حديث: لا فرق بين عربي وأعجمي.
السؤال: ما صحَّة حديث: (لا فرق بين عربيّ وأعجميّ إلَّا بالتقوى)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم ـ عزيزي السائل ـ بأنَّ مضمون الكلام المذكور في السؤال جاء في سياقِ خطبة النبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) التي خطبها في حَجَّة الوداع، ولبيان الحال فيه نعقد الكلام في مقامين:
الأوَّل: (في مصادر الحديث).
لقد ورد هذا المضمون في جملة كبيرة من المصادر، نذكر بعضاً منها روماً للإختصار وخشية التطويل.
1ـ نقل ابن شعبة الحرانيّ - تحت عنوان: خطبته (صلَّى الله عليه وآله) في حَجَّة الوداع -ما يلي: «الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا....إلى قوله (صلَّى الله عليه وآله):أيّها الناس، إنَّ ربّكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلَّا بالتقوى. ألَا هل بلَّغتُ؟ قالوا: نعم. قال: فليبلِّغ الشاهد الغائب....إلى آخره» [تحف العقول ص30 ـ 34].
2ـ وروى أحمد بن حنبل بسنده عن أبي نضرة قال: (حدَّثني من سمع خطبة رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) في وسط أيّام التشريق فقال: «يا أيّها الناس، ألَا إنَّ ربّكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ألَا لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلَّا بالتقوى، أبلغت» قالوا: بلَّغ رسول الله. ثمَّ قال: «أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. ثمَّ قال: «أيّ شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: ثمَّ قال: «أيّ بلد هذا؟» قالوا بلد حرام. قال: «فإنَّ الله قد حرَّم بينكم دماءَكم وأموالكم ـ قال: ولا أدري قال: أو أعراضكم، أم لا ـ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، أبلّغت» قالوا: بلَّغ رسول الله. قال: «ليبلّغ الشاهد الغائب») [مسند أحمد ج38 ص474]، إلى غيرها من المصادر.
والآخر: (في صحَّة الحديث).
الملاحَظ أنَّ علماء المسلمين كافَّة قد قبلوا بمضمون هذا الحديث وأخذوه أخذ المسلَّمات، ولم يتوقَّف فيه أحد، باعتبار أنَّ أصله من القرآن الكريم الذي يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13].
مضافاً إلى الحكم بصحَّة سنده من قبل بعض العلماء والمحقّقين، فقد حكم بصحَّته الهيثميّ في [مجمع الزوائد ج3 ص266]، والشيخ الألبانيّ في [السلسلة الصحيحة ج6 ص449]، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه [مسند أحمد ج38 ص474]، وغيرهم.
شواهد أُخرى:
ثمَّ إنَّ المضمون المذكور له بعض الشواهد القريبة في الروايات الأُخرى، أمثال ما روي عن النبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «الناس سواسية كأسنان المشط» [أحاديث أبي الزبير ص64]، وكذلك ما روي عنه (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «الناس لآدم وحواء كطف الصاع لنْ يملئوه، إنَّ الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا أنسابكم يوم القيامة، أكرمكم عند الله أتقاكم» [الطبقات الكبرى ج1 ص18]، وكذلك ما روي عنه (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «أيّها الناس، إنَّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها ألَا إنّكم من آدم (عليه السلام) وآدم من طين، ألَا إنَّ خير عباد الله عبد أتقاه، إنَّ العربيّة ليست باب والد ولكنَّها لسان ناطق فمن قصَّر به عمله لم يبلغه حسبه» [الكافي ج8 ص ٢٤٦]، وكذلك ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيه: «يا معشر قريش، إنَّ حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله....ثمَّ قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لسلمان: ليس لأحدٍ من هؤلاء عليك فضل إلَّا بتقوى الله (عزَّ وجلَّ) وإنْ كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل» [الكافي ج8 ص181]، وكذلك ما روي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «كلُّكم بنو آدم، طف الصاع، إلَّا من أكرمه الله بالتقوى، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم» [يُنظر: مستدرك الوسائل ج11 ص267]، إلى غيرها من الكتب والمصادر الناقلة لهذا المعنى.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ هذا المضمون الوارد في السؤال من المضامين الصحيحة والمقبولة عند المسلمين كافَّة.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق