ما الاجتهاد وما حكمه في الإسلام؟

أخبرني بعض الأصدقاء أنّ الاجتهاد لا يسمح به الله، وأخبرني آخرون أنّها الطريقة الوحيدة لمعرفة ديننا واكتساب العلم، ما هو الاجتهاد بالضبط؟ ومن يجب عليّ تصديقه فعلا؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

اعلم أخي السائل الكريم أنّ الاجتهاد في اللغة يعني بذل الجهد واستنفاذ الوسع في طلب أمرٍ ما والسعي لتحقيقه أو فهمه أيّاً كان هذا الأمر، وبذلك يتعدّى مفهوم الاجتهاد - من حيث اللّغة - المعنى الاصطلاحي المقصود إسلاميّاً، وقد مرّ مصطلح الاجتهاد في الدائرة الإسلاميّة بتعاريف مختلفة، إذْ كانت الدلالة الأولى للاجتهاد تعني استخدام الرأي والظنّ الشخصيّ في تفسير القرآن أو معرفة الأحكام الشرعيّة، وقد حرّم الإسلام هذا النوع من الاجتهاد، وهناك نصوص متعدّدة في ما يخصّ تفسير القرآن بالرأي، فقد روى أبو النضر محمّد بن مسعود العياشيّ بإسناده عن الإمام ابي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: "مَنْ فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه، وفي رواية أخرى: وإن أخطأ فهو أبعد من السماء" (مقدّمة تفسير العياشيّ، ج1، ص 17، رقم2 و4.). وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي حرّمت تفسير القرآن بالرأي، وأمّا في ما يخصّ الاحكام الشرعيّة فقد تكوّنت مدارس فقهيّة وظّفت الاجتهاد لفتح الطريق أمام العمل بالرأي، وقد اعتمدت هذه المدارس على مجموعة من الأصول الظنّيّة مثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسدّ الذرائع وغير ذلك من الأصول التي تجعل عقليّة الفقيه هي الحاكمة على أحكام الله، وقد وقف أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في وجه هذا النوع من الاجتهاد وحرّموا على شيعتهم العمل بمثل هذه الأصول، فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: "من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادَّ الله حيث أحلَّ، وحرَّم فيما لا يعلم" (وسائل الشيعة ج ۲۷ ص ٤۱ ـ ٤۲)، والنصوص التي حرّمت القياس والاستحسان وغيرها من الأصول الظنّيّة كثيرة جداً، أمّا الاجتهاد المعتمد والمعمول به في مدرسة أهل البيت فيعني استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيليّة، ويشترط في هذا النوع من الاجتهاد الاعتماد على الأصول المنضبطة منهجيّاً وعلميّاً بحيث تخرج رأي الفقيه عن الرأي الشخصيّ، أمّا الأصول التي لا تفيد غير الظنّ فلا يجوز الركون إليها إلّا إذا قام الدليل الشرعيّ على حجّيّتها، فالأمارات الشرعيّة والأصول الاجتهاديّة مثل البراءة الشرعيّة والاستصحاب فقد قامت الأدلّة الشرعيّة على اعتبارها وإنزالها منزلة العلم، وهناك نقاش مفصّل في كتب الأصول يمكن الرجوع إليه، وعليه فإنّ الضابط في الاجتهاد هو أن يكون قائماً على البحث عن الحكم الشرعيّ في الكتاب والسنّة مستعيناً بالمناهج التي توجب أمّا القطع بحكم الله وإمّا الظنّ المعتمد شرعاً كما دلّت عليه النصوص.

والروايات الشريفة التي تدلّ على ذلك كثيرة منها ما رواه الحرّ العامليّ في الوسائل (ج18/ص41), عن أبي عبد الله عليه السلام قال : "إنّما علينا أن نلقيَ إليكم الأصول وعليكم أنْ تفرّعوا"، ونقل أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام قال : "علينا إلقاءُ الأصول وعليكم التفريع" وعلق الحرّ العامليّ على هذين الخبرين بقوله: هذان الخبران تضمّنا جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم والقواعد الكليّة المأخوذة عنهم عليهم السلام لا على غيرها.

وعلق عليها السبحانيّ في كتاب تهذيب الأصول (ج3/ص167) بقوله: "فإنّ التفريع الذي هو استخراجُ الفروع عن الأصول الكلّيّة الملقاة وتطبيقها على مواردها وصغرياتها، إنّما هو شأن المجتهد ، وما هو نفسه إلّا الاجتهاد، نعم التفريع والاستخراج يتفاوت صعوبة كما يتفاوت نطاقهُ حسب مرور الزمان، فإذا قال (ع) لا تنقض اليقين بالشكّ أو روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا ضررَ ولا ضرار، كان على المخاطبين وعلى علماء الأعصار المتأخّرة، استفراغ الوسع، في تشخيصِ صغرياته وما يصلح أن يكون مصداقاً له أو لا يصلح، فهذا ما نسمّيه الاجتهاد".

وفي المحصلة الاجتهاد بمعنى العمل بالرأي حرام شرعاً، أمّا الاجتهاد القائم على استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيليّة كما بيّنه أعلام الطائفة المحقّة في كتبهم الأصوليّة والفقهيّة فلا مناص دونه.