هل المصائب حقاً موزّعة بالسويّة؟
#السؤال: ما معنى ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام): « المصائب بالسويّة مقسومة بين البريّة » [تحف العقول ص225]، ونحن نرى المصائب متفاوتة بين الناس؟ #
الجواب:
قول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «المصائب بالسويّة مقسومة بين البريّة» يعكس حكمة عميقة تنظر إلى المصائب من منظور شامل يتجاوز الفهم الظاهريّ للمساواة، وتُظهر العبارة دعوة للتأمّل في طبيعة البلاء، ليس بوصفه مجرّد معاناة عابرة أو ظرفاً قاسياً، بل باعتباره جزءاً من نظام إلهيّ متكامل يتّسم بالعدل والدقّة، ويهدف إلى تحقيق غايات أعمق في حياة الإنسان. فالمقولة تشير إلى أنّ البلاء والابتلاءات التي تصيب البشر ليست عشوائيّة أو ظالمة، بل هي موزّعة بعدل إلهيّ وفقاً لما يناسب كلّ إنسان وظروفه.
فمع أنّ المصائب تبدو متفاوتة في شدّتها أو طبيعتها بين الناس، فإنّ المساواة المقصودة في هذه العبارة لا تعني التماثل في الكمّيّة أو النوع، بل في التأثير الكلّيّ على حياة كلّ فرد، فالمصائب قد تبدو مختلفة بين الناس من حيث ظاهرها، كالفقر والغنى، المرض والصحّة، أو الحزن والفرح، لكن من منظور إلهيّ، كلّ إنسان يُبتلى بما يناسب قوّته وظروفه. فالعدالة الإلهيّة تقتضي أن يكون البلاء متناسباً مع قدرة الإنسان على تحمّله، كما قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
الإنسان قد يُبتلى في جانب، لكنّه يُرزق في جانب آخر، ليبقى التوازن حاضراً في حياته، فربّما يفتقد المال لكنّه يتمتّع بالصحّة أو الرضا النفسيّ، والعكس صحيح. هذه الابتلاءات والنعم ليست عشوائيّة، بل جزء من نظام إلهيّ متكامل يهدف إلى اختبار عباده، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]. فالابتلاء هو وسيلة لصقل النفوس وتربيتها، وإظهار معدن الإنسان من صبر وإيمان. وما يبدو شديداً في أعيننا قد لا يكون كذلك عند صاحبه، فالمصائب تُقاس بشعور الإنسان بها وتفاعله معها، وليس بمعاييرنا الخاصّة التي قد لا تعكس واقع الآخرين.
وللتعامل مع هذه الحكمة، علينا أن ندرك أنّ كلّ مصيبة تحمل في طيّاتها درساً أو حكمة خفيّة، وأن نتجنّب الوقوع في فخّ مقارنة أنفسنا بالآخرين، لأنّ ما يظهر لنا من حياتهم ليس سوى جزء صغير من الصورة الكاملة التي تخفي وراءها نظاماً إلهيّاً متكاملاً لا ندرك أبعاده كاملة. إنّ فهم الابتلاء كجزء من التكامل الإلهيّ في حياتنا يساعدنا على إدراك أنّ المصائب والنعم تتوازن معاً لتحقيق هدف أسمى قد لا يظهر لنا في اللّحظة الحاضرة.
ففي المحصّلة، كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يسعى إلى تهدئة القلوب وتذكير الناس بعدم النظر إلى المصائب بنظرة سطحيّة، فالتفاوت الذي نراه في حياتنا، سواء في المصائب أم النعم، هو جزء من الحكمة الإلهيّة التي توازن بين الابتلاءات والنعم وفقاً لميزان العدل الإلهيّ، بحيث يُوزّع كلّ ما يصيب الإنسان بما يتناسب مع قدرته وظروفه، وعليه، السويّة لا تعني تماثل التجربة بين الناس، بل تعني أنّ كلّ إنسان يُبتلى بما يناسبه، وبذلك تكون الفرص متساوية في النتائج حتّى وإن تباينت في المقدّمات. والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق