موقف الزهراء (ع) في المحشر لطلب ثأر الحسين (ع)
السؤال: ما رأيكم بهذا الحديث: عن الإِمام الصادق «صلواتُ اللهِ عليه»: «إذا كان يوم القيامة نُصِبَ لفاطمةٍ «صلواتُ اللهِ عليها» قُبّة من نورٍ ويقبل الحُسَين «صلواتُ اللهِ عليه» ماشياً ورأسه في يده، فإذا رأته فاطِمَة «صلواتُ اللهِ عليه»، شهقت شهقة عظيمة، فلا يبقىٰ في ذلك الموقف ملك ولا نبيّ إلَّا بكىٰ لبكائها» ؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وردت روايات مستفيضة عند المسلمين – شيعة وسنّة - في وصف حال الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في المحشر عند تمثّل مصيبة ولدها سيّد الشهداء (عليه السلام) لها، وبكائها وتفجّعها عليه، وبكاء أهل المحشر لبكائها، فتقيم – حينئذٍ – مجلس العزاء على مصيبة سيّد الشهداء (عليه السلام) في ذلك المشهد العظيم، وتطلب الصدّيقة (عليها السلام) من الله تعالى الثأر والقصاص من قتلة ولدها (عليه السلام).
وتبيّن بعض الروايات أنّ الصدّيقة (عليها السلام) ترفع قميص سيّد الشهداء (عليه السلام) ملطّخاً بدمائه الطاهرة، وتبيّن روايات أخرى أنّه يتمثّل لها سيّد الشهداء (عليه السلام) مقطوع الرأس، وقد نظم ذلك بعضُ الشعراء، ولهذا سنذكر الطائفتين مذيّلة بخاتمةٍ شعريّة:
الطائفة الأولى: قميص الحسين (ع) المصبوغ بالدم:
1ـ روى الشيخ الصدوق والإربليّ والخوارزميّ والحموينيّ وابن المغازليّ وابن الأخضر وغيرهم عن الإمام الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « تحشر ابنتي فاطمة (عليه السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء، تتعلّق بقائمة من قوائم العرش، تقول: يا أحكم الحاكمين، احكم بيني وبين قاتل ولدي، قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ويحكم لابنتي فاطمة وربِّ الكعبة » [عيون أخبار الرضا ج2 ص12، كشف الغمة ج3 ص62، مقتل الحسين ص327، فرائد السمطين ج2 ص265، مناقب علي ص294، ينابيع المودة ج3 ص46].
ورواه الشيخ الصدوق من طرق أخرى عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، نحوه مع زيادة في آخره: « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فيحكم الله تعالى لابنتي وربِّ الكعبة، وإنّ الله عزّ وجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » [عيون أخبار الرضا ج2 ص29].
2ـ روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: « إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحدٍ، ثمّ أمر منادياً فنادى: غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم حتّى تجوز فاطمة ابنة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الصراط، قال: فتغضّ الخلائق أبصارهم فتأتي فاطمة (عليها السلام) على نجيبٍ من نجب الجنّة، يشيّعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفا شريفاً من مواقف القيامة، ثمّ تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن عليّ (عليهما السلام) بيدها مضمّخاً بدمه، وتقول: يا ربِّ، هذا قميص ولدي، وقد علمتَ ما صنع به، فيأتيها النداء من قبل الله عزّ وجلّ: يا فاطمة، لكِ عندي الرضا، فتقول: يا ربِّ، انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار، فتخرج من جهنّم، فتلتقط قتلة الحسين بن عليّ (عليهما السلام) كما يلتقط الطير الحبَّ، ثمّ يعود العنق بهم إلى النار، فيُعذَّبون فيها بأنواع العذاب، ثمّ تركب فاطمة (عليها السلام) نجيبها حتّى تدخل الجنّة، ومعها الملائكة المشيّعون لها، وذرّيّتها بين يديها، وأولياءهم من الناس عن يمينها وشمالها » [الأمالي ص130].
3ـ نقل ابن شهر آشوب: « وفي خبر آخر: تحشر فاطمة وتخلع عليها الحلل وهي آخذة بقميص الحسين ملطّخ بالدم وقد تعلّقت بقائم العرش تقول: ربّي الحكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين، فيؤخذ لها بحقّها » [مناقب آل أبي طالب ج3 ص108].
4ـ ذكر أبو القاسم البستيّ المعتزليّ: « في الحديث: أنّه عند النّزع دعا بالحسن والحسين (عليهما السّلام) يقبّلهما ويودّعهما، فكانا يطرحان أنفسهما عليه، فتمنعهما فاطمة (عليها السّلام)، فقال لها: دعيهما، فلو علمتِ ما يجري عليهما من القتل والظلم والأحوال لرثيت لهما... وأنّها تجيء يوم القيامة، وعليها قميص الحسين، مغرقاً بالدماء، متظلّمة، فيقع النداء: غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة (عليها السّلام) » [المراتب في فضائل أمير المؤمنين ص147].
5ـ نقل يوسف الصنعانيّ: « وقال أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم): ينادي منادي يوم الحشر: يا أهل الجمع، غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد إلى الجنّة، فتأتي على نجيب من نور، وقد حفّتها الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، وعليها قميص الحسين المخضوب بالدم، فلا تدخل الجنّة حتّى ينتقم الله من واتريها » [نسمة السحر ج2 ص471].
الطائفة الثانية: تمثّل الحسين (ع) مقطوع الرأس:
6ـ روى الشيخ الصدوق وابن نما وابن طاووس الحلّيّان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « إذا كان يوم القيامة نُصب لفاطمة (عليها السلام) قبّة من نور، وأقبل الحسين (صلوات الله عليه) رأسه في يده، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا عبد مؤمن إلّا بكى لها، فيمثّل الله عزّ وجلّ رجلاً لها في أحسن صورة وهو يخاصم قتلته بلا رأس، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومَن شرك في قتله، فيقتلهم حتّى أتى على آخرهم، ثمّ يُنشَرون فيقتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسن (عليه السلام)، ثمّ يُنشَرون فيقتلهم الحسين (عليه السلام)، ثمّ يُنشرون فلا يبقى من ذرّيّتنا أحد إلّا قتلهم قتلة، فعند ذلك يكشف الله الغيظ، وينسي الحزن ». ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): « رحم الله شيعتنا، شيعتنا - والله - هم المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة » [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص216، مثير الأحزان ص62، اللّهوف ص81].
7ـ روى الشيخ الصدوق وابن نما وابن طاووس الحلّيّان عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (صلوات الله عليها) في لـمّة من نسائها، فيُقال لها: ادخلي الجنّة، فتقول: لا أدخل حتّى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي؟ فيُقال لها: انظري في قلب القيامة، فتنظر إلى الحسين (صلوات الله عليه) قائماً وليس عليه رأس، فتصرخ صرخةً، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخنا، فيغضب الله عزّ وجلّ لنا عند ذلك، فيأمر ناراً يُقال لها: هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت، لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غمّ أبداً، فيُقال لها: التقطي قتلةَ الحسينِ (صلوات الله عليه) وحملةِ القرآن، فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربّنا، أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلّ: أن مَن علم ليس كمَن لا يعلم » [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص217، مثير الأحزان ص217، اللهوف ص82].
8ـ روى الشيخ الصدوق عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « يُمثَّل لفاطمة (عليها السلام) رأس الحسين (عليه السلام) متشحّطاً بدمه، فتصيح: وا ولداه، وا ثمرة فؤاداه، فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة (عليها السلام)، وينادي أهل القيامة: قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة، قال: فيقول الله عزّ وجلّ: ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه...» [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص219].
9ـ روى فرات الكوفيّ عن ابن عبّاس قال: سمعتُ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) [يقول]: « دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم على فاطمة (عليها السلام) وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنيّة؟ قالت: يا أبه، ذكرتُ المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة، قال: يا بنيّة، إنّه ليوم عظيم، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أنّه قال: أوّل مَن تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ثمّ أبي إبراهيم ثمّ بعلك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثمّ يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور، فيقف عند رأسك فينادينك: يا فاطمة بنت محمّد، قومي إلى محشركِ، فتقومين آمنة روعتك، مستورة عورتك، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفّة من ذهب، فتركبينها، ويقود زوقائيل بزمامها، وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح... ثمّ يُنصَب لكِ منبرٌ من النور، فيه سبع مراقي، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة، بأيديهم ألوية النور، ويصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء معكِ عن يسارك حواء وآسية، فإذا صرتِ في أعلى المنبر أتاكِ جبرئيل (عليه السلام) فيقول لك: يا فاطمة، سلي حاجتكِ، فتقولين: يا ربِّ، أرني الحسن والحسين، فيأتيانكِ وأوداج الحسين تشخب دماً، وهو يقول: يا ربِّ، خذ لي اليوم حقّي ممّن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة، ثمّ يخرج فوج من النار، ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم، ويقولون: يا ربِّ، إنّا لم نحضر الحسين، فيقول الله لزبانيّة جهنم: خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار، فإنّهم كانوا أشدّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه ... » [تفسير فرات ص445].
تذييل: موقف الزهراء (عليها السلام) في المحشر في الشعر:
النظم الأوّل:
ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه * والصورُ في حشر القيامة يُنفَخ
لا بدّ أن ترد القيامةَ فاطم * وقميصها بدم الحسين مضمخ
عُزي هذان البيتان في بعض المصادر إلى الإمام الشافعيّ [فرائد السمطين ج2 ص266]، وفي بعضها إلى مسعود بن عبد الله القائنيّ [مناقب آل أبي طالب ج3 ص108]، وورد في بعضها: أنّه وُجد مكتوباً على حجرٍ [تذكرة الخواص ص246، نظم درر السمطين ص219]، وجاء في كثير من المصادر من غيرِ نسبةٍ [روضة الواعظين ص195].
النظم الثاني:
سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم * إذا حان معشر التعديل
وأبوها وبعلها وبنوها * حولها والخصام غير قليل
وتنادي يا ربِّ ذبح أولادي * لماذا وأنت أنت مديلي
فينادي بمالك الهب النار * وأجج وخذ بأهل الغلول
ويجازي كلّ بما كان منه * من عقاب التخليد والتنكيل
هذه الأبيات للأديب الصاحب ابن عباد، كما ذكر ابن شهر آشوب في [مناقب آل أبي طالب ج3 ص109].
النظم الثالث:
كأني ببنت المصطفى قد تعلّقت * يداها بساق العرش والدمع أذرت
وفي حجرها ثوب الحسين مضرّجاً * وعنها جميع العالمين بحسرة
تقول أيا عدل اقضِ بيني وبين مَن * تعدّى على ابني بين قهر وقسوة
أجالوا عليه بالصوارم والقنا * وكم جال فيهم من سنان وشفرة
فيقضى على قوم إليها تألّبوا * بشرّ عذاب النار من غير فترة
ذكر هذه الأبيات ابن شهر آشوب من دون تصريحٍ باسم الشاعر [مناقب آل أبي طالب ج3 ص109].ش
اترك تعليق