هَلِ السُّلْطَةُ الرُّوْحِيَّةُ للدِّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَةَ سَلْبِيَّةً؟
هُنَالِكَ مَنْ يَقُوْلُ: إِنَّ لِلدِّيْنِ سُلْطَةً وَقُوَّةً سِحْرِيَّةً، وَإِنَّ البَعْضَ يَسْتَغِلُّ هَذِهِ السُّلْطَةَ لِلْحُصُوْلِ عَلَى مَا يُرِيْدُ. مَثَلَاً فِي الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ الأمريكيّةِ، وَفِي عَامِ 2006م بِتَارِيْخِ 21 شُبَاطَ صَدَرَ حُكْمٌ بِاسْتِثْنَاءِ أَعْضَاءِ الكَنِيْسَةِ فِي نِيُو مِكْسِيْكُو مِنْ قَانُوْنٍ يَمْنَعُ تَنَاوُلَ عَقَارِ الهَلْوَسَةِ، وَهَذَا القَانُوْنُ يَسْرِي عَلَى الجَمِيْعِ، لَكِنَّ أَعْضَاءَ هَيْئَةِ آسبريتا بييفسيْنته أونياو دو فيجيتال يَعْتَقِدُوْنَ بِأَنَّهُمْ يَتَوَاصَلُوْنَ مَعَ اللهِ فَقَط عِنْدَمَا يَتَنَاوَلُوْنَ نَوْعَاً مِنْ شَاي الهَوَاسكَا الَّذِي يَحْتَوِي عَلَى عَقَارِ الهَلْوَسَةِ، وَهُوَ عَقَارٌ غَيْرُ قَانُوْنِيٍّ وَمَمْنُوْعٌ إسْتِخْدَامُهُ، هَؤُلَاءِ حَصَلَوا عَلَى إسْتِثْنَاءٍ لِأنَّهُمْ يَتَوَاصَلُوْنَ مَعَ اللهِ عَبْرَهُ. هَذِهِ القُوَّةُ السِّحْرِيَّةُ لِلدِّيْنِ تَجْعَلُ لَهُ سُلْطَةً، وَتَجْعَلُ لِرِجَالِ الدِّيْنِ إمْتِيَازَاتٍ خَاصَّةً بِهِمْ، أَلَيْسَ مِنَ الأَفْضَلِ أَنْ لَا يَكُوْنَ لِلدِّيْنِ أَيُّ سُلْطَةٍ؟
صَحِيْحٌ أنَّ الدِّيْنَ لَهُ سُلْطَةٌ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ سُلْطَةً سِحْرِيَّةً وَإِنَّمَا سُلْطةٌ رُوْحِيَّةٌ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّوْحَ الإِنْسَانِيَّةَ مَفْطُوْرَةٌ عَلَى حُبِّ الكَمَالِ وَالجَمَالِ فَتَنْجَذِبُ لَا إِرَادِيَّاً لِمَنْ يُمَثِّلُ هَذَا الكَمَالَ، وَالمَنَاهِجُ المَادِّيَّةُ الَّتِي حَاوَلَتْ أَنْ تُفَسِّرَ كُلَّ الظَّواهِرِ عَلَى أَسَاسِ الحِسِّ وَالمَادَّةِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَفَهَّمَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ السُّلْطَةِ، فَتَغْيِيْبُ الرُّوْحِ مِنَ المَشْهَدِ التَّقْيِيْمِيِّ لِلظَّوَاهِرِ الإِنْسَانِيَّةِ يُؤَدِّي إِلَى رُؤْيَةٍ مُشَوَّهَةٍ حَوْلَ الإِنْسَانِ، مَعَ أَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ مُبَرَّرَاً مَادِّيَّاً إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَخْدَمُ مِنْ قِبَلِ المُلْحِدِيْنَ لِوَصْفِ السُّلْطَةِ الدِّيْنِيَّةِ مِنْ أَجْلِ التَّشْوِيْهِ عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ المُتَأَصِّلَةِ فِي الإِنْسَانِ، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُوْجِدَ تَبْرِيْرَاً ثَقَافِيَّاً لِهَذَا الجَذْبِ الرُّوْحَانِيِّ لَابُدَّ أَنْ نَكْتَشِفَ المَعَايِيْرَ الخَاصَّةَ لِتَقْيِيْمِ هَذِهِ الحَالَةِ، فَالشُّعُوْرُ الدَّاخِلِيُّ لِلْإِنْسَانِ لَا يَنْتَمِي إِلَى عَالَمِ المَادَّةِ وَلَا يَخْضَعُ لِشُرُوْطِ المَادَّةِ الجَافَّةِ، وَفِي نَفْسِ الوَقْتِ لَا يُمْكِنُ تَجَاهُلُهُ لِكَوْنِهِ يُكْسِبُ الإِنْسَانَ تَمَيُّزَهُ، فَالفَرَحُ وَالحُزْنُ وَالحُبُّ وَعِشْقُ الجَمَالِ وَالإِحْسَاسُ بِالآَخَرِ وَالرَّحْمَةُ وَالتَّضْحِيَةُ وَالإِيْثَارُ وَغَيْرُهَا مِنَ الحَقَائِقِ تُمَثِّلُ جَوْهَرَ إِنْسَانِيَّةِ الإِنْسَانِ، وَالعُظَمَاءُ الَّذِيْنَ يُمَثِّلُوْنَ رُمُوْزَاً اجْتِمَاعِيَّةً إِنَّمَا اكْتَسَبُوا هَذِهِ الهَالَةَ مِنْ حُبِّ الآَخِرِيْنَ نَتِيْجَةَ حُضُوْرِهِم الرّوحيّ وليسَ الجَسَدِي، وَلَا يُمْكِنُ التَّنَكُّرُ لِهَذَا الحُضُوْرِ لِلْعُظَمَاءِ مِنْ خِلَالِ وَصْفِهِمْ بِالسَّحَرَةِ الَّذِيْنَ امْتَلَكُوا قُلُوْبَ الآَخَرِيْنَ بِالشَّعْوَذَةِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ رِجَالَ الدِّيْنِ بِمَا يُمَثِّلُونَهُ مِنْ نَمَاذِجَ حَيَّةٍ فِي المُجْتَمَعَاتِ يَكُوْنُونَ أَكْثَرَ حُظْوَةً مِنْ غَيْرِهِمْ فِي هَذَا الحُبِّ وَالوَلَاءِ، إِلَّا أَنَّ المُشْكِلَةَ لَيْسَتْ فِي أَصْلِ الوَلَاءِ وَالإِنْجِذَابِ الرُّوْحِيِّ وَإِنَّمَا المُشْكِلَةُ فِي بَعْضِ العَيِّنَاتِ المُخَادِعَةِ الَّتِي تَسْتَقِلُّ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ، وَقَدْ نَبَّهَ القُرْآَنُ لِمِثْلِ هَؤُلَاءَ الَّذِيْنَ يُتَاجِرُوْنَ بِإسْمِ الدِّيْنِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (176 المَائِدَةُ)، وَكَذَلِكَ نَجِدُ القُرْآَنَ قَدْ فَصَّلَ قِصَّةَ السَّامِرِيِّ الَّذِي وَصَلَ إِلَى مُسْتَوَىً أَصْبَحَ مَصْدَرَ إنْجِذَابِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ إِلَّا أَنَّهُ إسْتَغَلَّ ذَلِكَ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ عِنْدَمَا دَعَاهُمْ لِعِبَادَةِ العِجْلِ، قَالَ تَعَالَى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (96 طه). وَبِذَلِكَ يُمْكِنُنَا القَوْلُ إِنَّ الإِسْلَامَ يُنَبِّهُ أَتْبَاعَهُ مِنَ الاِسْتِغْلَالِ السَّيِّءِ لِهَذِهِ السُّلْطَةِ الدِّيْنِيَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الإِشْكَالِ مِنْ اِسْتِثْنَاءِ أَعْضَاءِ الكَنِيْسَةِ فِي نيو مكسيكو مِنْ قَانُوْنٍ يَمْنَعُ تَنَاوُلَ عَقَارِ الهَلْوَسَةِ يُعَدُّ نَمُوْذَجَاً سَيِّئَاً فِي إسْتِخْدَامِ هَذِهِ السُّلْطَةِ لَيْسَ إِلَّا، وَلَا يَصِحُّ كَدَلِيْلٍ لِضَرْبِ أَصْلِ ظَاهِرَةِ الاِنْجِذَابِ لِلسُّلْطَةِ الرُّوْحِيَّةِ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الصُّوْرَةَ المُشَوَّهَةَ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْ وَاقِعِ المُتَدَيِّنِيْنَ لَيْسَتْ تَمْثِيْلَاً دَقِيْقَاً عَنِ الدِّيْنِ، فَلَا تَكُوْنُ تَبْرِيْرَاً كَافِيَاً لِلتَّنَكُّرِ لِلْأَدْيَانِ وَالكُفْرِ بِهَا، وَعَلَيْهِ إِذَا تَتَبَّعْنَا مَا تَمَسَّكَتْ بِهِ التَّيَّارَاتُ اللَّادِيْنِيَّةُ فِي رَفْضِهَا لِلدِّيْنِ، لَوَجَدْنَاهَا تَصَوُّرَاتٍ إِنْسَانِيَّةً قَاصِرَةً تَضَافَرَتْ مَجْمُوْعَةٌ مِنَ الأَسْبَابِ فِي تَكْوُيْنِهَا، فَالإِشْكَالِيَّةُ هِيَ إِشْكَالِيَّةُ إِنْسَانٍ وَلَيْسَتْ إَشْكَالِيَّةَ أَدْيَانٍ، وَالإِنْسَانُ بِهَذِهِ التَّرْكِيْبَةِ المُعَقَّدَةِ جِدَّاً وَالمُتَأَثِّرَةِ بِالبِيْئَةِ، وَالتَّرْبِيَةِ، وَالحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَالمُحِيْطِ السِّيَاسِيِّ، وَالاِقْتِصَادِيِّ، وَالاِجْتِمَاعِيِّ لَا يُقَارِبُ الأَشْيَاءَ بِصَرَامَةِ المَنْهَجِ المَوْضُوْعِيِّ، وَإِنَّمَا يُقَارِبُهَا بِمَا يَنْسَجِمُ مَعْ ظَرْفِهِ وَنَفْسِيَّتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ، فَلَا يَرَى الحَقَائِقَ كَمَا هِيَ، وَإِنَّمَا يَرَاهَا بِالشَّكْلِ الَّذِي يُحِبُّ هُوَ أَنْ يَرَاهُ، وَمِنْ هُنَا لَا أَتَصَوَّرُ أَنَّ هُنَاكَ دِيْنَاً سَمَاوِيَّاً لَمْ يَأْمُرْ أتْبَاعَهُ بِتَهْذِيْبِ النَّفْسِ، وَتَوَخِّي الحَقِّ، وَالتَّوَاضُعَ وَعَدَمِ اِسْتِغْلَالِ مَشَاعِرِ النَّاسِ، فَالتَّدَيُّنُ الَّذِي يُخَالِفُ تِلْكَ التَّوْصِيَاتِ، وَيَعْمَلُ عَلَى فَهْمِ الدِّيْنِ بِإتِّبَاعِ الهَوَى وَمَا تُمْلِيْهِ المَصْلَحَةُ لَا يَكُوْنُ تَعْبِيْرَاً صَادِقَاً عَنِ الدِّيْنِ.
اترك تعليق