هل أعمال الكافر الصالحة لا يثاب عليها يوم القيامة؟

سؤال: هل غير المسلم جميع أعماله مرفوضة عند الله عز وجلّ إن كان يكفل الأيتام ويصلون الناس ويعطوهم المال ممكن تنطوني الجواب واريد الجواب همين ابآيه قرآنيه؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

حتى تكون الإجابةُ أكثر حياديةً وموضوعيةً يجب أن نشيرَ إلى كلا الموقفين المتعارضين في الإجابة على هذا السؤال.

الموقف الأول: هو الذي يتبناهُ بعض من يدعي التنويرَ والحداثة والانفتاح، وهو الموقفُ الذي لا يرى فرقاً في عمل الخير إذا قام به المؤمن أو قام به الكافر، فكلّ من يعمل صالحاً سواء كان عملاً اجتماعياً أو كان اختراعاً علمياً أو غير ذلك فهو يستحقُّ الثوابَ من الله تعالى؛ وذلك لأنّ الله تعالى عادلٌ وعدله يقتضي عدم التمييز بين عباده، فلا فرق بين من يعرفُ الله وبين من لا يعرفهُ طالما كانت أعمالهم جميعاً أعمالاً صالحةً، فإذا كان الله محباً لعمل الصالحاتِ كيف إذاً يهملُ العمل الصالحَ الصادرَ من الكافر ويحرمهُ الأجرَ والثواب؟

وهذا النوع من الاستدلالِ لا يمنحُ الكافر ثواب أعمالهِ الصالحة فقط وإنما يساوي بينه وبين المؤمن، فإذا كانت النتيجةُ واحدةً فما هو الفرق بين المؤمن والكافر؟ وما هو الداعي من الأساس لإرسالِ الأنبياء والرسل ودعوة الناس إلى الإسلام والإيمان؟

فبمقياس الحياة الدنيا قد يتساوى العملُ الصالح سواء صدر من المؤمن أو الكافر؛ وذلك لأنّ الصلاح ليس أمراً اعتبارياً وإنما هو حقيقةٌ واقعيةٌ بناءً على التحسين والتقبيح العقليين.

وعليه: قد يتساوى الأثرُ الإيجابي للعمل الصالح على مستوى الحياة الدنيا، فينالُ الكافر من عمله الصالح بمقدار ما ينال المؤمن، أمّا على مستوى الحياة الآخرة فإنّ أثر العمل الصالح مرهونٌ بشيء آخر وهو قصد القربة لله تعالى.

الموقف الثاني: وهو الموقف الذي يرى أنّ جميعَ أعمال الكافر الصالحة لا أثرَ لها يوم القيامة، فجميع أعماله باطلةٌ طالما لم تبتنِ على الإيمان بالله تعالى.

ودليلهم في ذلك - مضافاً إلى النصوص الصريحة في ذلك - هو أنّ الثوابَ مرهونٌ بالقصد والنية، أي أن يكون العاملُ قاصداً بعمله وجهَ الله تعالى، إذ كيف يرجو الثواب من لم يقصد بعمله ثوابَ الله ورضوانه؟ فإذا كان الكافرُ بنفسه زاهداً في هذا الثواب وغير معترف به كيف يحقُّ لأدعياء الثقافة والانفتاح أن يطالبوا المؤمنين بأن يعترفوا لهم بهذا الثواب؟

ولا يمكنُ الاحتجاجُ هنا بالعدل الإلهي؛ وذلك لأنّ عدم دخول الكافر إلى الجنة يكون منافياً للعدل إذا كان الله قد وعده بالجنة، والله تعالى لم يعِد غير المؤمنين الذين امنوا به وقصدوا بإعمالهم الصالحة وجههُ الكريم.

وقد نصّ القرآن الكريم على بطلان عمل الكافر مهما كان، يقول تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)، ويقول: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).

ويقول تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

ويقول تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ويقول تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

ويقول تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

وعليه: فإنّ الإسلام هو شرطُ قبول العمل الصالح، والإثابة عليه في الدار الآخرة، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ)

ولا يمنعُ ذلك حصولُ الكافر على ثواب أعمالهِ الصالحةِ في الدنيا، كما يمكنُ أن يكون عملهُ الصالح سبباً في تخفيف العذاب عنه يوم القيامة، فكما أنّ الجنة درجات فإنّ النار أيضاً دركات وطبقات، فلا يجتمعُ الكفارُ جميعاً في مقامٍ واحدٍ في النار.