موقف الشيعة الإمامية من الصحابيّ بريدة؟
السؤال : ما موقف الشيعة الإماميّة من الصحابيّ بريدة، الذي وجدناه أحد المشاركين في تشييع جنازة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وهل يمكنكم ذكر شيء من سيرته؟
الجواب :
اعلم أخي السائل أنّ الصحابيّ بريدة بن الحصيب أو الخضيب الأسلميّ رضي الله عنه ، كان رئيس أسلم. ولما هاجر رسول الله - صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم - مرّ بكراع الغميم وبريدة بها ، فدعاهم رسول الله - صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم - إلى الإسلام ، فأسلموا . قدم على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم بعد أحد فشهد معه مشاهده وشهد الحديبيّة وبيعة الرضوان تحت الشجرة وكان من ساكني المدينة ثمّ تحوّل إلى البصرة وابتنى بها دارا ثمّ خرج منها غازيّاً إلى خراسان فأقام بمرو حتّى مات سنة 63هـ ودفن بها وبقى ولده بها.
كان في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم صاحب لواء أسامة بن زيد، وبيده الراية العظمى التي نصبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
راجع : المعارف، ابن قتيبة الدينوريّ، (ص 455) ، أسد الغابة، (ج 1 ص 175) ، رجال السيّد بحر العلوم، (ج2 ص 128) ، تنقيح المقال في علم الرجال، (ج 12 ص144).
كان له موقف مشرّف بعد انقلاب السقيفة. قال الشريف المرتضى ( ت 436هـ) : (وروى الثقفيّ قال : حدّثني محمّد بن عليّ عن عاصم بن عامر البجليّ عن نوح بن دراج عن محمّد بن إسحاق عن سفيان بن فروة عن أبيه قال جاء بريدة حتّى ركز رايته في وسط أسلم ثمّ قال : لا أبايع حتّى يبايع عليّ فقال عليّ عليه السلام : ( يا بريدة ادخل فيما دخل فيه الناس فإنّ اجتماعهم أحبّ إليّ من اختلافهم اليوم. وروى إبراهيم قال : حدّثني محمّد بن أبي عمير قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق عن موسى بن عبد الله بن الحسن أنّ عليّاً عليه السلام قال لهم بايعوا فإنّ هؤلاء خيّروني أن يأخذوا ما ليس لهم أو أقاتلهم وأُفرّق أمر المسلمين. وروى إبراهيم عن يحيى بن الحسن بن الفرات عن ميسر بن حماد عن موسى بن عبد الله بن الحسن قال : أبت أسلم أن تبايع وقالوا : ما كنّا نبايع حتّى يبايع بريدة لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله لبريدة : ( عليّ وليّكم من بعدي ) فقال عليّ عليه السلام : ( يا هؤلاء إنّ هؤلاء خيّروني أن يظلموني حقّي وأبايعهم أو ارتدّت الناس حتّى بلغت الردّة أحدا فاخترت أن أظلم حقّي وإن فعلوا ما فعلوا ) الشافي في الإمامة، (ج 3 ص 241 ـ 244).
وروى الشيخ الصدوق بسنده إلى زيد بن وهب قال : ( كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار وكان من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب وعمّار بن ياسر وأبو ذرّ الغفاريّ وسلمان الفارسيّ وعبد الله بن مسعود وبريدة الأسلميّ ...ثمّ قام بريدة الأسلميّ فقال : يا أبا بكر نسيت أم تناسيت أم خادعتك نفسك، أما تذكر إذْ أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فسلّمنا على عليّ بإمرة المؤمنين ، ونبيّنا عليه السلام بين أظهرنا فاتّق الله ربّك وأدرك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها من هلكتها ، ودع هذا الأمر ووكّله إلى من هو أحقّ به منك ، ولا تماد في غيّك ، وارجع وأنت تستطيع الرجوع فقد نصحتك نصحي وبذلت لك ما عندي ، فإن قبلت وُفّقت ورشدت ). (الخصال للشيخ الصدوق ص 461 ـ 464 ).
قال سليم بن قيس الهلاليّ : ( وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذرّ وعمّار وبريدة الأسلميّ حتّى دخلوا الدار أعوانا لعليّ عليه السلام ، حتّى كادت تقع فتنة . فخرج عليّ عليه السلام واتّبعه الناس واتّبعه سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وبريدة الأسلميّ رحمهم الله وهم يقولون : ( ما أسرع ما خنتم رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم ) . وقال بريدة بن الخصيب الأسلميّ : ( يا عمر ، أتثب على أخي رسول الله ووصيّه وعلى ابنته فتضربها ، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به . فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده ، فتعلّق به عمر ومنعه من ذلك ) كتاب سليم بن قيس الهلالي، (ص 387).
كان بريدة أحد المشاركين في تشييع جنازة الزهراء ع. قال الفتّال النيسابوريّ (ت508هـ) : ( واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجّون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذرّ وقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله) قد أُخّر إخراجها في هذه العشيّة، فقام الناس وانصرفوا، فلمّا أنْ هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها عليّ والحسن والحسين عليهما السلام ، وعمّار والمقداد ، وعقيل والزبير ، وأبو ذرّ وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصّه صلّوا عليها ، ودفنوها في جوف الليل وسوّى على حواليها قبورا مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها ) روضة الواعظين ، ص 152 ، وعنه الشيخ المجلسيّ في بحار الأنوار، (ج 43 ص 194 ).
وقال الفضل بن شاذان ( ت 260هـ) : ( إنّ من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيّوب وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن الصامت ، ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة وعديّ بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين وبريدة الأسلميّ وبشر كثير). (اختيار معرفة الرجال - رجال الكشيّ )، (ج 1 ص 181 ـ 187 ).
إنّ رأي الإماميّة ببريدة الأسلميّ يظهر ممّا سبق ، فهو رضوان الله عليه صحابيّ جليل مخلص لأهل البيت (ع) مدافع عنهم، بقي مع أمير المؤمنين حتّى استشهد عليه السلام. قال الشيخ عبد الله المامقانيّ : (وممّا يشهد بجلالته ما ورد في عدّة من الأخبار من أنّه ممّن شهد دفن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليلا ، وإنّه ممّن خرج بها مع عليّ ... وبالجملة ؛ فالأخبار في غيرته للحقّ ، وإنكاره على لصوص الخلافة ، وهجره المدينة إلى أن عاد الحقّ إلى أمير المؤمنين عليه السلام متواترة المعنى ، وهي تكشف كشفا قطعيّا عن قوّة إيمانه ، ورسوخ ملكته ، وخشونته في ذات اللّه ، وتصلّبه في الديانة ، واتّصافه بأعلى مراتب الوثاقة والعدالة ، والرجل إماميّ عدل ثقة بلا شبهة) (تنقيح المقال في علم الرجال، ج 12 ص 147 ـ 149 ).
وقال محمّد رضا المامقانيّ في تعليقه على تنقيح المقال : ( إنّه بناءً على التوثيق بالقرائن المفيدة لذلك - كما هو المختار عندي - لا محيص لمن يحيط بما ذكره المؤلّف قدّس سرّه ، وما نقلته معلّقا في المقام من الجزم بوثاقة المترجم وجلالته ، وأنّ رواياته من جهته صحاح). (تنقيح المقال، ج12 ص 152)
اترك تعليق