مَنْ هُوَ زِيادُ بْنُ أَبِيهِ ؟!

جَليلُ: مِن هُو زِيادُ بنُ أَبيهِ ؟ ولمَاذا سُمِّيَ بـ {ٱبن أَبيه} ؟ ما هُو مَوقفُ أَهلِ البَيتِ (ع) مِنهُ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ جَليلُ المُحتَرَمُ:

السَّلَامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُه:

سُمِّيَ هذا الرَّجلُ بٱبنِ أَبيهِ؛ لأَنَّهُ لمْ يُعرفْ مَن هُو أَبوهُ بالضَّبطِ، فتارةً يُقالُ: إِنَّ أَباهُ ٱسْمُهُ عُبيدَ أَحدُ العبيدِ الَّذينَ كانوا يَعيشُونَ في الطَّائفِ، وأُمُّهُ سُمَيَّةُ مِن أَصحابِ الرَّاياتِ، أَيْ مِنَ المَعرُوفاتِ بالبِغاءِ، وهِي أُمَةٌ لِلحارثِ بنِ كِلدةَ. وأُخرى أَنَّ أَباهُ هُو أُبو سُفيانَ؛ فقدِ ٱدَّعى مُعاويةُ أَنَّ أَبا سُفيانَ هُو مِمَّنْ زَنا بِسُمَيَّةَ أُمِّ زِيادٍ، فأَنجبتْ زِياداً لهُ، ومِن هُنا نُسِبَ زِيادٌ لأَبي سُفيانَ وٱتَّخَذَهُ أَخاً لهُ.

وهُو ما أَشارَ إِليهِ أَميرُ المُؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ) في كتابهِ إِلى زِيادٍ حينَ بَلَغَهُ أَنَّ مُعاويةَ يُريدُ ٱسْتلحاقَهُ بأَبي سُفيانَ خَديعةً لهُ، فقالَ (عليهِ السَّلامُ) في رِسالةٍ لهُ:

(وقد عرفتَ أَنَّ مُعاويةَ كَتَبَ إِليكَ يَستَزِلُّ لُبَّكَ، ويَستَفِلَّ غَربَكَ فٱحذرْهُ، فإِنَّما هو الشَّيطانُ: يأْتي المُؤمنَ مِن بَينِ يَدَيهِ ومِن خلفهِ، وعَنْ يمينهِ وعَنْ شمالهِ، لِيقتَحِمَ غفلتَهُ، ويَستَلِبَ غَرَّتَهُ، وقد كانَ مِن أَبي سُفيانَ في زمنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ فلتةٌ مِن حديثِ النَّفسِ، ونَزغَةٌ من نَزَغاتِ الشَّيطانِ: لا يُثبَتُ بها نَسَبٌ، ولا يُستحَقُّ بها إِرثٌ، والمُتعلِّقُ بها كالواغلِ المُدفِّعِ والنُّوطِ المُذبذبِ). فلمَّا قَرَأَ زِيادٌ الكتابَ قالَ: شَهِدَ بها ورَبِّ الكعبةِ، ولمْ تَزَلْ في نَفسِهِ حتَّى ٱدَّعاهُ مُعاويةُ. [َوضيحُ نَهجِ البَلاغةِ، لِلشِّيرازيّ 4: 110].

وقد ٱعتُرضَ على مُعاويةُ بهذا الإِلحاقِ لِزيادِ؛ بأَنَّهُ مُخالفٌ لِلشَّريعةِ، فقد ثَبَتَ في الشَّريعةِ أَنَّ (الولدَ لِلفِراشِ ولِلعاهرِ الحَجرُ).

فقدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ في تأريخهِ عنِ الحَسَنِ البصريّ: (عنِ الحَسَنِ قالَ أَربعُ خِصالٍ كُنَّ في مُعاويةَ لو لمْ يكنْ فيهِ مِنهُنَّ إِلَّا واحدةٌ لَكانتْ مُوبِقةً ٱنْتِزاؤُهُ على هذهِ الأُمَّةِ بالسُّفهاءِ حتَّى ٱبْتزَّها أَمرَها بغَيرِ مَشُورةٍ مِنهُم وفِيهم بَقايا الصَّحابةِ وذَوُوا الفَضيلةِ وٱسْتِخلافِهِ ٱبْنَهُ بعدَهُ سِكِّيراً خَمَّاراً يلبسُ الحَريرَ ويَضربُ بالطَّنابيرِ وٱدُّعاؤُهُ زياداً، وقد قالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) الولدُ لِلفراشِ ولِلعاهرِ الحَجرُ، وقَتلُهُ حِجرَاً وَيلاً لهُ مِن حِجرٍ وأَصحابِ حِجرٍ مَرَّتَينِ). إِنتهَى [تأريخُ الطَّبَرِيّ 4: 208].

 لكنَّ مُعاويةَ لمْ يأبَهْ بذلكَ؛ لِوُجودِ حاجةٍ لهُ في زيادٍ، فهُو مِمَّن عَمَلَ مَعَ الشِّيعةِ وكانَ أَحَدَ وُلاةِ أَميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ (عليهِ السَّلامُ) على أَحَدِ ضَواحي فارِس، فهُو أَعرفُ بهِم لِهذا ٱستَعانَ بهِ مُعاويةُ - بَعدَ أَنْ أَغواهُ وقَرَّبَهُ إِليهِ - في مُلاحقةِ الشِّيعةِ وتَصفِيَتهِم حتَّى كانَ يَتَتَبَّعُهُم واحداً واحداً ويَقتلهُم، كمَا يُشيرُ إِلى ذلكَ الطَّبرَانيّ بإِسنادٍ صَحيحٍ في "المُعجمِ الكبيرِ" ج 3 ص 68، والهَيثَميّ في مَجمعِ الزَّوائدِ 6: 295 فبَلَغَ ذلكَ الإِمامَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ (عليهِ السَّلامُ) فَدَعَا عَليهِ.

وقدْ تَسألُ عَن سببِ تَوليةِ أَميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ (عليهِ السَّلامُ) لهُ لأَحَدِ ضَواحي فارس مع مَعرفتِهِ بعاقبةِ أَمرِهِ وٱنْحرافِهِ.

الجَوَابُ: أَنَّهُ (عليهِ السَّلامُ) كانَ مأموراً بالتَّعاملِ مَعَ النَّاسِ على ظَواهرِ الأَحوالِ، وكانَ زيادٌ في أَوَّلِ أمرِهِ مُستقيمَ الطَّريقةِ، لكنَّهُ ٱنْحرفَ بَعدَ ذلكَ، وظَهَرَتْ مَعالمُ ٱنحْرافِهِ أَثناءَ وَلايتِهِ مِن قِبَلِ أَميرِ المُؤمِنينَ (عليهِ السَّلامُ) فَهَدَّدَهُ في كتابٍ بَعَثَهُ إِليهِ، جاءَ فيهِ: 

 (أَمَّا بَعدُ، فإِنَّ رَسُولي أَخبرَني بَعَجَبٍ زَعَمَ أَنَّكَ قُلتَ لهُ فيما بَينَكَ وبَينَهُ: إِنَّ الأَكرادَ هَاجتْ بكِ، فكَسَرَتْ عليكَ كثيراً مِنَ الخِراجِ، وقُلتَ لهُ: لا تَعلمُ بذلكَ أَميرِ المُؤمِنينَ. يا زيادُ وأُقسِمُ بٱللهِ إِنَّكَ لَكاذِبٌ، ولَإِنْ لمْ تَبعثْ بِخَراجِكَ لَأَشُدَّنَ عليكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَليلَ الوَفرِ، ثَقيلَ الظَّهرِ). [تأريخُ اليَعقُوبيّ 2: 204، خِلافةُ أَميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ ٱبنِ أَبي طالبٍ].

ودُمتُم سالِمِين