هل نعرف الحق بالرجال؟
سؤال: كيف نردّ على من يشكك برجال الدين ويعتبرهم مجرد دعاة للطم والزيارات والبكاء بدون تطبيق للأحكام الدين.؟ الا يعتبر ذلك تشكيك بالدين حيث يعرف الحق برجاله!. اذن يعرف الدين برجاله وعند تسقيطهم من اين نأخذ تعاليم الفقه والعقائد؟ ان كان بالرجوع للقران فهو لا يفسره الا الراسخون بالعلم؟؟
الجواب:
أولاً: مصطلحُ رجال الدين يحتاجُ إلى مزيدٍ من التحقيق والتأمل، فهو مصطلحٌ يوناني قديم سابق حتى لبعثة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)، ولم يروِ لنا التاريخ أنّ رسول الله أو الائمة أو الرعيلَ الأول من المسلمين استخدموا هذا المصطلح، فالمضمونُ الدلاليّ لهذه التسمية يقوم في الأساس على وجود طبقة لها نفوذ دون سواها تسمى (برجال الدين)، حيث تنصبُ هذه الطبقة نفسها كوسيط بين الله تعالى وبين عباده، فيكون لطبقة رجالِ الدين الحكم في شئون الناس باسم السّماء أو باسم الرّبّ، حتى يبلغوا مرحلة النيابة عن الله سبحانه ويعطون حقّ التحريم والتحليل، وهذا ما نهى عنه الإسلام وحرمه، يقول تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وعلى ذلك لا يعدّ مصطلح رجال الدين مصطلحاً إسلامياً، وإنما هو مصطلحٌ غربي تمّ إدخالهُ في الإسلام من دون وعي أو بصيرة.
أمّا المصطلح الإسلامي الذي يقابلُ ذلك فهو مصطلح العلماء (العالمين بأحكامه)، وهذا أمرٌ متاح للجميع وليس حكراً على جماعة بعينها، بل الواجبُ على كلّ مسلم طلب العلم والتفقهُ في الدين، والنصوصُ في هذا الشأن أكثر من أن تحصى.
والمفارقةُ الأخرى أنّ رجل الدين في الملل الأخرى له هالةٌ من القدسية تمنعُ من مخالفتهِ والاعتراضِ عليه، بينما علماء الإسلام مع أنّ لهم قدراً من الهيبة والاحترام إلا أنّ الخطأ أمرٌ متوقع منهم، ولذا يجوز الاعتراض عليهم وتصحيحهم بالدليل والبرهان.
ثانياً: الحقّ لا يعرف بالرجال، بل معرفة الحقّ هي التي تقودُ إلى معرفة رجاله، فمعيار الحقّ في الإسلام هو الدليل والبرهان، فما يوافقُ الدليل هو الحقّ من غير الالتفات إلى القائل أو الاعتناءِ بكثرة المقبلين عليه، فالحق لا يوزنُ بالرجال، وإنما يوزنُ الرجال بالحق، ومجردُ نفور النافرين، أو محبة الموافقين لا يدلّ على صحّةِ قولٍ أو فساده، فكلّ قول يحتجُّ له ما خلا قول المعصومين. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ دِينَ اللّه ِ لا يُعرَفُ بالرِّجالِ بَلْ بآيَةِ الحقِّ، فاعْرِفِ الحقَّ تَعْرِفْ أهلَهُ". وقال عليه السلام: "لَمّا أتاهُ الحارِثُ بنُ حَوطٍ فقالَ: أ تَراني: يا حارِثُ، إنّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَم تَنْظُرْ فَوقَكَ فَحِرْتَ، إنّكَ لَم تَعْرِفِ الحقَّ فتَعْرفَ مَن أتاهُ، ولَم تَعْرِفِ الباطِلَ فتَعْرِفَ مَن أتاهُ"
ثالثاً: ما انجزهُ علماء الإسلام منذ بزوغ فجر الإسلام وإلى اليوم أكثر من أن يحصى أو يُعد، فالتاريخ الإسلامي ذاخرٌ بعلماء الإسلام الذين كان لهم قصبُ السّبق في الكثير من العلوم والمعارف التي خدمت البشرية، وقد كان لجهودهم وإسهاماتهم الدورُ الكبير في نهضة العلوم والثقافة في الكثير من الحواضر التاريخية، فمضافاً إلى الفقه والتفسير وعلوم الحديث كان لهم إسهاماتٌ في مجالاتٍ مختلفة مثل الرياضيات والفلسفة والطب والكيمياء وغيرها، وعليه لا يمكن إهمالُ دورهم في تاريخ العلم والثقافة البشرية.
رابعاً: لا يمكن فكُّ الارتباط بين شيعة أهل البيت عليهم السلام وبين العلماء والفقهاء، وهذا ما تعارفَ عليه الشيعة منذ غيبة الإمام الحجة (عج)، حيث ارتبط الشيعةُ بالفقهاء كضمانٍ لاستمرار مسيرة الإسلام بعد غيبة الإمام، ولذا كان الفقهاء ومراجع التقليد يتمتعون بمنزلة عالية ودرجة رفيعة وسط المجتمعاتِ الشيعية، وسيادة الفقيه عند الشيعة إنما هي تابعة لسيادة الدين، فلا يتقدمُ لهذا المنصب إلا أكثرهم علماً وورعاً وزهداً، فقد جاء في وصية الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لشيعته في عصر الغيبة: (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه).
خامساً: يقوم علماء الدين بأدوار عديدة منها الوعظ والإرشاد وبيان الاحكام الشرعية وتوجيه المجتمع دينياً واخلاقياً، ومن بين وظائفهم المهمة هي ربط شيعة أهل البيت بتاريخ الائمة عليهم السلام، وعليه فلا يعابُ عليهم دعوة الناس إلى زيارة مقاماتهم وإقامة مجالس العزاء في تاريخ استشهادهم، وهذا ما أكد عليه أئمة اهل البيت عليهم السلام في كثير من النصوص والاخبار، أمّا القول إنّ ذلك يتم من غير تطبيق للأحكام فهو مجرّدُ ادعاء لا دليل عليه، وإن صحّ ذلك فلن تجد من يدافع عمن يدعو للعلم ولا يعمل به.
وفي المحصّلة: يجب عدم الالتفات إلى بعض التشكيكات الساذجة التي تسعى لأحداث شرخ وحاجز نفسي بين المسلمين وبين علمائهم الأخيار.
اترك تعليق