هل الموت أفضل أم الحياة؟

سؤال: هل الانتقال الى الاخرة اي الموت أفضل من البقاء في الحياة الدنيا او بالعكس؟ والسؤال على فرض كلّ تقدير وليس المقصود في حالات اليأس او كثرة المشاكل والابتلاءات

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الموتُ سنّةٌ من سننِ الله تعالى حكمَ به على جميع عباده، يقولُ أمير المؤمنين (عليه السلام): "فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى البَقَاءِ سُلَّماً أَو لِدَفْعِ‏ المَوْتِ‏ سَبِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عليه السلام الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الجِنِّ والإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ، وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ،‏ وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ قِسِيُّ الفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ، وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ‏ خَالِيَةً والمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَوَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ"

وقد اشارت الكثيرُ من رواياتِ أهل البيت (عليهم السلام) إلى فلسفةِ الموتِ حيث اكّدوا على أنّ الموت هو البوابة التي يلجُ الإنسانُ من خلالها إلى عالم الاخرة، فقد رويَ عن عَلِيّ بْن الحُسَيْنِ عليه السلام‏ أنه قال: "لَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ بالحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهما السلام نَظَرَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِهِم، لِأَنَّهُم كُلَّمَا اشْتَدَّ الأَمْرُ تَغَيَّرَت أَلْوَانُهُم، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُم، وَوَجِلَتْ قُلُوبُهُم، وَكَانَ الحُسَيْنُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ‏ أَلْوَانُهُم،‏ وَتَهْدَأُ جَوَارِحُهُم، وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ، فَقَالَ: بَعْضُهُم لِبَعْضٍ انْظُرُوا لَا يُبَالِي بالمَوْتِ، فَقَالَ لَهُمُ الحُسَيْنُ عليه السلام: صَبْراً بَنِي الكِرَامِ فَمَا المَوْتُ إِلَّا قَنْطَرَةٌ يَعْبُرُ بِكُم عَنِ البُؤْسِ وَالضَّرَّاءِ إِلَى الجنانِ الوَاسِطَةِ، وَالنَّعِيمِ الدَّائِمَةِ فَأَيُّكُم يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلَى قَصْرٍ، وَمَا هُوَ لِأَعْدَائِكُم إِلَّا كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلَى سِجْنٍ وَعَذَابٍ إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله عليه وآله وسلم: أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ، والمَوْتُ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جِنَانِهِم، وَجِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَحِيمِهِم مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ"

وسُئِلَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهما السلام مَا المَوْتُ الَّذِي جَهِلُوهُ؟ قَالَ: أَعْظَمُ سُرُورٍ يَرِدُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذ نُقِلُوا عَنْ دَارِ النَّكَدِ إِلَى نَعِيمِ الأَبَدِ، وَأَعْظَمُ ثُبُورٍ يَرِدُ عَلَى الكَافِرِينَ إِذ نُقِلُوا عَنْ جَنَّتِهِم إِلَى نَارٍ لَا تَبِيدُ وَلَا تَنْفَدُ‌"

وفي المحصّلةِ أنّ الناس بالنسبة للموتِ على قسمين:

قسم: يستوحشُ منه بسبب ما اقترفهُ من آثام ومعاصي في حياته، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾، وروى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا لَنَا نَكْرَهُ‏ المَوْتَ؟‏ فَقَالَ: لِأَنَّكُم عَمَرْتُمُ الدُّنْيَا، وَأَخْرَبْتُمُ الآخِرَةَ، فَتَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنْ عُمْرَانٍ إِلَى خَرَابٍ، فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرَى قُدُومَنَا عَلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا المُحْسِنُ مِنْكُم فَكَالْغَائِبِ يَقْدَمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا المُسِي‏ءُ مِنْكُم فَكَالْآبِقِ يَرِدُ عَلَى مَوْلَاهُ، قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى حَالَنَا عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: اعْرِضُوا أَعْمَالَكُم عَلَى الْكِتَابِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿إِنَّ الأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾‏ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ‏ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)

وقسمٌ آخر: يشتاقونَ إلى الموتِ ويتلقونهُ بصدورٍ رحبة، لأنّهم يرونهُ انتقالاً من حياةٍ مُرّةٍ إلى حياةٍ حلوةٍ، وهم الأنبياء والأولياء يقولُ أمير المؤمنين (عليه السلام) واصفاً المتقين: وَلَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ [لَهُمْ‏] عَلَيْهِم لَم تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُم فِي أَجْسَادِهِم طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ العِقَابِ عَظُمَ‏ الخَالِقُ‏ فِي‏ أَنْفُسِهِم‏، فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِم، فَهُم والجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُم فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُم وَالنَّارُ كَمَن قَدْ رَآهَا فَهُم فِيهَا مُعَذَّبُون)

ومع ذلك لا يجوزُ للمؤمن تمني الموت، فإن كان محسناً يزيدُ في احسانه وإن كان مسيئاً فأمامهُ فرصة التوبة والاستغفار، وقد نصّت العديدُ من روايات أهلِ البيت على ذلك، وقد أفردَ العلامةُ الحر العاملي في كتابهِ وسائل الشيعة باباً بعنوان (باب كراهة تمني الإنسان الموت) ومن ضمن ما جاءَ فيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على رجلٍ يعودهُ وهو شاكٌ فتمنى الموتَ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا تتمنَّ الموت فإنك إن تكُ محسناً تزداد إحسانا، وإن تكُ مسيئاً فتؤخر تستعتب فلا تتمنوا الموت"

وفي روايةٍ أخرى عنه (صلى الله عليه وآله) قال: "لا يتمنى أحدكم الموتَ لضرٍّ نزلَ به، وليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"