ما الفرق بين الحرية في التّصوُّر الإسلاميّ والحرية في تصوُّر فلسفة اللِّيبراليَّة الغربيَّة؟

ما الفرق بين الحرية في التّصوُّر الإسلاميّ والحرية في تصوُّر فلسفة اللِّيبراليَّة الغربيَّة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب هناك فارقٌ جوهريٌّ بين مفهوم الحرية في التَّصوُّر الإسلاميّ ومفهومها في الفلسفة اللِّيبراليَّة الغربيَّة، ويعود هذا الفارق إلى اختلاف الرؤية الكونيَّة لكلٍّ من الأفراد لحريَّته. فحرية التعبير- على سبيل المثال- يُنظر إليها في اللِّيبراليَّة على أنَّها حقٌّ مطلقٌ، حتَّى لو أدَّت إلى الإساءة للأديان أو نشر الفوضى الفكريَّة، في حين أنَّ الحرية في الإسلام مشروطةٌ بعدم التعدِّي على القيم الدينيَّة أو إثارة الفتنة. 3- الحرية الفرديَّة مقابل الحرية الجماعيَّة الحرية في الإسلام لا تُفهَم فقط على أنَّها حريةٌ فرديَّةٌ، بل تشمل الحرية الجماعيَّة، أي إنَّ المجتمع له حقٌّ في حماية نفسه من الأفعال التي قد تضرُّ بقيمه واستقراره؛ لذلك نجد في الإسلام حدودًا على بعض الممارسات التي قد تضرُّ بالمجتمع ككلّ، مثل تحريم الفواحش والمجاهرة بالمنكر. بعكس ما نجده في اللِّيبراليَّة الغربيَّة، إذْ يتمُّ التَّركيز على الفرد ككيانٍ مستقلٍّ، وتُعتبَر حرية الفرد أولويَّةً حتَّى لو تعارضت مع مصالح المجتمع ككلٍّ. وهذا ما أدَّى إلى انتشار نماذج اجتماعيَّةٍ تضع الفرد فوق الأسرة، وفوق الأخلاق العامَّة، ممَّا أدَّى إلى تآكل الكثير من القيم التَّقليديَّة. 4- الغاية من الحرية في الإسلام، الحرية وسيلةٌ لتحقيق العبوديَّة لله والسَّير في طريق التَّكامل الرُّوحيّ والأخلاقيّ. فالإنسان مُخيَّرٌ، ولكنَّ هذا التَّخيير ليس لإطلاق العنان لرغباته، وإنَّما لاختبار إرادته في اختيار الصَّواب والالتزام بالحقِّ؛ ولذلك نجد في الإسلام مفهوم "الحرية الحقيقيَّة"، التي تعني التحرُّر من العبوديَّة للذَّات والشهوات والمصالح المادِّيَّة. أمَّا في اللِّيبراليَّة، فالحرية غايةٌ بحدِّ ذاتها، أي إنَّ الهدف الأساسيَّ هو أنْ يكون الإنسان حرًّا ليفعل ما يشاء، ما دام أنَّه لا يتعدَّى على حرية الآخرين وفق القانون، وهذا يؤدِّي إلى نسبيَّة الأخلاق والقيم؛ لأنَّ ما هو مقبولٌ اليوم قد يصبح مرفوضًا غدًا، والعكس صحيح، تبعًا لتطوُّر المجتمع. 5- حدود الحرية في الإسلام، الحرية محكومةٌ بثوابت الشريعة التي تحدِّد الحلال والحرام، وما يجوز وما لا يجوز، فهناك قيودٌ دينيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ تحمي المجتمع من الانحراف والضَّياع. فالإسلام لا يمنع الإنسان من التَّفكير والنَّقد، ولكنَّه يمنعه من التَّعدِّي على المقدَّسات أو نشر الإلحاد أو الإضرار بالمجتمع باسم الحرية. أمَّا في اللِّيبراليَّة الغربيَّة، فحدود الحرية تُرسَم وفق القوانين الوضعيَّة، التي تتغيَّر حسب الظُّروف السِّياسيَّة والاجتماعيَّة. فهناك حريةٌ مطلقةٌ في بعض الدُّول لنشر الإلحاد والإساءة للأديان، وحريةٌ غير مقيَّدةٍ في التَّعبير عن الميول الجنسيَّة، ممَّا يؤدِّي إلى تفكيك القيم الأسريَّة والاجتماعيَّة. الخاتمة وفي المحصِّلة، فإنَّ الإسلام لا يعارض الحرية، بل يسعى إلى ترشيدها وجعلها متوافقةً مع الغايات الكبرى للإنسان والمجتمع، بحيث لا تتحوَّل إلى فوضى، بل تبقى عنصرًا فعَّالًا في بناء الحضارة الإنسانيَّة على أسسٍ متينةٍ من العدالة والمسؤوليَّة والقيم السَّامية.