لماذا لم يدخل الامام المهديّ لنصرة غزة؟

السؤال: أطفال غزة يموتون بتكالب الطغاة عليهم وإمام زمانهم الغائب الثاني عشر الذي عالم التكوين بيده، خائف على نفسه من القتل، مختبئ وهو يرى كل ذرّة غبار ينهدم بنيانها على أهلها!! ثم سيأتي نُفاة القياس ليقيسوا المهدي على الله!!! يرفضون القياس في الفروع ليقبلوا في الأصول القياس على الله!!! تخدير لأنفسهم؛ المقاومون غضبوا لله وإمام الزمان الموجود مختبئ يخاف على نفسه القتل والمشكلة أنه يعلم أنه لن يموت إذا خرج؛ لأنه لا يموت إلا بعد إرهاصات لم تتحقق بعد؛ ولا يموت إلا باختياره ...

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا نظنّ أنّ الكاتب يدفعه الحرص على الدّماء التي سفكها الطغاة في غزّة، أو أنّه يُعبّر عن مشاعر صادقة على الطفولة البريئة التي تبطش بها أيادي الغدر بدون أدنى رحمة، ويبدو أنّ الذي يهمه في هذا المشهد هو امكانية توظيفه في تصفية خصومة عقائديّة مع من يعتقد بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإلا كيف لصاحب شعور نبيل وصادق ترك المعتدي الحقيقي ومَنْ يُعنيه ومَنْ يسكت على جرائمه ومِنْ ثَمّ يُوجّه كلّ اللوم إلى الإمام المهدي(عجّل الله فرجه)؟ فمَنْ يدفعه الشعور النّبيل لا يبحث عن تبريرات واهية ليصرف اللوم عن الجهة الحقيقية التي تستحق اللوم والإدانة.

فالإنسان الطبيعي الذي يقف أمام أيّ اعتداء إجراميّ ومِنْ أيّ جهة كانت هو أنْ يوجّه صوت الإدانة أولاً لمن يقوم بالفعل الإجرامي، ومنْ ثَمّ تأتي المرحلة الثانية وهي تحليل الأحداث بحسب المعطيات الموضوعية، وفي مرحلة الإدانة لا يحتاج الإنسان إلى أكثر من تحديد المعتدي والمعتدى عليه، ومن ثَمّ تحميل المعتدي مسؤولية كلّ ما يحصل من جرائم، أما في مرحلة التحليل والتقييم لمجريات الأحداث والعوامل المؤثرة فيها ليس هناك مانع أن يتبنى أيّ إنسان التحليل الذي يراه الأنسب والأقرب بشرط أنْ يكون مشفوعاً بالشّواهد والقرائن التي تدعم موقفه.

وإذا نظرنا للنصّ المكتوب لهذا المعترض نجده في بداية كلامه يوحي أنّه مؤمن بأنّ أهل غزّة هم الضحية وأنّ اسرائيل أو طغاة الارض كما عبّر هي المعتدية، إلا أنّه في مرحلة التحليل لما حدث نجده يتجاهل كلّ المعطيات الموضوعية ليذهب بعيداً جداً ليحمل مسؤولية ما يحصل لأهل غزّة إلى عدم تدخل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لنصرتهم، وهذا في الحقيقة تبرئة غير مباشرة للنظام العالمي وللدول العربية والإسلامية وجميع شعوب العالم التي بإمكانها أنْ توقف كل هذه المظالم ولم تُحرّك ساكناً، فإذا كانت الإنسانيّة عامة والدول العربيّة والإسلاميّة خاصّة قادرة على ردع الصّهاينة فلماذا نبحث عن غيرها لنوجه له اللوم؟

فكل المعطيات الموضوعيّة تؤكد على أنّ المُدان أولاً هو الصهيونيّة العالمية بوصفها معتدية، وثانياً هم الدول والأنظمة العربيّة والإسلاميّة بوصفها قادرة على حماية أهل غزّة ولم تفعل، ولا علاقة لذلك من بعيد أو قريب بالله تعالى أو الإمام المهدي (عليه السلام).

ومن حقّنا أن نسأل صاحب هذا الكلام إنْ كان مؤمناً بوجود الإمام المهدي أو غير مؤمن بوجوده؟ فإنْ كان منكراً لوجوده فلماذا يبحث عن دوره وهو غير موجود؟ وإذا سلّمنا معه على عدم وجوده فإلى إيّ جهة سيوجه صوت لومه ومَن يتحمّل المسؤولية في نظره؟ هل سيحيلنا إلى اعتقادٍ جديد ورؤية خاصة تغنينا عن الإيمان بضرورة وجود الإمام المهدي؟

والذي يبدو لنا أنّه يمارس فقط دور الإنكار السلبي دون أنْ تكون له فلسفة خاصة أو رؤية دينية تجعلنا نستغني عن إيماننا بوجوده الشريف، وبالتالي لا يقدّم لنا من خلال هذا الكلام إلا توظيف رخيص لتلك الدماء البريئة من أجل أجندة إعتقادية تخصّه، فتلك البكائيّة التي يتظاهر بها على أطفال غزّة ليست في الواقع إلا تعريض بمن يؤمن بفكرة المهدوية.

إما إذا كان مؤمناً بوجوده فلماذا لا نراه فخوراً بما يفعله شيعة الإمام المهدي في مواجهتهم الشّرسة للصهيونية العالميّة؟ فالإيمان بوجوده الشريف هو الذي يرسّخ فكرة الجهاد والمقاومة ومناهضة كلّ الطواغيت، بل يمكننا أن نقول إنّ أكثر عقيدة يمكن أنْ تشكّل تهديداً حقيقيّاً للإستكبار العالمي هي فكرة وجود إمام سيتحقق النصر النهائي على يديه؛ لأنّ ذلك يولّد الأمل دائماً في نفوس المجاهدين والمناهضين للهيمنة والإستكبار العالمي، ومن هنا فإننا نُسيئُ الظنّ دائماً في كلّ الأفكار التي تشكّك في الإمام المهدي أو تشكك في المرجعيّات الدينيّة التي تمثّل إمتداداً له؛ والسبب في ذلك أنّ مثل هذه الأفكار تخدم بالأساس الإستكبار العالمي بوصفه قَدَراً لابدّ من الإستسلام له، ولذا نرى أنّ البديل الوحيد الذي تتبناه الإتجاهات المناهضة للفكر الشيعي والمهدوي هو التطبيع والإنخراط في الإتجاه الذي تحدّده لنا الصهيونيّة العالميّة.

والأمر الذي يتعمّد هذا المعترض تجاهله هو أنّ الإعتقاد بوجود المهدي (عجّل الله فرجه) قائم على كونه ممثل لأمر الله تعالى وإرادته في الأرض، وبالتالي الإعتقاد بوجوده الشريف يتفرع من الإعتقاد بوجود الله تعالى، كما هو الحال في الإعتقاد بالنبوة، فكما أنّ النبيّ هو ممثلٌ لأمر الله وإرادته كذلك الإمام المهدي، وعليه لا يمكن أنْ يقوم بأيّ فعل أو يتحرك أيّ تحرك إلا بأمر الله وإذنه، ومن هنا كل تشكيك في وجوده بسبب عدم تدخله في الأحداث التي نتصور أنّها مهمّة هو في الواقع تشكيك في وجود الله تعالى قبل أن يكون تشكيكاً في الإمام المهدي، وهو الأمر الذي حاول صاحبنا الإلتفاف عليه بكونه نوعٌ من القياس الذي لا يجوز في الدّين، ونحن هنا لا نرى أنفسنا ملزَمين بأنْ نقدّم شرحاً مفصّلاً لمعنى القياس الذي هو جاهل بمعانيه، ويكفينا أنْ نقول إنّ إرادة الإمام المهدي ليست مستقلة عن إرادة الله تعالى، وإنّما هي في طول إرادته تعالى وليست في عرضها، ولذا إذا صحّ ما قاله في الإمام المهديّ فإنه يصحّ بالضرورة أنْ يُقال في حق الله تعالى، وإذا كان هذا باطل بالضرورة في حقّ الله تعالى فهو باطل بنفس الضرورة في حق الإمام المهدي، وليس في الأمر قياسٌ بالمرة لا من بعيد ولا من قريب، وإنما هي إرادة واحدة وهي إرادة الله والإمام المهدي ليس له إرادة مستقلة عن إرادته تعالى.

وقد ناقشنا في أجوبة سابقة إعتراضات من قبيل: لماذا لم يتدخل الله في رفع الظّلم عن المظلومين؟ ولماذا ترك الله المفسدين ليُفسدوا في الأرض؟ ولماذا لم يمنع الزّلازل والكوارث التي تُلحق الضّرر بالأطفال والعجزة والضعفاء؟ والإجابة هنا هي ذاتها الإجابة إذا وُجّهت ذات الأسئلة في حقّ الإمام المهدي (عليه السلام).

أمّا عبارات مثل قوله: (خائف على نفسه من القتل مختبئ) أو (المقاومون غضبوا لله، وإمام الزمان الموجود مختبئ يخاف على نفسه القتل)، فهي عبارات لا تتحرّى الموضوعيّة في النقاش وإنّما تريد فرصةً لإظهار حقدها على إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) ولذا نحن لن ننساق مع هذا الإسفاف في التفكير، وإذا أردنا أنْ نجاري منطقه كان بالإمكان أنْ نقول له: إنْ كان المقاومون غضبوا لله فلماذا لم يغضب الله لهم فيُهلك لهم عدوهم؟ وإذا لم يكن من واجب الله أنْ يغضب لغضبهم فلماذا واجب على الإمام المهدي أن يغضب على أمر لم يغضب الله له؟