معنى كلام كاشف الغطاء في حق السيدة فاطمة (ع)

السؤال: ما معنى قول الشيخ كاشف الغطاء: إنَّ الزهراء (عليها السلام) (تكلَّمت مع أمير المؤمنين بعد رجوعها من المسجد وكانت ثائرةً متأثرةً حتى خرجت عن حدود الآداب)؟ وكيف يوجه كلامه بما يناسب العصمة؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم - أيّدك الله - أنّ كلام الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (قدّس سرّه) ناظرٌ إلى الرواية التي وردت في بعض المصادر الحديثية: من أنّ الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) لـمّا انصرفت من إلقاء خطبتها الفدكيّة المشهورة، ودخلت بيتها، أقبلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالت: «يا ابن أبي طالب، اشتملتَ مشيمة الجنين، وقعدتَ حجرة الظنين، نقضتَ قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزني نحيلة أبي و بليغة ابني...إلى آخر كلامها».

وقد ذكرنا في جوابٍ منفرد: أنّ هذا الكلام صادر من الصدّيقة الكبرى (عليها السلام):

إمّـا بداعي الاستعذار – وهو طلب بيان العذر – بهدف إزالة الشبهة الدائرة في أذهان الناس من أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رضي بالظلم الذي جرى عليه، فتكلّمت بهذا الكلام ليبيّن الإمام (عليه السلام) عُذرَه للناس من أنّ تكليفه هو الصبر والسكوت.

وإمّـا بلسان إيّاك أعني واسمعي يا جارة، فالخطاب وإنْ كان موجّهاً إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أنّ المقصود والمعنيَّ بالخطاب هم أولئك الذين تخلّفوا عن النصرة.

وإمّـا بالكناية عن شدّة التزام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتكاليف الشرعيّة، فإنّه لـمّا كان تكليفه هو الجهاد كان مجاهداً، ولـمّا كان تكليفه هو الصبر كان صابراً.

وأمّـا ما يرتبط بالسؤال عن كلام العلّامة الشيخ كاشف الغطاء في قوله: (وكانت ثائرةً متأثّرةً أشدّ التأثّر حتّى خرجت عن حدود الآداب التي لَـم تخرج من حظيرتها مدّة عمرها) [جنة المأوى ص64-65]، فنقول:

أوّلاً: إنّ هذه العبارة جاءت في مقالةٍ معنونة بـ(فاطمة الزهراء عليها السلام) في كتاب [جنّة المأوى ص61]، وقد ذكرنا في جوابٍ سابق: أنّ أصل كتاب جنّة المأوى عبارة عن مجموعٍ لكتاباتٍ وأوراقٍ متناثرة للشيخ كاشف الغطاء حول أهل البيت (عليهم السلام)، عثر عليها السيّد محمّد علي القاضي في مكتبته وجمعها وطبعها، كما صرّح بذلك في مقدّمة الكتاب [ينظر: جنّة المأوى ص12ـ13].

وعليه، لا يمكن الجزم بصحّة انتساب هذه المقالة للشيخ كاشف الغطاء وتبنّيه لِـما ورد فيها؛ لأنّه – كما ذكر السيّد جعفر مرتضى العامليّ – (إنْ كانت العبارات له (رحمه الله) فلعلّها كانت مشروع إجابة كان يحاول أنْ ينشئها، ولَـم ينتهِ منها بعد، ولعلّه كان يريد إدخال المزيد من التنقيح والتصحيح عليها، ثمّ عاجلته المنيّة قبل أنْ ينجز ذلك. وإنْ كانت هذه الفقرات لغيره فلعلّه أراد أنْ يناقشها، أو يعلّق عليها، ولَـم تسنح له الفرصة لذلك) [مختصر مفيد ج9 ص69-70].

وثانياً: لو سلّمنا صحّة انتساب هذه المقالة للشيخ كاشف الغطاء، فيمكن توجيه العبارة المذكورة بأحد توجيهين:

أحدهما: أنّ الآداب بين الزوجين تارةً تكون آداب يجب مراعاتها، فيلزم من عدم مراعاتها الإساءة للطرف الآخر، وأخرى تكون آداب يرجح مراعاتها، فلا يلزم من عدم مراعاتها الإساءة للطرف الآخر. والشيخ كاشف الغطاء أراد بقوله: (خرجتْ عن حدود الآداب) أنّها لَـم تراعِ – بحسب الظاهر – حدود آدابها الخاصّة التي كانت تتميّز بأعلى درجات المثاليّة والتي لَـم يُعرف بها أحدٌ غيرها (عليها السلام)، وذلك لشدّة ما وقع من الظلم والجور بحقّها وحقّ زوجها (عليهما السلام)، فإنّها لَـم تتكلّم قبل تلك المحنة المريرة مثل هذا الكلام، ولذلك قال: (التي لَـم تخرج من حظيرتها مدّة عمرها)، ولَـم يقصد خروجها عن مطلق الآداب العامّة بين الزوجين التي يلزم مراعاتها حتّى تُعـدّ إساءة، ولذا لَـم يُعبّر بإساءة الأدب.

والآخر: ما أفاده سماحة الشيخ علي الجزيريّ (دامت بركاته): أنّ كلمة الأدب تعني الطريقة المتّبعة عند فردٍ أو جماعة، فيُقال: من أدب العرب أنْ يلبسوا الثياب الطويلة مثلاً، أي: أنّ هذه من طريقتهم التي التزموها، فإذا لبس أحدُهم ثياباً أخرى يُقال له: خرج عن أدبه الذي جرى عليه طيلة حياته، فمعنى قول الشيخ: (خرجت عن حدود الآداب التي لَـم تخرج من حظيرتها مدّة عمرها) هو أنّها غيّرت طريقتها التي التزمتها، فإنّ هذا الخطاب مخالفٌ للخطاب الذي جرت عليه طيلة حياتها، فهذا التعبير في نفسه من الناحية الأدبية تحريرٌ أدبيٌّ قحّ، والشيخ أراد بعبارته ذلك المعنى العربيَّ القحّ.

ومع ذلك فإنّنا لا نرتضي هذا التعبير؛ لأنّه قد يُفهم منه شيءٌ آخر، وليس من الأدب استعمال هذه الكلمة، فهو وإنْ كان يقصد معنىً صحيحاً إلّا أنّه ينبغي أيضاً مراعاة المعنى الذي يفهمه عامّة الناس من اللفظة، ولذلك ليست هذه العبارة موفّقة.

والاعتذار له أنّه كتبها من غير تأمّل في خصوصيّاتها وإيحاءاتها، خصوصاً أنّه يعيش اللغة العربيّة كما يتجلّى ذلك في كتبه، ومَن يعرف طريقته وأدبه وسجيّته في الكتابة يعرف أنّه يعيش اللغة الفصيحة بوجدانه حينما يكتب، فيذهل عن المعاني التي تتبادر عند عامّة الناس من بعض التعبيرات، فعذره أنه غافلٌ عن الإيحاءات التي تعطيها هذه اللفظة عند عامّة الناس.

وعلى أيَّةِ حال، لا نشكّ في إخلاص الشيخ وصدقه، وأنّه ممن أتعب نفسه على تهذيب نفسه، وله في التعلق بأهل البيت عليهم السلام منزلةٌ خاصة، رزقنا الله شفاعته.

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.