هل عَزَّ الدينُ بالأئمَّة الاثني عشر؟
السؤال: يستدلُّ الشيعة بحديث «لا يزال الإسلام عزيزاً ما ولي الأمَّة اثني عشر رجلاً من قريش» وعند الرافضة لا يخلو الزمان من هؤلاء الاثني عشر، وعلى هذا فلابدَّ أنْ يكون الدين عزيزاً في كلِّ زمان بعد النبيّ إلى يوم القيامة، وهذا ما لا يقول به الشيعة، ولا السنة، وبه يسقط استدلال الرافضة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أنَّ الأحاديث الدالَّة على وجود اثني عشر شخصاً بعد رحيل النبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) مما اتفقت عليه كلمات العامَّة والخاصَّة على حدٍّ سواء، نذكر بعضاً منها.
1ـ ما رواه البخاريُّ بسنده الصحيح عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يقول: «يكون اثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: «كلّهم من قريش» [صحيح البخاريّ ج6 ص2640].
2ـ وما رواه مُسلم بسنده الصحيح عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فسمعته يقول: «إنَّ هذا الأمر لا ينقضي حتَّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة». قال: ثمَّ تكلَّم بكلامٍ خفِيَ عليَّ. قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» [صحيح مُسلم ج3 ص1452].
3ـ وما رواه أيضاً بسنده الصحيح عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً». ثمَّ تكلَّم النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) بكلمةٍ خفيت عليَّ. فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)؟ فقال: «كلّهم من قريش» [صحيح مُسلم ج3 ص1452].
4ـ وما رواه أيضاً بسنده الصحيح عن جابر بن سمرة قال: قال النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة». قال: ثمَّ تكلَّم بشيء لم أفهمه. فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: «كلّهم من قريش» [صحيح مُسلم ج3 ص1453].
5ـ وما رواه الترمذيُّ بسندٍ حسنٍ صحيحٍ عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً» قال: ثمَّ تكلَّم بشيء لم أفهمه، فسألت الذي يليني فقال: قال: «كلّهم من قريش» [سنن الترمذي ج4 ص80].
6ـ وما رواه علي بن الجَعْد البغداديُّ بسنده عن سماك بن حرب، وزياد بن علاقة، وحصين بن عبد الرحمن، كلّهم عن جابر بن سمرة أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قال: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً» غير أنَّ حصيناً قال في حديثه: ثمَّ تكلَّم بشيء لم أفهمه، وقال بعضهم من حديثه: فسألت أبي، وقال بعضهم: فسألت القوم فقال: «كلّهم من قريش» [مسند ابن الجعد ص390].
7ـ وما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ رسول الله، أو قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش»، قال: ثمَّ رجع إلى منزله، فأتته قريش، فقالوا: ثمَّ يكون ماذا؟ قال: «ثمَّ يكون الهرج» [مسند أحمد ج34 ص439].
8ـ وما رواه أيضاً بسنده عن عامر قال: حدَّثني جابر بن سمرة السوائي، قال: خطبنا رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فقال: «إنَّ هذا الدين لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» قال: ثمَّ تكلم رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) بكلمة لم أفهمها، وضجَّ الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» [مسند أحمد ج34 ص449].
9ـ وما رواه أبو داوود بسنده عن سماك قال: سمعتُ جابر بن سمرة يقول: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يخطب وهو يقول: «إنَّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، ثمَّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ؟ فقال: «كلّهم من قريش» [مسند أبي داوود ج2 ص127].
10ـ وما رواه الطبراني يسنده عن جابر بن سمرة، قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يخطب وهو يقول: «إنَّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» ثمَّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت: ما قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)؟ فقال: «كلّهم من قريش» [المعجم الكبير ج2 ص232]. إلى غيرها من الأحاديث الواردة في هذا المعنى.
إذا بان هذا فنقول: إنَّ الملاحظ في بعض ألفاظ الحديث ـ كما تقدَّم ـ أنها لا تتضمَّن فقرة (عِزِّ الإسلام) التي أشكل بها السائل، وبناءً على عدم وجودها ينتفي السؤال المذكور من أساسه، لابتنائه على ذلك، كما هو واضح.
وأمَّا بناءً على وجودها في الحديث ـ كما في البعض الآخر منها ـ فيُمكن التعليق عليها بما يلي:
أوَّلاً: الوارد في بعض ألفاظ الحديث ـ كما في الحديث الثالث المتقدِّم ـ أنَّ عزَّ الإسلام ومضي أمر الناس منوطٌ بتولِّي الاثني عشر رجلاً بعد رحيل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، والحال أنهم مُنعوا من ذلك قسراً. وعليه، فلو أمكن لهم التولِّي والحكم بعد النبيّ لبان عزُّ الإسلام بشكله الكامل.
ثانياً: يُمكن أنْ يراد من (عزِّ الإسلام) بقاوه واستمراره، وليس المراد منه تحقق الغلبة والقهر على جميع البلدان والأمكنة، وهذا المعنى متحققٌ وثابتٌ بوجود أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، كما هو واضح.
قال الشيخ محمَّد التنكابنيّ (طاب ثراه): (فإنْ قلت: يدفع التأييد قوله (صلَّى الله عليه وآله): «لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، لظهور الضعف في أكثر الأزمان. قلتُ: ليس المراد من كونه عزيزاً الغلبة المطلقة على البلدان، لظهور وفور الكفرة وأهل الطغيان فيما مضى من الدهور والأزمان، فالمراد بكونه عزيزاً استمرار هذا الدين على الوجه المقرر، وعدم اندراس نوره الذي يتحقق بتبعية الأئمَّة (عليهم السلام)، وأمَّا إرادة عموم التبعية أو غلبتها من العزَّة فغير لازمة) [سفينة النجاة ص386].
ثالثاً: إنَّ العز الحقيقي للإسلام والهيمنة الكبرى له ـ كما نعتقد ـ سوف تتحقق عند ظهور الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
1ـ فقد روى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمشْرِكُونَ﴾ [التوبة:33]، فقال: «والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتَّى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافرٌ بالله العظيم، ولا مشركٌ بالإمام إلَّا كره خروجه حتَّى أنْ لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني واقتله» [كمال الدين ص670].
2ـ وروى السيِّد شرف الدين الأستر آباديّ (طاب ثراه) بسنده عن عمران بن ميثم، عن عباية بن ربعي أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمشْرِكُونَ﴾ أظهر ذلك بعدُ؟ كلَّا والذي نفسي بيده حتَّى لا يبقى قرية إلَّا ونودي فيها بشهادة أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله بكرة وعشياً» [تأويل الآيات الظاهرة ج2 ص689].
والنتيجة المتحصَّلة من جميع ذلك، أنَّ ما ذكره السائل لا يُمكن القبول به بوجهٍ من الوجوه، لما بيناه.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق