متاهة الضائعين: الغرب وأعداؤه.

سؤال: طرحه أحد كتاب الحداثة، وهو أمين معلوف وموضوعه دفعته الأحداث الى الواجهة "الغرب وخصومه". إذا كان الغرب يتعثّر ويتراجع فهل يملك خصومه البديل؟ وأيّ بديل؟ وهل خصوم الغرب أبرياء من نزعات الهيمنة والاستعمار؟!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

يشير السائل في سؤاله إلى كتاب (متاهة الضائعين: الغرب وأعداؤه) للروائيّ والكاتب اللّبنانيّ-الفرنسيّ أمين معلوف، الصادر عن "دار غراسيه" في باريس، إذْ سلّط فيه الضوء على التحوّلات الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، بخاصّة ما يجري من صراعات راهنة تجلّت بوضوح في مأساة الحرب الإسرائيليّة على غزة، والحرب المدمّرة في أوكرانيا، فالعالم لا يزال منقسماً إلى معسكرين متناقضين. تتجلّى هذه الانقسامات في الدعم الأمريكيّ الأعمى لإسرائيل في مقابل الدفاع الروسيّ عن حقوق الفلسطينيّين، وكذلك في التوتّرات المستمرّة بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.

وقد حاول الكتاب استكشاف أسباب هذا الانقسام وطبيعة الصراع بين الغرب وخصومه من خلال تتبّع مسارات أربع دول عظمى:

1- اليابان: بدأت دولة ضعيفة ومعزولة ثمّ تطوّرت بشكل كبير في نهاية القرن التاسع عشر، وهو ممّا سمح لها بهزيمة الروس في عام 1905. لكن تحوّلها إلى نظام إمبرياليّ ألقى بظلاله على سمعتها.

2- الاتّحاد السوفيتيّ: بزغت قوّته من الثورة ضدّ النظام القيصريّ، وطرح نفسه مدافعاً عن المضطهدين، لكنّه تحوّل إلى نظام إمبرياليّ ديكتاتوريّ تسبّب في معاناة كبيرة.

3- الصين: عانت من الإمبريالية الغربيّة واليابانيّة ثمّ من نظامها الحاكم، لكنّها تحوّلت في العقود الأخيرة إلى قوّة اقتصاديّة عظمى تتحدّى الغرب.

4- الولايات المتّحدة: وقفت في وجه كلّ من هذه الدول وأصبحت القوّة العظمى الأولى، لكنّها تعاني من نقاط ضعف ناجمة عن شعورها بالتفوّق وعدم القهر.

ثمّ يستعرض الكتاب كيف تؤثّر هذه الصراعات على الحضارة الإنسانيّة بشكل عامّ، فالعالم يعيش فصول مواجهة عالميّة تضع الغرب في مواجهة مباشرة مع روسيا والصين، وهو ممّا يخلق اضطراباً كبيراً يؤثّر في الاستقرار العالميّ.

فالحداثة التي بدأت من عصر النهضة والاصلاح البروتستانتيّ، وولادة العالم الحديث وعلمنة المسيحيّة وما شهده الغرب من تقدّم وما أحدثه من إنجازات ولّد عنده شعوراً بالغطرسة، أطلق عليها معلوف (غطرسة الحداثة)، فشعور الغرب بالتفوّق هو الذي ولّد عنده هذه الغطرسة ودفعه إلى فرض هيمنته على العالم فتسبّب في العديد من الصراعات والأزمات.

ثمّ ينهي معلوف كتابه بتقديم رؤيته لكيفيّة تجاوز هذه الأزمات، مشدّداً على أهمّية التفكير العميق في الأزمة الحالية والتعاون بين الدول لبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدالة، فلا بدّ من مراجعة السياسات الدوليّة وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة.

وأمّا ما يتعلّق بقوله: هل يملك خصوم الغرب بديلًا؟

فيشير الكاتب معلوف إلى أنّ الغرب يتعثّر ويتراجع في بعض الجوانب، وخاصّة في مجالات السياسة الدوليّة والاقتصاد. لكنّه يعدُّ خصوم الغرب، مثل الصين وروسيا، لديهم بديل في مفهوم نظام عالميّ مختلف يشمل توجّهات جيوسياسيّة واقتصاديّة جديدة. فالصين تقدّم نموذجاً لتنمية اقتصاديّة سريعة مرتبطة بنظام سياسيّ شيوعيّ، في حين روسيا تتّخذ مواقف مناهضة للغرب في السياسة الدوليّة وتعتمد على قوّة عسكريّة وتأثير إقليميّ.

وأمّا ما يتعلّق بالبديل لدى خصوم الغرب؟

فيرى معلوف من خلال تحليلاته أنّ البديل الذي يمكن رؤيته يشمل تحديثاً لنموذج الهيمنة الغربيّة السابقة، إذْ تسعى دول مثل الصين وروسيا إلى تحقيق نفوذ دوليّ بطرق جديدة، بما في ذلك الدعم الاقتصاديّ والتجاريّ، والمشاركة الدوليّة في المنظمات الدوليّة.

وأمّا ما يتعلّق بما إذا كان خصوم الغرب أبرياء من نزعات الهيمنة والاستعمار؟

فمعلوف لا يصف خصوم الغرب بأنّهم بريئون من نزعات الهيمنة والاستعمار، بل يرى أنّهم يسعون لتعزيز نفوذهم الدوليّ بطرق تختلف عن تلك التي اتّبعها الغرب في السابق. فعلى سبيل المثال، الصين تواصل استراتيجيتها الاقتصاديّة العنيدة والتوسّع في مشاريع تطوير البنية التحتيّة العالميّة، في حين تعتمد روسيا على النفوذ العسكريّ والسياسيّ في مناطق مثل الشرق الأوسط.

وما نؤكّد عليه نحن من خلال هذا العرض أنّ تحقيق التعايش السلميّ بين الحضارات يشكّل تحدّياً كبيراً وهو ممّا يضاعف مسؤوليّة الجميع، فبناء جسور ثقافية تعزّز التعاون والحوار بين الحضارات عمل شاق يتطلّب المزيد من التكافل والتعاون، فالعالم لا يمكن أن ينعم بالعدالة والمساواة واحترام الحقوق الإنسانيّة إلّا بالعمل المشترك بين الدول والمجتمعات المدنيّة.

وعليه فينبغي التركيز على سياسات التعاون والشراكة العالميّة وتفعيل دور المنظّمات الدوليّة والإقليميّة والمجتمع المدنيّ في دعمها وتحقيقها، وبذلك يمكن أن يتحقّق التوازن والاستدامة والانسجام في التنمية استناداً إلى مبادئ العدالة والمساواة والاحترام بين جميع دول العالم.

وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ سياسة الهيمنة الأمريكيّة لا تمثّل حلّاً أمثلاً للتحدّيات الحضاريّة والعالميّة التي نواجهها، إذْ تعمل على فرض إرادتها وثقافتها وقيمها على الدول الأخرى. وهذا يؤدّي إلى تأجيج التوتّرات والصراعات، وهو ممّا يعمّق الفوارق الثقافيّة والعرقيّة والدينيّة. وللتغلب على سياسة القطب الواحد، يجب توسيع دائرة الشراكة والتعاون بين جميع دول العالم في إطار حواريّ ومتوازن.