هل المشكلة مع إسرائيل دينية أم قومية؟
سؤال: هل مشكلتنا مع إسرائيل دينية ام قومية؟ فإذا كانت قومية فلماذا لا نعترف بهم خصوصاً أنّ أصحاب الأرض الأصليين يفضلون السلام معهم.
الجواب:
المشكلةُ مع إسرائيل ليست محصورةً على العرب والمسلمين وإنما تتسعُ لتشمل جميعَ الأحرار في العالم ومن جميع الطوائف والأديان، فالكثير من شعوب أمريكا اللاتينية والكثير من منظماتِ المجتمع المدني في الدول الغربية مضافاً إلى مجموعةٍ مقدّرةٍ من المفكرين والمثقفين الغربيين جميعهم مناهضينَ للحركة الصهيونية الاستيطانية، وعليه ليست المشكلة مع إسرائيل دينيةً ولا قوميةً وإنما مشكلة محتلٍّ لأراضي الغير.
يقول المؤرّخُ والأكاديمي الإسرائيلي المناهض للصهيونية (آفي شلايم) بأنّ اليهود عاشوا في انسجام مع المجتمعات العربية ولم يتعرضوا للنفي والتهجير، وأنّ معاداة السامية تعدّ ظاهرة أوروبية بحتة بخلاف ما تروّج له الرواية الرسمية الصهيونية. فما يقارب 850 ألف يهودي غادروا البلدان العربية بعد عام 1948، لكنهم لم يكونوا لاجئين ولم يتعرضوا للنفي والتهجير كما جرى للفلسطينيين الذين كانوا لاجئين بعد أن طردتهم إسرائيل من وطنهم.
فلابدّ من التفريق بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كحركة عنصرية استعمارية، فالكثير من اليهود معارضٌ لهذه الحركة الاستيطانية، فقد جاء في دراسة تحت عنوان (يهود ضد الصهيونية) أنّ الحركة الصهيونية راكمت الكثير من الانتقادات والمواقف المعارضة من داخل الصف اليهودي نفسه، الأصولي منه قبل اليساري أو العلماني، فانطلق النقد العلماني من ضرورة اندماج الأقليات اليهودية مع مجتمعاتها، واعتبار الصهيونيةِ ردّة حضارية لا تعالج مشكلة الغيتوهات اليهودية وإنما تزيدها بخلق غيتو كبير باسم دولة (الغيتوهات هي أحياء في مدن أوروبية تمّ حصر اليهود فيها ووضعهم تحت قوانين وقيود صارمة).
كما تعرضت الصهيونية إلى انتقادات أصولية دينية من قبل الكثير من الحاخامات، فكتب الحاخام (موشيه هيرش) في مقال له عام 1978 بالواشنطن بوست أنّ "الصهيونية على نقيض تام مع اليهودية… إنها تريد تعريف الشعب اليهودي بأنه وحدة قومية، وهذا هو الكفر نفسه… وهم حين يفعلون ذلك عليهم أن يتحمَّلوا كلّ العواقب.
تلك الرؤية التي رأت في الحركة الصهيونية كفراً وانحرافاً عن موروث الآباء نجدها في تصريح حاخام آخر هو (إلمر برجر) الرئيس الأسبق للمجلس الأميركي اليهودي، حين أعلن عام 1968 في جامعة "ليدن" الأميركية أنّ "أرض صهيون ليست مقدسة إلا إذا سيطرت عليها شريعة الرب"، وقال: "لا يمكن لأي إنسان أن يقبل الادعاء بأنّ إنشاء دولة إسرائيل الحالية كان تحقيقاً للنبوءة..
بل إنّ الأمر تعدَّى منزلة الحاخامات وكُتَّاب الرأي، إذ أبدى السير (إيدون مونتاجو) - الوزير اليهودي بحكومة بريطانيا إبانَ صدور وعد بلفور - معارضتهُ الشديدة للصهيونية ووصفها بأنها توجُّه شرير، وعقيدة سياسية مُضلِّلة لا يمكن لأيّ مواطن محبٍّ لوطنه الدفاع عنها، وأنّ عودة اليهود من المنفى - حسب اعتقاده - يجب أن تتمّ بإرادة إلهية وليس بإرادة الصهاينة، بل واقترح حرمان كلّ صهيوني حق التصويت داخل المملكة المتحدة، وأكَّد أنّ وعد بلفور يُسيء لليهود؛ إذ يحرمهم من حقوقهم بوصفهم مواطنينَ في البلدان التي ينتمون إليها.
في سياقٍ متصل، يذكرُ الباحث (جدع جلادي)، وهو مفكّرٌ يهودي عربي، أنّ هذا الرفض اليهودي للصهيونية كان على النسق نفسه في كثير من المؤسسات اليهودية العربية وعلى لسان الكثير من مشاهيرهم، ويُرجعُ ذلك إلى عدة أسباب - بخلاف النقد العقدي وعقيدة الماشيح - منها تمتُّع اليهود بجوّ من التسامح الديني بوصفهم أهلَ ذمة في رحاب العالم الإسلامي، فلم يعانوا الاضطهادَ والعنصرية مثل يهود أوروبا، بل كانوا يشعرون أنهم مواطنونَ من الدرجة الأولى في أوطانهم العربية.
ومن مظاهر هذا الرفض أن تأسست الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية بمصر عام 1946، مُعلنةً عن مبادئها التي تلخَّصت في مبدأين محوريين هما؛ الكفاح ضد الصهيونية التي تتعارضُ مع مصالح كلٍّ من اليهود والعرب، وتعزيز الربط الوثيق بين يهود مصر والشعب المصري في الكفاح ضد الاستعمار.
بدوره، أعلن المؤرخ الإسرائيلي (زئيف هرتزوج) أنّ الأساطير التوراتية التي يتذرَّع بها الصهاينة لإثبات الحق التاريخي في أرض فلسطين إنما هي دعوى زائفةٌ لا برهان تاريخي عليها، الأمر الذي وافقهُ المؤرّخُ والمحاضر بكلية الدراسات الشرقية بجامعة لندن (شلومو ساند) مؤلف كتاب "اختراع الشعب اليهودي" الذي نصّ فيه على أنّ الطرد الروماني لليهود لم يحدث من الأصل حتى يعودوا إلى فلسطين، وهو ما تؤكّدهُ -بالفعل- حيرة الحركة الصهيونية في بدايتها حول الوطن المنشود للهجرة، فكانت الأرجنتين وموزمبيق والكونغو وقبرص وجنوب أفريقيا - بجانب فلسطين - كلها اقتراحات، مطروحة للمفاضلة.
اترك تعليق