هل هناك ملك يضع رجله على البحر فيحدث المد والجزر؟
السؤال: سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين عليه السلام عن المد والجزر ما هما؟ فقال: ملك موكل بالبحار يقال له " رومان "، فإذا وضع قدميه في البحر فاض، وإذا أخرجهما غاض... هكذا روايات تنفر الناس من الدين في هذا العصر حيث تم تفسير الظواهر الطبيعية وفق العلم والتجربة!
الجواب:
روى الصدوق عن محمّد بن عمر بن عليّ بن عبد الله البصريّ، عن محمّد بن عبد الله بن أحمد بن جبلة، عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائيّ، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: « كان عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة في الجامع، إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أسألك عن أشياء.
فقال: سل تفقّهاً، ولا تسأل تعنّتاً. ثم سأله أسئلة كثيرة منها:
سأله عن المدّ والجزر: ما هما؟! قال: ملك موكّل بالبحار يُقال له: رومان، فإذا وضع قدميه في البحر فاض، وإذا أخرجهما غاض » [عيون أخبار الرضا: 1 / 219].
والمعروف أنّ المدّ والجزر هو ارتفاع منسوب المياه وانحسارها على شواطئ البحار والمحيطات، وأنّ ذلك يحدث بسبب جاذبيّة القمر للمياه على الأرض، فمتى حاذى القمر جهة من البحر جذب مياهها إليه، فتنحسر عن الشواطئ ويسمّى الجزر، وإذا زال عن تلك الجهة ضعفت جاذبيّته، فيكون المدّ، الذي يعني عودة المياه إلى حالتها الأولى المعاكسة لحالة الجزر. ويتجلّى ذلك بصورةٍ أتمّ حين يكون القمر في الحضيض، أي يكون في أقرب منازله إلى الأرض.
وبحسب السائل أنّ هذا الحديث لا ينسجم مع روح العصر الذي تتمّ فيه تفسير ظواهر الطبيعة على ضوء العلم والتجربة، وعليه فإنّ مثل هذه الأحاديث تنفّر من الدين أكثر ممّا تقرّب، ولمناقشة هذه الفكرة نقول الآتي:
أوّلاً: تفسير الظواهر الطبيعيّة على أساس الأسباب والمسبّبات الطبيعيّة لا يتعارض مع الإيمان بوجود سلطة غيبيّة تقف خلف هذه الأسباب الطبيعيّة، بل الضرورة التي تفرضها العلاقة بين الأسباب والمسبّبات لا يمكن أن تُفهَم ما لم تكن هناك إرادة غيبيّة أرادت لها هذا النوع من العلاقة والارتباط.
فمثلاً: كون النار سبباً للإحراق لا يعني أنّ النار امتلكت هذه الخاصيّة بذاتها وبعيداً عن إرادة الله تعالى، بمعنى أنّ النار ستحرق حتّى لو شاء الله أن لا تحرق، وهذا ما لا يقوله مؤمن أبداً، فإذا كانت النار لا تملك أصل وجودها بذاتها فكيف تملك عوارضها بذاتها؟ وهناك نقاش طويل في هذه المسألة نحن في غنىً عنه هنا.
والشاهد الذي نريد تأكيده: هو أنّ التفسير الطبيعيّ للظواهر لا يتعارض بالضرورة مع التفسير الغيبيّ لنفس الظاهرة، فمثلاً: إذا قلنا: إنّ في قلب الإنسان عضلات تساعده على ضخّ الدم، أو قلنا: إنّ هناك ملكاً هو الذي يجعل القلب قادراً على ضخّ الدم. فلا تعارض بين التفسيرين، فالتفسير الأول يثبت قانون الأسباب والمسبّبات، والثاني يثبت أنّ كلّ شيء قائم بالله تعالى، وكذلك الحال عندما نقول: إنّ الرياح هي التي تسوق السحاب، أو نقول: إنّ هناك ملكاً يسوقه.
ثانياً: تفسير المدّ والجزر بحال القمر ووضعه من الارض لا يعدّ تفسيراً تجريبيّاً أو علماً ضروريّاً، وذلك لأنّه قائم فقط على الربط بين حدوث ظاهرتين في وقت واحد، الظاهرة الأولى هي وضع القمر، والظاهرة الثانية هي حدوث المدّ والجزر، وكون هناك تقارناً بين الظاهرتين لا يقدّم تفسيراً قطعيّاً على أنّ أحد الظاهرتين هي سبب في حصول الظاهرة الأخرى؛ وذلك لانعدام الرابط المنطقيّ الذي يربط بينهما، وعلى ذلك تظلّ النظريّة عند حدود الحدس والتخمين، إلى حين اكتشاف العلاقة الضروريّة بين الظاهرتين. وعلى ذلك، لا يمكن رفع اليد عن الرواية لمجرّد وجود تفسير قائم على الحدس والتخمين، فالعلاقة بين القمر وبين المدّ والجزر قد يكونان مستندين معاً إلى مؤثّر ثالث ورابع، وحتّى نرفع اليد عن الرواية لابدّ أن تستند النظريّة على أدلةٍ ملموسةٍ ومحسوسةٍ تفيد اليقين.
ثالثاً: قد يقول البعض: إنّ هذه الرواية جاءت على سبيل الرمز والكناية، فيُراد بالملك تلك القوة التي تحدث المدّ والجزر، حيث لم يكن بالإمكان الحديث عن جاذبيّة القمر لمياه البحار، فإنّ ذلك سيواجه بالإنكار والاستهجان إنْ لم يكن بالسخرية والاتّهام الباطل. ولكن هذا الوجه إنّما يمكن قبوله بعد إثبات صحّة دعوى أنّ المدّ والجزر نتيجة جاذبيّة القمر بصورة قاطعة ونهائية. والله اعلم.
اترك تعليق