هل يمكن للسَّحَرَةِ أو الشياطينِ إنزالُ المطرِ أو مَنعُه..؟!.

السؤال: هل هناك سَحَرَةٌ أو شياطين يقدرون على إنزال المطر، أو منعه بواسطة السحر، أو غيره؟ أم -فقط- الله وحده الذي يأتي به، ويمنعه، ولا يوجد شيء آخر غيره يقدر؟.

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم .. الأخ السائل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فإنّ جميع الأدلّة العقليّة والنقلية متّفقة على أنّ إنزال المطر أو منعه إنّما هو بيد الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن للشياطين أو السَّحَرَةِ التحكّمُ في ذلك، وَهَاكَ بعضاً من هذه الأدلّة:

1- الأدلّة العقلية:

فمن الواضح لمن تفكّر في الآيات الكونيّة وتدبّرها أنّ الكون وما فيه مصنوع بمنتهى الإتقان والإحكام، قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}[النمل: 88]، ومن جملة ذلك الإتقان كون الخلق والرزق وإنزال كلّ شيء من السماء إلى الأرض إنّما يتمّ وفق نظام دقيق ومقادير مضبوطة لا تخرج عن حدّ الحكمة والعلم والتدبير الربّاني الدقيق لشؤون خلقه، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]، وقال أيضاً: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}[الحجر:21]، والمطر بوصفه شيئاً من تلك الأشياء، لا بدّ من خضوعه لذلك التقدير الإلهيّ الدقيق؛ لذا قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون:18]، وعليه فلو كان إنزاله أو منعه مقدوراً للسَّحَرَة أو الشياطين لترتّب على ذلك الكثير من التوالي واللوازم الفاسدة التي يصلح كلّ واحد منها دليلاً عقليّاً مستقلاً يدلّ على استحالة قدرتهم، ونحن سنذكر لك ثلاثة منها فقط:

اللازم الأوّل: اضطراب النظام الكونيّ وفساده على أيدي السَّحَرَة والشياطين ؛ وذلك لعدم حكمتهم، ولجهلهم التامّ بتلك المقادير التي تحفظ التوازن الكونيّ، واستقرار النظام البيئيّ، وهذا أمر في غاية الوضوح ؛ ولاسيّما أنّ السَّحَرَة والشياطين لا يتّبعون إلّا أهواءهم النفسيّة، وقد قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ.. الآية}[المؤمنين:71].

اللازم الثاني: لا شكّ في أنّ حياة الكائنات الحيّة من النبات والحيوان والإنسان مرتبطة بالماء ومتوقفّة عليه، وأنّ كثيراً من تلك الكائنات - إن لم يكن أكثرها - لا سبيل له إلى حفظ حياته وتحصيل رزقه إلّا عن طريق المطر، فلو كان بمقدور السحرة والشياطين التحكّم فيه للزم تحكّمهم بحياة تلك الكائنات وأرزاقهم، وحينئذٍ إمّا أن يكونوا مستقلّين عن الله تعالى في ذلك فيلزم تعدّد الآلهة والأرباب المدبّرين لهذا الكون، وهو محال. وإمّا غير مستقلّين، بل كان ذلك بقدرةٍ من الله لهم، لزم على إثرها أن يكون الله قد أغرى الإنسان بالشرك وعبادة الشياطين والسحرة، فيكون الله تعالى قد نقض غرضه وحكمته التي قال عنها: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، خصوصاً أنّ الإنسان قد عَبَدَ أصناماً لا تضرّ ولا تنفع ؛ لاعتقاده الواهم بتأثيرها في حياته ورزقه، فكيف به إذا وجد من يضرّ وينفع فعلاً غير الله تعالى..؟!.

اللازم الثالث: أنّ نزول المطر لا يكون إلّا لحكمة إلهيّة، فقد يكون نعمة ربّانية يُكافئ الله بها الإنسان جرّاء صلاحه، قال تعالى:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}[نوح:10-11]، وقد يكون نزوله نقمةً وعذابَ هلاكٍ واستئصالٍ كما في قوم نوح "عليه السلام"، قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ... الآيات}[القمر:9-11]. وهكذا الحال منع المطر فإنّه هو الآخر لا يكون إلّا لحكمة أيضاً، إذْ يُعَدُّ أحد أهمّ الوسائل التربويّة التي يستصلح الله بها عباده ويؤدّبهم ؛ ليعودوا إلى رُشدهم، ففي صحيحة أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ "عليه السلام" قَالَ: ((سَمِعْتُه يَقُولُ: إِنَّه مَا مِنْ سَنَةٍ أَقَلَّ مَطَراً مِنْ سَنَةٍ، ولَكِنَّ اللَّه يَضَعُه حَيْثُ يَشَاءُ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِذَا عَمِلَ قَوْمٌ بِالْمَعَاصِي صَرَفَ عَنْهُمْ مَا كَانَ قَدَّرَ لَهُمْ مِنَ الْمَطَرِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ وإِلَى الْفَيَافِي والْبِحَارِ والْجِبَالِ، وإِنَّ اللَّه لَيُعَذِّبُ الْجُعَلَ فِي جُحْرِهَا بِحَبْسِ الْمَطَرِ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي هِيَ بِمَحَلِّهَا بِخَطَايَا مَنْ بِحَضْرَتِهَا وقَدْ جَعَلَ اللَّه لَهَا السَّبِيلَ فِي مَسْلَكٍ سِوَى مَحَلَّةِ أَهْلِ الْمَعَاصِي. قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ "عليه السلام": فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ))[الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ:ج2،ص272]، وعليه فلو أمكن للإنس أو الجنّ إنزال المطر لم يعدّ فضلٌ لله في مكافأة الصالحين، ولو أمكن للشياطين والسَّحَرَة منع المطر لكان الإنسان في مأمن من عقوبة التأديب ومن عذاب الاستئصال أيضاً..!.

2- الأدلّة النقليّة:

أوّلاً: دلالة الكتاب الكريم بوضوح في كثير من آياته الشريفة على انحصار إنزال المطر ومنعه بيد الله سبحانه، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}[الواقعة:68-69]، وقال أيضاً:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل:60]، وقال عزّ وجلّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[العنكبوت:63]، كما نهى عباده عن اتحاذ شركاء له في ذلك فقال عزّ من قائل:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22].

ثانياً: دلالة الأحاديث الشريفة على مثل ما دلّ عليه القرآن الكريم، ففي تفسير قوله تعالى: {ِإنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[لقمان:34] قال الإمام الصادق "عليه السلام": ((هذه الخمسة أشياء لم يطَّلع عليها ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسلٌ ، وهي من صفات الله عزَّ وجلّ)) [تفسير القمّيّ:ج2،ص167]، ووجه الاستشهاد بهذا الحديث هنا هو ما أفاده بعض علماء التفسير من أنّ المراد بقوله تعالى: {وينزّل الغيث} هو القدرة على إنزال الغيث وأنّها تختص به تعالى؛ لأنّ أسبابه التكوينيّة منحصرة بيده عزّ وجلّ [انظر التفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية: ج6،ص174، وتفسير جامع البيان للطبريّ:ج21،ص104]،ومن الطبيعيّ أنّ مَن لا يعلم كيفيّة إنزال الغيث لا يمكنه تنزيله.

بقي لدينا تنبيهان مهمّان لا بُدَّ منهما في هذا الصدد:

التنبيه الأوّل: يتعلّق بما يسمّى بالمطر الاصطناعيّ، وهو عبارة عن: " تلقيح السحاب بأملاح معدنيّة كالصوديوم، المغنيسيوم، وكلوريد الكالسيوم، أو مواد كيميائيّة مثل مادّة يوديد الفضّة، للتأثير على تكوّن المطر في الغيوم ؛ لأنّ كلّ قطرة مطر تحتاج حتّى تتشكّل إلى نواة يتجمّع حولها بخار الماء ؛ لذا يقوم العلماء بالاستعاضة عن ذرّات الغبار بهذه الأملاح والمواد الكيميائيّة. لكنّ الأمطار الاصطناعيّة غالباً ما تكون سامّة، إذْ تتكّون من المخلّفات الكيميائيّة من المحطّات النوويّة وهو ممّا يهدّد الحياة على الكوكب بكوارث بيئيّة خطيرة شَبَّهها المختصّون بكارثة تشرنوبل" مضافاً إلى فشل أغلب التجارب المذكورة، ناهيك عن أنّ العمليّة مجرّد تحكّم في السحب والغيوم التي أنشأها وأوجدها الله تعالى، فهي استنزال للمطر من الغيوم وليس خلقاً وإيجاداً له..!. [انظر التفسير الكاشف لمغنية: ج6،ص174 ، وكذا مقالة الباحث إيميل أمين على الرابط: https://2u.pw/O8vQxTJX ].

التنبيه الثاني: ينبغي التفرقة بين المعجزة والكرامة من جهة، والسحر والشيطنة من جهة أخرى، فقد يُجري الله تعالى بعض أنواع الخلق والرّزق على أيدي أنبيائه أو الأئمّة المعصومين "عليهم جميعاً آلاف التحيّة والسلام"، إلّا أنّ الفرق واضح فإنّ جريان المعاجز على أيدي الأنبياء "عليهم السلام" وكذا الكرامات بالنسبة للأولياء إنّما يندرج تحت سلطنة الله وقدرته فيرجع في النتيجة إلى مقتضى إرادته وحكمته تبارك وتعالى؛ إذْ يتوقّف التصديق بالنبوّات على المعجزة، كما تتوقّف هداية الخلق على بعض الكرامات للأئمّة والأولياء "عليهم السلام"، بخلاف ما لو جرى الخلق أو الرزق على أيدي السحرة والشياطين فإنّهم لا يدعون إلى الله بل إلى كلّ فساد وشرّ وفاحشة كما يشهد بذلك واقع الحال على مرّ التاريخ البشريّ، قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ... الآية}[البقرة:268]، وقال أيضاً: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102].

وفي المحصّلة: أنّ إنزال المطر يندرج تحت عنوان التوحيد في الربوبية كواحد من موضوعاته ومجالاته. وهو يحتاج إلى مقدّماتٍ وسلطنة على عدّة أشياء كونيّة كالتحكّم بدرجة الحرارة وجهة الرياح، وإلى إنشاء السحاب من المحيطات والبحار ثمَّ إمساكها في السماء وسوقها إلى مواضع الإنزال...إلخ، وكلّ ذلك ممّا لا قدرة للإنس أو الجنّ عليه وإلّا لاستغنوا عن الله عزّ وجلّ، ولشاركوه في سلطانه، تعالى ربُّنا عن ذلك علوّاً كبيراً..!. هذا ما يمكن تحريره في المقام.. ودمتم سالمين.