المصادر الروائيّة لأحداث واقعة الطفّ الأليمة..!.

السؤال: من هو الشخص الراوي لمعركة الطفّ في كربلاء ؟ وهل هو شخص واحد أو أكثر ؟

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ السائل الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، للإجابة عن سؤالكم نذكر ما يلي:

1- حرصاً منّا على تحقيق الفائدة المرجوّة من الموضوع ننصحكم بالرجوع إلى أحد أجوبة مركزنا حول مصادر الحادثة ورواتها وعلى الرابط التالي: اضغط هنا

إذْ ورد فيه ذكر كثير من المصادر التي نقلت لنا أحداث الواقعة وخصوصاً ما جاء في كتب علماء العامّة ، وما سنذكره لكم هنا يعـدُّ متمّماً لما هناك.

2- إنّ الطرق والمصادر الروائية لأحداث واقعة الطفّ الأليمة كثيرة، ويمكن تصنيفها على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما جاء عن أهل البيت "عليهم السلام" ، وله طريقان:

الطريق الأوّل: الروايات التي كان من الطبيعي جدّاً أن تخلو منها كتب الحديث كالكافي والفقيه ونحوه ؛ لأنّ هذه الكتب معدودة أساساً لحفظ روايات العقيدة والفقه والأخلاق ولم تُصَنَّف لذكر الحوادث التاريخيّة - إلّا ما ندر - ؛ ولذا كان بعض رواياتهم "عليهم السلام" حول الواقعة مسطوراً في كتب التاريخ، كرواية الطبريّ عن عمّار بن معاوية البجليّ الدهنيّ الكوفيّ أنّه قال للإمام الباقر "عليه السلام": (( حدّثني مقتلَ الحسين كأنّني حضرته..!، فأخذ أبو جعفر الباقر "عليه السلام" يسرد له الأحداث من بداية خروج الإمام "عليه السلام" إلى العراق بعد مراسلات بينه وبين مسلم بن عقيل "عليه السلام"، ثمّ لقائه بالحرّ بن يزيد الرياحيّ التميميّ، وصولاً إلى أحداث الواقعة في كربلاء، ثمّ سبي النساء برفقة الرؤوس الطاهرة إلى الكوفة فالشام، حتّى ختم كلامه برجوع السبايا إلى المدينة))[انظر تاريخ الطبريّ:ج4،ص292 ] ، وبعض تلك الروايات جاء في كُتب المقاتل، كخبر عقبة بن بشير الأسديّ قال: ((قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين[عليهم السلام]: إنّ لنا فيكم يا بني أسد دماً، قال: قلت: فما ذنبي أنا في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر، وما ذلك..؟ قال: أتى الحسين بصبيّ له فهو في حجره إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين دمه، فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض، ثمّ قال: ربِّ إن تَكُ حبستَ عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين))[مقتل أبي مخنف:ص172]، ونحو ذلك من الأخبار التي لا يسع المجال لاستقصائها. وبعض آخر من رواياتهم "عليهم السلام" ورد في كتب الزيارات مثل كتاب كامل الزيارات لابن قولويه القمّي فإنّ فيه الكثير منها.

نعم ربّما تضمّنت كتب الحديث على بعض الروايات التي تختصر الحوادث، كصحيحة الريّان بن شبيب عن الرضا "عليه السلام" في كيفيّة ذبح المولى أبي عبد الله الحسين "عليه السلام"[وسائل الشيعة:ج15،ص502] وموثّقة خالد بن سدير عن الصادق "عليه السلام" في حال الفاطميّات عند مقتله "عليه السلام" [التهذيب للشيخ الطوسيّ:ج8،ص325] وغير ذلك. وأيضاً جاء في هذه الكتب بعض روايات التابعين وفيها بعض تلك الحوادث، كخبر سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: ((لما قتل الحسين بن عليّ "صلوات الله عليهما" وَرَدَ نَعيُهَ إلى المدينة، ووَرد الأخبار بجزِّ رأسِه وحملِهِ إلى يزيد بن معاوية، وقتلِ ثمانيةَ عشر من أهل بيته، وثلاثٍ [وثلاثةٍ] وخمسين رجلاً من شيعته، وقتلِ عليٍّ ابنه بين يديه وهو طفل بِنَشّابَةٍ، وسبي ذراريه، أقيمت المآتم عند أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" في منزل أمّ سلمة "رضي الله عنها"، وفي دُور المهاجرين والأنصار. قال: فخرج عبد الله بن عمر بن الخطاب صارخاً من داره لاطماً وجهه شاقّاً جيبه يقول: يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والأنصار! يُستَحَلُّ هذا من رسول الله "صلّى الله عليه وآله" في أهله وذريته وأنتم أحياءٌ ترزقون ؟!...))[ انظر دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري:ص62 ، وبحار الأنوار:ج30،ص278].

الطريق الثاني: نصوص الزيارات الواردة عنهم "عليهم السلام" للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل وشهداء الواقعة "عليهم جميعاً آلاف التحية والسلام" ، وأنّي لأعجب كيف غفل الأعمّ الأغلب ممّن كتبوا في مصادر الواقعة عن مثل هذه الزيارات..!، فمثلاً في زيارة الناحية المقدّسة التي رواها السيّد ابن طاووس بسنده عن الشيخ الطوسيّ بسنده عن الإمام العسكريّ "عليه السلام" قد جاءت فيها تفاصيل دقيقة جداً لحوادث الواقعة وكيفيّة مصارع شهداء أهل البيت والأنصار بأسمائهم "عليهم السلام"، وأسماء قاتليهم...!، بل لعلّ مَن يطّلع على هذه الزيارة يجدها توثيقاً لأحداث الواقعة وسرداً مفصّلاً لأحداث يوم العاشر من المحرّم..!. [انظر إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس:ج3،ص73]، على أنّ هذه الزيارة هي غير زيارة الناحية المقدّسة المنسوبة للإمام المهديّ "عجّل الله تعالى فرجه الشريف" والتي ورد فيها أيضاً بعض التفاصيل الأخرى ولكن بشكل أقلَّ..!. هذا كلّه فضلاً عن تقريرهم "عليهم السلام" لما كان يتناقله المسلمون في عصورهم، وما كان يقوله الشعراء بحضرتهم، فلم ينكروا عليهم شيئاً من ذلك.

القسم الثاني: كتب المقاتل: فقد جاء في كتاب رجال النجاشيّ، وفهرست الشيخ الطوسيّ ذِكر طائفة من الشخصيّات التي ألّفت كتباً بعنوان: (مقتل الحسين "عليه السلام")، ونحن سنورد لك أسماء بعضاً منهم تجنّباً للإطالة وعليك بمراجعة الكتابين المذكورين عن الباقين، وكما يلي: ((الأصبغ بن نباتة المجاشعيّ من خواصّ أمير المؤمنين "عليه السلام" وأحد ثقاته، عَمّر طويلاً وتوفي سنة 100ه، وقيل بعدها، ويعتبر كتابه أقدم كتب المقاتل. جابر بن يزيد الجعفيّ من أصحاب الباقر والصادق "عليهما السلام" (ت سنة 128ه). أبو مخنف، لوط بن يحيى الأزديّ الكوفيّ(توفي سنة 157ه) وكتابه مقتل الحسين "عليه السلام" (مقتل أبي مخنف) هو من أشهر تلك المقاتل على الإطلاق حتّى اعتمد عليه المؤرّخون المتأخّرون عنه كالطبريّ بنقل بعض أحداث الواقعة. ابن السائب، هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ المؤرّخ الكبير وأشهر النسّابين العرب ومن أبرز العلماء في تاريخ العرب وأيّام معاركهم، وله عشرات الكتب منها كتاب المثالب الشهير، عاصر الإمامين الباقرين "عليهما السلام"، وكان الإمام الصادق "عليه السلام" يقرّبه إليه كثيراً. المؤرّخ المعروف نصر بن مزاحم المنقريّ العطّار مؤرّخ معارك أمير المؤمنين "عليه السلام" في ثلاثة كتب له: كتاب الجمل، وكتاب صفّين، وكتاب النهروان (قال الذهبيّ توفّي سنة 212هـ). المؤرّخ الشيعيّ والثقة الأمين أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفيّ مؤلّف كتاب الغارات وكتاب المغازي الشهيرين(ت283). محمّد بن زكريا بن دينار(توفي سنة 298 ه). أبو جعفر محمّد بن يحيى العطّار القمي شيخ أصحابنا ومن أعيان المذهب الثقات في القرن الثالث. عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلوديّ(توفي سنة 332 ه). محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعريّ القمّيّ الثقة المأمون صاحب الكتاب الشهير "نوادر الحكمة"، من مشايخ الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. محمّد بن عليّ بن الفضل من أعيان المذهب وثقاته وأصحاب التصانيف في القرن الرابع الهجريّ. عليّ بن محمّد المدائنيّ(توفي سنة225هـ) وعبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا (توفي سنة281ه) وكلاهما من مذهب أبناء العامّة. هذا، وقد كتب الشيخ الصدوق كتاباً بنفس العنوان ثمّ توالى العلماء من بعده كابراً بعد كابر بتدوين أحداث الواقعة كالشيخ المفيد في الإرشاد، والسيّد ابن طاووس في كتابه "اللّهوف في قتلى الطفوف" حتّى وصلت تلك الأحداث إلينا. وقد عرفت أنّ بعض هذه الشخصيّات هم من ثقات وخواصّ الأئمّة "عليهم السلام" ؛ لذا يترجّح بشكل كبير أن يكونوا قد أخذوا الكثير من أحداث الواقعة عنهم "عليهم السلام" أو سألوهم عنها ؛ إذْ لا يُعقل رواية الثقات الأجلّاء للأحداث جزافاً مع تمكّنهم من الرجوع إليهم (ع) للتحقّق من صحّتها، ولاسيَّما بعد ما عرفت من رواية الطبريّ المتقدّمة عن عمّار الدهنيّ.

القسم الثالث: كتب التاريخ والرواة المذكورين فيها من عوامّ الناس، ولعلّ من أبرزها كتاب الطبقات الكبرى لأبن سعد المتوفّى سنة(230 هـ) ، كتاب أنساب الأشراف للبلاذريّ المتوفّى سنة (279ه) ، الأخبار الطوال لابن قتيبة الدينوريّ المتوفّى سنة (282هـ)، وتاريخ الطبريّ المتوفّى سنة (310ه)، وكتاب الفتوح لأبن أعثم الكوفيّ المتوفّى بعد سنة (320 هـ)، ثمَّ كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهانيّ المتوفّى سنة(356ه) وغيرها من مصادر التاريخ، وكان رواة تلك الأحداث على أصناف، فصنف منهم شهد الواقعة في ضمن معسكر الحسين "عليه السلام" لكنّه نجى من القتل، مثل المُرَقّع بن ثمامة الأسديّ والضحاك بن عبد الله المشرقيّ وعقبة بن سمعان مولى السيّدة الرباب "عليها السلام" الذي روى عنه الطبريّ بعض أحداث الواقعة[انظر تاريخ الطبريّ:ج4،ص260 وما بعدها إلى ص454]. وصنف آخر كان قد اعتزل المعركة فوثّق بعض أحداثها كحميد بن مسلم وعبد الله بن عمّار بن يغوث البارقي وهو الذي يقول في وصف الحسين "عليه السلام": ((فلقد رأيته وهو يحمل على من في يمينه فيطردهم، وعلى من في شماله فيطردهم وعليه قميص خزّ وهو معتمّ، فوالله، ما رأيت مكثوراً قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا منه، ولا أمضى جناناً ، ولا أجرأ مقدماً. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إنْ كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب..!)) [انظر تجارب الأمم لابن مسكويه الرازي:ج2،ص80 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي:ج3،ص163، البداية والنهاية لابن كثير:ج8،ص204]، ومنهم من كان في معسكر عمر بن سعد مثل حرملة بن كاهل الأسديّ وزيد بن الرقّاد والمهاجر بن أوس، وسعد بن عبيدة الذي نقل عنه الطبري بعض أحداث الواقعة[انظر تاريخ الطبري:ج4،ص295]، هذا غيض من فيض وقليل من كثير. وأخيراً فمن مجموع ما ذكرناه يظهر لك مدى سفاهة بعض العلمانيّين في مقالته التي نُشِرَت على موقع الحوار المتمدّن لَـمّا ادّعى فيها عدم وجود أي مصدر للواقعة عند جميع المسلمين عدا تاريخ الطبريّ!.. هذا..، ودمتم سالمين.