الزهراء امرأة ملكوتية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا شكّ ولا ريب أنّ الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة بيّنت مقامات رفيعة للصدّيقة الكبرى السيّدة الزهراء (عليها السلام)، فهي وإنْ كانت امرأة من البشر، لكنّها – كما في الآيات والأحاديث – نورٌ مخلوق من نور عظمة الله تعالى، هي حوراء إنسيّة، هي الزهراء التي زهرت بنورها السماوات، هي بضعة النبيّ – التي شعرة من بدنه ترجح على الثقلين –، وكان أصل مادّة بدنها من ثمار الجنّة، هكذا عرَّف الوحي الإلهيّ السيّدة الزهراء (عليها السلام)، ولا يمكن أبداً اختصار شخصيّتها بأنّها امرأة ناجحة كسائر النساء، دون ملاحظة أنّها نور حوراء.

وهذا القرآن يعبّر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ}، فالنبيّ له بُعدان: بُعد بشريّ {أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}، وبعد غيبيّ {يُوحَىٰ إِلَيَّ}، وهكذا السيّدة الزهراء (عليها السلام) فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يُعبّر عنها بأنّها « حوراء إنسيّة »، فلها بعدان في شخصيّتها: بعد بشريّ « إنسيّة »، وبعد غيبيّ « حوراء ».

وتعبير علمائنا الأبرار عن الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بأنّها امرأة ملكوتيّة ونحوها، يعني أنّها وإنْ كانت امرأة من البشر لكنّها ملكوتيّة، أي أنّ حقيقتها ليست دنيويّة أرضيّة ومن عالم الملك، بل من عوالم الملكوت والغيب، فهي كانت نوراً كما كان أبوها وبعلها نورينِ قبل خلق العالم.

وهذا التعبير من العلماء لا يتضمّن ادّعاء الألوهيّة – والعياذ بالله –، وليس فيه أيّ شائبة غلوّ؛ لأنّه تعبير عمّا جاء في الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة التي بيَّنت مقامات أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) عباد مكرمون، حباهم الله تعالى بأشرف الدرجات وأعلى المقامات التي لا يمكن تصوّرها.

قال السيّد الخمينيّ – في كلامٍ له بمناسبة يوم المرأة –: (لم تكن الزهراء امرأة عاديّة، كانت امرأة روحانيّة، امرأة ملكوتيّة، كانت إنساناً بتمام معنى الكلمة، نسخة إنسانية متكاملة، امرأة حقيقية كاملة، حقيقة الإنسان الكامل، لم تكن امرأة عادية، بل هي كائن ملكوتيّ، تحلى في الوجود بصورة إنسان، بل كائن إلهيّ جبروتيّ ظهر على هيئة امرأة، فقد اجتمعت في هذه المرأة جميع الخصال الكماليّة المتصوّرة للإنسان وللمرأة) [المرأة في فكر الإمام الخميني ص23].

وغيرُ خفيّ أنّ تعبيرات «الملكوت، الجبروت، الإنسان الكامل، ونحوها» هي من اصطلاحات العرفاء، ولهم مقاصد مخصوصة فيها، شرحوها في تصانيفهم الخاصّة، وممّن شرحها السيّد الخمينيّ في بعض تصانيفه العرفانيّة كمصباح الهداية وغيره. ولا يُراد من عبارة « كائن إلهيّ جبروتيّ » أنّها إله، بل المراد أنّها منسوبة لله تعال باعتبار علوّ مقامها ورفعة شأنها، كما يُنسب بعض المخلوقات إلى الله فيُقال: (عالِم ربّاني)، (كتابٌ إلهي)، (أهل الله)، (متألّه)، ونحوها من النسب لله تعالى، فإنّه لا يتبادر منها معنى الألوهيّة، وكذلك ليس مراد السيّد أنّ الزهراء (ع) إله – والعياذ بالله –، بل يريد أن يقول إنّها كائن من عالم العقول والأنوار حيث التجرّد، ولها ارتباط قويّ بالله تعالى، فمن شدّة الارتباط والعلقة مع الله تعالى يُعبّر عنها بهذا التعبير.

ولنذكر في المقام بعض الأحاديث الواردة في مصادر المسلمين في شأن الصدّيقة الكبرى (عليها السلام):

روى النعماني والصدوق وابن شاذان والجوهري والطوسي وفرات والخوارزمي والجويني وغيرهم، بأسانيد متعدّدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: « لمّا أسري بي إلى السماء قال لي العزيز جلّ ثناؤه... يا محمّد، إنّي خلقتُك وخلقتُ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين أشباح نور من سنخ نوري، وعرضتُ ولايتكم على السماوات وأهلها والأرضين.. » [الغيبة ص59، كمال الدين ج1 ص252، المائة منقبة ص37، مقتضب الأثر ص10، الغيبة صص95، تفسير فرات ص15، مقتل الحسين ج1 ص95، فرائد السمطين ج2 ص319، المحتضر ص90، إيضاح دفائن النواصب ص11].

وروى الصدوق والطبري بالإسناد عن معاذ بن جبل: « أنّ رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال: إنّ الله تعالى خلقني وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام، قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟ قال: قدّام العرش، نسبّح الله ونقدّسه نمجّده، قلت: على أيّ مثال؟ قال: أشباح نور، حتّى إذا أراد الله أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور، ثمّ قذفنا في صلب آدم.. » [علل الشرائع ج1 ص208، دلائل الإمامة ص59، نوادر المعجزات ص80].

وروى الصدوق والطبريّ بالإسناد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: « قيل: يا رسول الله، إنّك تلثم فاطمة، وتلتزمها، وتدنيها منك، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال: إنّ جبرئيل – عليه السلام – أتاني بتفّاحةٍ من تفاح الجنّة، فأكلتها، فتحوّلت ماء في صلبي، ثمّ واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فأنا أشمّ منها رائحة الجنة » [علل الشرائع ج1 ص183، دلائل الإمامة ص53، نوادر المعجزات ص99].

روى الشيخ الصدوق والنيسابوريّ والطبرسيّ وغيرهم، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: « قال النبيّ - صلى الله عليه وآله -: لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل - عليه السلام - فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة » [الأمالي ص546، التوحيد ص118، عيون أخبار الرضا ج1 ص107، روضة الواعظين ج1 ص149، الاحتجاج ج2 ص191، مناقب آل أبي طالب ج3 ص334].

وروى الطبرانيّ بالإسناد عن عائشة قالت: « كنت أرى رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يقبّل فاطمة، فقلت: يا رسول الله، إنّي أراك تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله من قبل، فقال لي: يا حميراء، إنّه لمّا كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنّة، فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أرَ في الجنّة شجرة هي أحسن منها حسناً، ولا أبيض منها ورقةً، ولا أطيب منها ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلمّا هبطت الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة، فإذا أنا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت ريح فاطمة. يا حميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين، ولا تعتل كما يعتلّون » [المعجم الكبير ج22 ص401]

ورواه الخطيب البغداديّ والحافظ الأصفهانيّ وأحمد بن عيسى ومحمد بن سليمان وغيرهم، وفي آخره: « يا عائشة، فاطمة حوراء إنسيّة » [تاريخ بغداد ج5 ص87، ذكر أخبار أصفهان ج1 ص78، رأب الصدع ج3 ص2027، مناقب الإمام علي ج2 ص206]

وروى الخطيب البغداديّ بالإسناد عن ابن عبّاس، قال: « قال رسول الله – صلى الله عليه وآله –: ابنتي فاطمة حوراء آدميّة، لم تحض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبّيها عن النار » [تاريخ بغداد ج12 ص328].

وروى ابن عساكر بالإسناد عن أمّ سليم - زوجة أبي طلحة الأنصاريّ - أنّها قالت: « لم ترَ فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - دماً قطّ في حيض ولا نفاس، وكانت تُصَبّ عليها من ماء الجنّة، وذلك أنّ رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - لمّا أسري به دخل الجنّة، وأكل من فاكهة الجنّة، وشرب من ماء الجنّة، فنزل من ليلته فوقع على خديجة فحملت بفاطمة، فكان حمل فاطمة من ماء الجنّة » [تاريخ دمشق ج40 ص354].

وروى الحاكم النيسابوريّ بالإسناد عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: « أتاني جبريل - عليه الصلاة والسلام - بسفرجلة من الجنّة، فأكلتها ليلة أسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة » [المستدرك ج3 ص156]

وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: « قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: خلق نور فاطمة - عليها السلام - قبل أن تخلق الأرض والسماء، فقال بعض الناس: يا نبيّ الله، فليست هي إنسيّة؟ فقال - صلى الله عليه وآله -: فاطمة حوراء إنسيّة، قال: يا نبيّ الله، وكيف هي حوراء إنسيّة؟ قال: خلقها الله - عزّ وجلّ - من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله - عزّ وجلّ - آدم عرضت على آدم، قيل: يا نبيّ الله، وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقّة تحت ساق العرش، قالوا: يا نبيّ الله، فما كان طعامها؟ قال: التسبيح والتهليل والتحميد، فلمّا خلق الله - عزّ وجلّ - آدم وأخرجني من صلبه، أحبّ الله - عزّ وجلّ - أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنّة، وأتاني بها جبرئيل - عليه السلام -، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمّد، قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام، قلت: منه السلام وإليه يعود السلام، قال: يا محمّد، إنّ هذه تفاحة أهداها الله - عزّ وجلّ - إليك من الجنّة، فأخذتها وضممتها إلى صدري، قال: يا محمّد، يقول الله - جلّ جلاله -: كلها، ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً، ففزعت منه، فقال: يا محمّد، ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإنّ ذلك النور المنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة، قلت: حبيبي جبرئيل، ولم سميت في السماء «المنصورة» وفي الأرض «فاطمة »؟ قال: سمّيت في الأرض «فاطمة» لأنّها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداءها عن حبّها، وهي في السماء «المنصورة» وذلك قول الله - عزّ وجلّ -: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} يعني نصر فاطمة لمحبّيها » [معاني الأخبار ص396].

وهناك أخبار أخرى كثيرة، فمَن شاء المزيد يمكنه مراجعة الكتب الجامعة لذلك؛ كبحار الأنوار، والموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء، وغيرها.

والحمد لله رب العالمين