هل ماتت السيِّدة أمّ البنين بالسمّ؟

السؤال: سمعتُ في بعض البرامج الإذاعيّة أنَّ السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام) ماتت بالسمّ الذي أُعطي إليها من قبل بني أميَّة، فهل هذا الكلام صحيح؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد البحث الحثيث عن هذا الأمر لم نجد ما يُشير بشكل (صريح) إلى أنَّ الحزب الأمويّ قد سمَّ السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام)، وإنْ كان محتملاً في حدِّ نفسه، وذلك لوجود بعض القرائن والشواهد، منها:

أوَّلاً: أنَّ السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام) كانت تبكي الحسين وأخوته جهاراً نهاراً، الأمر الذي يزعج السياسة الأمويّة قطعاً.

1ـ وقال أبو الفرج: (وكانت أمّ البنين أمّ هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي) [مقاتل الطالبيين ص90].

أقول: لعلَّ بكاء مروان ـ وهو من ألدِّ أعداء أهل البيت ـ كان ذريعة لمراقبة الناس، ومشاهدة مدى تفاعلهم مع السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام)، وإلَّا فلا يُحتمل في حقِّه التأثُّر لأهل البيت (عليهم السلام)، وهو من أشدِّ الحاقدين عليهم؟

2ـ وقال الشجريّ: (قال الحسن بن خضر: قال أبي: بلغني عن جعفر بن محمَّد (عليهما السلام) أنه قال: بُكي الحسين (عليه السلام) خمس حجج، وكانت أمّ جعفر ‌الكلابيّة تندب الحسين وتبكيه، وقد كُفَّ بصرها، فكان مروان ـ وهو والي المدينة ـ يجيء متنكراً باللّيل حتَّى يقف فيسمع بكاءها وندبها) [ترتيب الأمالي الخميسية ج1 ص230].

3ـ وجاء في كتاب رياض الأحزان: (وقامت العزاء والمصيبة في دار أمّ البنين زوجة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أمّ العبَّاس وإخوته، وكذلك مُلئت دور الحسين (عليه السلام) بالزحام من نساء بني هاشم وصبيتهم عند فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، وأمَّا بيوت الحسن (عليه السلام) فهي كانت خالية موحشة، حيث إنَّ أولاده قتلوا في الوقعة وأُسر الباقون منهم بعد الملحمة) [رياض الأحزان للقزوينيّ ص60].

ثانياً: لقد عُرف الحزب الأمويّ بتصفية خصومه بالسمّ، بعيداً عن أنظار الناس، ودفعاً لردود الأفعال التي قد تحصل من هنا أو هناك.

1ـ روى البخاريّ عن الزهريّ قال: (بعث عليٌّ الأشتر أميراً على مصر حتَّى بلغ القلزم، فشرب شربة من عسل فكان فيها حتفه، فقال عمرو بن العاص: إنَّ لله جنوداً من عسل) [التأريخ الكبير ج7 ص 311].

2ـ وقال أبو الفرج: (ودسَّ ‌معاوية ‌إليه حين أراد أنْ يعهد إلى يزيد بعده، وإلى سعد بن أبي وقَّاص سمَّاً، فماتا منه في أيّام متقاربة، وكان الذي تولَّى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، لمال بذله لها معاوية) [مقاتل الطالبيين ص60].

3ـ وقال ابن حبيب: (ذكر ابن الكلبيّ، عن خالد بن سعيد، عن أبيه (أنَّ معاوية لما أراد أنْ ‌يبايع ‌ليزيد، قال لأهل الشام: إنَّ أمير المؤمنين قد كبرت سنّه، ودنا من أجله، وقد أردتُ أنْ أولِّي الأمر رجلاً بعدي فما ترون؟ فقالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، وكان فاضلاً، فسكت معاوية وأضمرها في نفسه، ثمَّ إنَّ عبد الرحمن اشتكى، فدعا معاوية ابن أثال ـ وكان من عظماء الروم وكان متطبِّباً يختلف إلى معاوية ـ فقال: ائتِ عبد الرحمن فاحتل له، فأتى عبد الرحمن فسقاه شربة فانخرق عبد الرحمن ومات) [المنمَّق في أخبار قريش ص360].

وعليه، يُحتمل أنْ يكون الحزب الأمويّ قد دسَّ السمّ إلى السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام)، دفعاً لما قد يحدث من وراء بكائها المذكِّر بالحسين وآل الحسين (عليهم السلام) الذين استشهدوا باليد الأمويَّة نفسها.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ قتل السيِّدة أمّ البنين (عليها السلام) بالسمّ وإنْ لم يثبت بشكل صريح إلَّا أنه أمرٌ محتمل في حدِّ نفسه.. والحمد لله ربِّ العالمين.