمعاصي، وهو ما أُكَّد في جملةٍ من كلمات الأعلام.

منهم:

1ـ قال الشيخ أبو عبد الله المفيد (طاب ثراه): (اتَّفقت الإماميَّة على أنَّ الوعيد بالخلود في النار متوجِّه إلى الكفَّار خاصَّة، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى...إلى أنْ قال (رحمه الله تعالى): واتَّفقت الإمامية على أنَّ من عُذِّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة لم يُخلَّد في العذاب، وأُخرج من النار إلى الجنَّة، فينعَّم فيها على الدوام) [أوائل المقالات ص46].

2ـ وقال العلَّامة المجلسيُّ (طاب ثراه): (وأمَّا أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنَّهم لا يخلَّدون في النار، وأمَّا أنَّهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافاً كثيراً، ومقتضى الجمع بينها أنَّه يُحتمل دخولهم النار، وأنَّهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أنَّ الشيعة والمؤمن لا يدخل النار، لأنَّه قد ورد في أخبار أُخر أنَّ الشيعة من شايع علياً في أعماله، وأنَّ الإيمان مركَّب من القول والعمل، لكنَّ الأخبار الكثيرة دلَّت على أنَّ الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، وفي هذا التبهيم حِكمٌ لا يخفى بعضها على أولي الأبصار) [بحار الأنوار ج8 ص363].

3ـ وقال العلَّامة السيِّد نعمة الله الجزائريُّ (طاب ثراه): (بقي الكلام في أرباب الكبائر من هذه الفرقة الناجية، فبعد الاتِّفاق على أنَّهم لا يخلَّدون في النَّار، اختلفت الأخبار في أنَّهم هل يدخلونها لأجل تعذيبهم مقدار ذنوبهم أم لا؟ والروايات في هذا مختلفة جدَّاً. ففي كثير منها أنَّهم لا يدخلونها، بل تداركهم شفاعة ساداتهم الطَّاهرين (ع)، وأنَّهم يُقاصُّون في الدنيا بالأوجاع، ونقص من الأموال، والأولاد، وتسلُّط الجائرين عليهم، وإيصال الأذاء إليهم، ولو من الجار أو المرأة، كما ورد في الرواية، فإذا خرجوا من الدنيا لم يبقَ عليهم ذنب يُعاقبون عليه. وفي بعضها: أنَّهم يعذَّبون على ذنوبهم بغير النَّار، إمَّا في البرزخ أو بشدائد أهوال القيامة. وفي كثير منها: أنَّهم يدخلون النار ويعذَّبون فيها ثمَّ يخرجون منها، وفي هذا الإبهام من الحِكم والمصالح ما لا يخفى. ويُمكن في وجه الجمع بين الأخبار أنَّه محمولٌ على تفاوت مراتب الإيمان، واختلاف الذنوب، والانهماك فيها، إلى غير ذلك) [نور البراهين ج1ص65].

4ـ وقال فقيه أهل البيت (ع) السيِّد محمَّد سعيد الحكيم (طاب ثراه) في جواب سؤالٍ وجِّه إليه، ما هذا نصُّه: (لا يخلَّد في النَّار إذا مات على الإسلام والولاية حسبما يظهر من الأحاديث الشريفة، إلَّا أنَّ الشأن في موته على الولاية، فإنَّ الذنوب قد تُسوِّد قلب فاعلها، حتَّى يخذله الله ويسلِّط عليه الشيطان فيدعوه للكفر فيجيبه، فلا ينبغي أنْ يكون ذلك مُطَمئناً لمرتكبي الكبائر والذنوب، على أنَّ الإنسان أضعف من أنْ يتحمَّل عذاب النار، ولو من دون خلود، بل أضعف من أنْ يتحمَّل عذاب القبر والبرزخ، بل أضعف من أنْ يتحمَّل سكرات الموت والابتلاءات التي قد تمحَّص بها ذنوبه في الدنيا، فالحذر ثمَّ الحذر من إمهال الله تعالى) [الفتاوى ج1ص386].

أقول: وفي كلامه (طاب ثراه) نكتةٌ جدير بالمؤمن الالتفات إليها والتنبُّه لها، وهي أنَّ عدم الخلود في جهنَّم بعد فرض (الموت) على الولاية ودين الحق، وإلَّا فقد يظهر من بعض الروايات التحذير من ذلك، فقد روى الكُلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير قال: (سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإنْ تاب انمحت، وإنْ زاد زادتْ حتَّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً») [الكافي ج2 ص271].

هذا، ويظهر من بعض الأخبار أنَّ التهاون في (العبادات) يؤدِّي إلى موت الإنسان على غير الولاية ودين الحق، منها:

1ـ ما رواه الكُلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «بينا رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجلٌ فقام يصلِّي، فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (ص): نقٌر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته، ليموتنَّ على غير ديني» [الكافي ج3 ص268].

2ـ وما رواه البرقيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)، قال: «من منع قيراطاً من الزكاة، فليمت إنْ شاء يهوديَّاً أو نصرانيَّاً» [المحاسن ج1 ص87].

ومعنى ذلك، خروج الروح على (غير) الولاية ودين الحق الأمر الذي ينذر بخطرٍ شديد، ولذلك فلا ينبغي التهاون بأمر الواجبات والمحرَّمات بذريعة القول بعدم (الخلود) في نار جهنَّم، أجارنا الله وإيَّاكم منها.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم أنَّ المؤمن ـ الشيعيّ ـ لا يخلَّد في النار وإنْ أمكن أنْ يلج النَّار بسبب ما ارتكبه من الذنوب والمعاصي في الدنيا، وبعدها يخرج بشفاعة الأطهار عليهم صلوات الملك الجبَّار.. والحمد لله ربِّ العالمين.