ما المقصود بالعهد والميثاق؟

السؤال: ورد في الرواية (واسم هذا اليوم في السّماء يوم العهد المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود،). ما المقصود بالعهد والميثاق وما الفرق بينهما؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب

الرواية التي أشار لها السائل هي رواية عليّ بن حسّان الواسطي، عن عليّ بن الحسين العبديّ قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: "صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا -إلى أن قال -وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله نبيّاً إلّا وتعيّد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء: يوم العهد المعهود، وفي الأرض: يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود..."

وتتحدّث هذه الرواية عن فضل يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وفيه أعلن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامة أمير المؤمنين (ع) وولايته على كلّ مؤمن ومؤمنة، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: "يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الّذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي عليّ بن أبي طالب علماً لأمّتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي اكتمل فيه الدّين، وأتمّ على أمّتي فيه النّعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً"

وقد أكّدت رواية الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ غدير خمّ لم يكن مجرّد إعلان عن ولاية سياسيّة لأمير المؤمنين أو مجرّد دعوة لمحبّته ومناصرته، وإنّما هو اليوم الذي أعلن فيه رسول الله (ص) تجديد العهد الذي عهده الله على جميع المؤمنين منذ عالم الذر، ولذا ما إن أتمّ رسول الله (ص) إعلانه حتّى نزل قوله تعالى: (اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا).

فهذا الرواية وغيرها من الروايات تؤكّد على وجود عهد من الله عهده إلى جميع عباده، ثمّ جاء يوم الغدير ليعرض فيه رسول الله (ص) على المؤمنين تجديد الميثاق بذلك العهد، حتّى لا يبقى عذرٌ لمعتذر، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع) قال: "لعلّك ترى أنّ الله عزّ وجلّ خلق يوماً أعظم حرمة منه [أي: يوم الغدير]؟! لا والله، لا والله، لا والله، ثمّ قال: وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا: الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من الموفين بعهده إلينا، وميثاقنا الّذي واثقنا به، من ولاية ولاة أمره، والقوّام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذّبين بيوم الدّين.." (وسائل الشّيعة، ج8، ص90).

وقد أشارت الروايات في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ)، بأنّ الله أخذ العهد على الخلق له بالعبوديّة وللنبيّ والأئمّة عليهم السلام بالطاعة، ففي تفسير العياشيّ: عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ عليه السلام قال: أتاه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلّم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟

فقال عليّ: قد كلّم الله جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردّوا عليه الجواب. فثقل ذلك على ابن الكوّاء ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيّه: "وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى"؟ فقد أسمعكم كلامه، و ردّوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله - يا بن الكوّاء - "قالوا بلى" فقال لهم: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، وأنا الرحمن، فأقرّوا له بالطاعة والربوبيّة، وميّز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، فأقرّوا بذلك في الميثاق، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك: شهدنا عليكم يا بني آدم أنْ تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين" (بحار الأنوار ج 5، ص 258).

وفي بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم) إلى آخر الآية، قال: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه، ولولا ذلك لن يعرف أحد ربه ثم قال: (ألست بربكم) قالوا بلى، وإن هذا محمّد رسولي، وعليّ أمير المؤمنين خليفتي وأميني" (بحار الأنوار ج 5، ص 250)

وكذلك هناك إشارات واضحة لهذا العهد في روايات الحجر الأسود كما في الكافي: ".. فإنّ الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة لأنّ الله عزّ وجلّ لما أخذ الميثاق له بالربوبيّة ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله) بالنبوّة ولعليّ (عليه السلام) بالوصيّة اصطكت فرائص الملائكة فأوّل من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك لم يكن فيهم أشدّ حبّاً لمحمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) منه ولذلك اختاره الله من بينهم وألقمه الميثاق وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكلّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق" (الكافي ج 4، ص 186).

وفي الكافي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "فلمّا أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربّكم؟ فأوّل من نطق: رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة صلوات الله عليهم فقالوا: أنت ربّنا، فحمّلهم العلم والدين، ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثمّ قال لبني آدم: أقرّوا لله بالربوبيّة ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة، فقالوا: نعم ربّنا أقررنا، فقال الله للملائكة: اشهدوا. فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا غدا: "إنّا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون" يا داود ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق" (الكافي ج 1 ص 132 – 133).

وغيرها من الروايات الدالّة على أخذ العهد بولاية أمير المؤمنين (ع) منذ عالم الذرّ، وهذا يفسّر قول الإمام (اسمه في السماء العهد المعهود).

وقد جدّد النبيّ (ص) ذلك العهد في بيعة الغدير، وهو اليوم الذي أمر فيه الله رسوله (ص) تبليغ ما أنزل إليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فمع أنّ النبيّ (ص) كان قد بلّغ الدين كلّه بعقائده وأحكامه وتشريعاته إلّا أنّ الله ربط تمام بلاغه للرسالة بأخذ العهد والميثاق بولاية أمير المؤمنين (ع)، فخطب رسول الله (ص) في غدير خمّ في جمع غفير من الحجيج وأمرهم بأخذ البيعة لعليّ بن ابي طالب (عليه السلام) والإقرار بأنّه وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة، والخطبة طويلة وفيها فوائد عظيمة ننصح بالرجوع إليها.

وقد أشار الإمام الصادق (ع) لِمَا فعله النبيّ (ص) في غدير خمّ بقوله: (بيوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود)، وبعد ذلك {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.

وفي المحصلة: أنّ العهد المشار إليه في الرواية هو ما أخذه الله على عباده في عالم الذرّ بالعبادة لله والطاعة لرسوله (ص) والأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام)، أمّا الميثاق فهو ما عقده رسول الله (ص) لأمير المؤمنين من بيعة يوم الغدير، أمّا الفرق بين العهد والميثاق فقد ذكر بعض العلماء أنّ العهد إلزام والتزام، والميثاق هو العهد المؤكّد باليمين أو بالبيعة.