المولى الذي يلي أمر صاحب الزمان (عج)
في الرواية عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات. ويقول بعضهم: قُتل. ويقول بعضهم: ذهب. حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفرٌ يسيرٌ، لا يطلع موضعه أحدٌ من وليٍّ ولا غيره إلّا (المولى الذي يلي أمره)»، هل هناك تفاصيل عن هذا المولى من هو وهل هو شخصٌ واحدٌ ام صفةٌ لعدّة اشخاص، لأنَّ بعض الجماعات اتخذت من هذا المولى سبيلاً لادّعاء المقامات العجيبة؟
الجواب
هذه الرواية أخرجها الشيخ النعمانيّ – واللفظ له – والشيخ الطوسيّ بالإسناد عن المفضل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفرٌ يسيرٌ، لا يطّلع على موضعه أحدٌ من وليٍّ ولا غيره، إلّا المولى الذي يلي أمره» [الغيبة للنعمانيّ ص176، الغيبة للطوسيّ ص61 وص162].
قال الشيخ النعمانيّ – عقيب ذكره –: (ولو لم يكن يُروى في الغيبة إلّا هذا الحديث لكان فيه كفايةٌ لمن تأمّله)، وهذا الكلام منه يشير لاعتبار الرواية كما لا يخفى.
ويمكن التعليق على ما ورد في السؤال والرواية بأمور:
الأوّل: الرواية تستخدم لفظ «المولى» بصيغة المفرد، مما يدلّ على أنَّ الحديث يدور على شخصيةٍ محدّدةٍ في كلّ زمنٍ تتولّى بعض شؤون الإمام المهدي (عج) خلال غيبته الكبرى.
ومعنى (المولى) في اللغة يشير إلى القريب أو الناصر أو المتصرّف في الأمر، مما يعني أنَّ هذا الشخص قد يكون مكلفاً بمهمة خاصة تتعلق بالإمام المهدي (عج)، سواء في حفظ أسراره أو إدارة بعض شؤونه أو التمهيد لظهوره.
ويمكن تشبيه دوره إلى حدٍّ ما بدور السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى، الذين كانوا حلقة الوصل بين الإمام وشيعته، إلا أنَّ الفرق هنا هو أنَّ هذا (المولى) في الغيبة الكبرى غير ظاهرٍ ولا يؤدي دوراً علنياً كما كان السفراء في الغيبة الصغرى.
الثاني: هذا الشخص غير معروف وليس هناك طريقٌ إلى معرفته، فالرواية لم تحدد اسماً أو أوصافاً واضحة لهذا (المولى)، مما يعني أنَّه يبقى مجهولاً للعامة، وربما حتى لأغلب الخواص؛ وذلك لحماية دوره وضمان استمرار مهمته دون أنْ يتعرَّض للخطر. كما أنَّ عدم تحديد هوية هذا الشخص في الروايات يشير إلى أن دوره ليس قيادة عامة أو سفارة معلنة، وإنما هو جزءٌ من التدبير الإلهي المستتر لحفظ الإمام ومشروعه.
الثالث: الرد على من يتخذ تلك الرواية طريقاً للبدعة، فبعض الجماعات المنحرفة استغلت هذا المفهوم لادعاء أنَّهم المولى الذي يلي أمر الإمام المهدي (عج)، أو أنَّ زعيمهم هو هذا الشخص المكلّف بإدارة شؤون الإمام، وهو أمرٌ باطلٌ لا أساس له من الصحة؛ إذ إنّ الرواية لم تعيّن شخصاً معيناً، ولم تعطِ أيَّة وسيلةٍ لمعرفة هذا المولى، ممّا يعني أنَّ أيّ ادّعاء بهذا الخصوص هو مجرد تخرصٍ وافتراء. ولو كان هناك شخصٌ معيَّنٌ يجب على الناس معرفته بوصفه «المولى الذي يلي أمره» لكان ذلك قد جاء بوضوحٍ في الروايات ولم يُترك للادعاءات الشخصية، فعدم تعيينه دليلٌ على أنَّ الأمر لا يخص عامة الناس، بل هو جزءٌ من التدبير الإلهيّ المحفوظ بعيداً عن التلاعب البشريّ.
وعليه، فإنّ أيّ شخص يزعم أنه «المولى» أو يدّعي أنَّه مخوّلٌ بإدارة شؤون الإمام المهدي (عج) علناً، يكون متقوّلاً على النصوص، ومدّعياً لما لم يثبت له شرعاً، وهو من أوضح مصاديق الابتداع في الدين.
اترك تعليق