ماهو دور الائمة الاثني عشر في الامة الاسلامية ؟ وهل اناا كمسلم سني ناكر للولاية هل انا مخلد في النار؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ الإجابةَ المُباشرةَ على هذا السؤال قد يكون فيها إجحافٌ للمنظورِ الشيعيّ للإمامة، وحتّى تمتلكَ الإجابةُ تبريراتِها الواقعيّة لابُدَّ مِن بيانٍ عامٍّ لمفهومِ الإمامة عند الشيعةِ للوقوفِ على التصوّرِ الذي يُميّزُهم عن أهلِ السّنّةِ فيما يخصُّ إمامةَ المُسلمين، فبعد الوقوفِ على منزلة الإمامة وضرورتِها في الفكر الإسلامي يمكنُ تفهّم الحكمِ القاسي الذي يلحقُ كُلَّ مَن يكفُر بها.
يرى الشيعةُ أنَّ إمامةَ أهلِ البيت (عليهم السلام) تُمثّل الإمتدادَ الطبيعيّ لقيادةِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله)، فالإمامةُ عندَهم منصبٌ إلهيّ يتمُّ تعينُه بالنصِّ الشرعيّ وليسَ مِن شأنِ الأمّةِ تحديدُ الأئمّةِ، أي أنَّ ولايةَ الإمامِ على المُسلمين على غرارِ ولاية الرّسول (صلى الله عليه وآله) بمعنى أنّها غيرُ خاضعةٍ لترشيحِ النّاسِ وبيعتِهم. وإنَّما تقومُ على التعيينِ المُباشرِ والإنتخابِ الإلهيّ.
هذا المنظورُ الخاصُّ للإمامةِ بعدَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) شكّلَ خطّاً مُعارِضاً لواقعِ الخلافةِ الإسلاميّةِ تاريخيّاً، كما أنَّهُ شكّلَ فهماً للإسلامِ يختلفُ في كثيرٍ مِن مبانيه عمّا هوَ موجودٌ عندَ أهلِ السّنةِ، حيثُ إنطلقَ الشيعةُ في فهمِهم للإسلامِ من واقعِ النّصِّ المُتمثلِ بالقرآنِ وأحاديثِ النّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) التي أمرَت الأمّةَ بضرورةِ الرّجوعِ إلى أهلِ البيت (ع)، كما قالَ رسول الله (ص) في الحديثِ المُتواترِ عندَ السّنّةِ: )إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي)، فتمسّكَ الشيعةُ بإمامةِ أهلِ البيت وإنقطعوا لهم، بوصفِهم النُّخبةَ المسؤولةَ عنِ الرّسالة وهمومِها المُستقبليّةِ، وقد أعدّهم الرسولُ (صلى الله عليه وآله) وأشرفَ على تأهيلِهم للقيامِ بهذا الدورِ، وبيّنَ فضلَهُم ومكانتَهُم للأُمّةِ، ولذلكَ طهّرهم اللهُ منَ الرجسِ دونَ غيرِهم، وأوجبَ على الأمّةِ مودّتَهم. وبالتالي أصبحوا يُمثلونَ خطّ المُعارضةِ لِما هوَ قائمٌ بالفعلِ مِن سُلطةٍ سياسيّة.
وإذا حاولنا الرّجوعَ إلى واقعِ الأُمّة في العهد الأوّلِ منَ الرّسالة، لوجدناها أُمّةً واحدةً تحتَ زعامةِ الرّسول (صلى الله عليه وآله)، ولا يمكنُ أن نُفسّرَ هذه الحقيقةَ إلّا بالقولِ أنّ الرّسولَ كانَ يُمثلُ مرجعيّةً معصومةً إلتفَّ حولَها الجميعُ، وبالتالي فإنَّ وجودَه الشّريفَ كان هو الضّامنَ لوحدةِ المُسلمين، فكان بمثابةِ صمّامِ أمانٍ لهذه الأُمّةِ، ومُجرّدَ ما إنتقلَ الرّسولُ (صلى الله عليه وآله) إلى الرّفيقِ الأعلى، إنفرط شملُ الأُمّةِ، وإنفلتَ عقدُ وحدتِها مِن بعده. ولو فرضنا جدلاً، أنَّ اللهَ أطالَ في عمرِ نبيّنا الأكرمِ (صلى الله عليه وآله) إلى يومِنا هذا، فهَل يمكنُ أن نتصوّرَ وجودَ هذه الفرقِ والطّوائف؟
كذلك الحالُ لو فرَضنا وجودَ إمامٍ معصومٍ، مُعيّنٍ مِن قبلِ اللهِ ورسوله، فحينئذٍ لا يمكنُ تصوّرُ أيّ فِرَقٍ أو طوائف، إذ يُمثّلُ هذا الإمامُ المحورَ الذي تدورُ حولَه الأُمّة، الأمرُ الذي يجعلنا نحكمُ يقيناً بأنَّ إيمانَ الشيعةِ بضرورةِ المعصومِ، إيمانٌ ينطلقُ منَ الحرصِ على مُستقبلِ الرّسالةِ ووحدةِ المُسلمين، فلَم يُسلَّ سيفٌ بينَ المسلمين إلّا بسببِ إستبعادِ الأُمّةِ لهذا الخيار، الأمرُ الذي جعلَ الأُمّةَ مسؤولةً عن هذا التشرذمِ والإختلافِ؛ لأنَّ الضمانَ الوحيدَ الذي يُحقّقُ وحدةَ الأُمّةِ هو القيادةُ المَعصومة.
وفي حالِ إستبعدنا خيارَ الإمامةِ المعصومة، فلا يمكنُ أن تكونَ الأُمّةُ قادرةً على إقامةِ البديلِ عنه، ولا يمكن أن نُحمّلها مسؤوليةَ القيامِ بذلك، بوصفِه أمراً خارجاً عن إرادةِ الأُمّةِ، وبعيداً عن حدودِ إمكاناتِها، فصاحبُ الرّسالةِ هو المسؤولُ عن تحقيقِ ما يكونُ ضماناً لحفظِها، بتوفيرِ كلِّ الشّروطِ التي تضمنُ وحدةَ الرّسالةِ ومُستقبلها.
ومنَ المعلومِ أنَّ اللهَ هو الذي تكفّلَ بإختيارِ الرّسلِ، ولم يوكِل هذا الأمرَ للنّاسِ، فليس بإستطاعتِهم معرفة مَن يكونُ مؤهّلاً لهذهِ الأمانةِ، هذا الأمرُ هو ذاتُه ينطبقُ على مَن يتكفّلُ بحفظِ الرسالة مِن بعدِ الرّسولِ، بل قد يكونُ حفظُ الرّسالةِ وتجسيدُها وفهمُها، أكثرَ تعقيداً، ممّا يعني ضرورةَ تدخّلِ الإرادةِ الإلهيّةِ لتنصيبِ مَن يقومُ بهذا الدور.
وفي المُقابلِ لو إفترضنا أنّ الإسلام لم يهتمَّ بتنصيبِ المرجعيّةِ المعصومةِ التي تقومُ بالدّورِ المعرفيّ المُتمثّلِ في بيانِ حقائقِ الإسلام، والدورِ الإجتماعيّ والسّياسيّ المُتمثّلِ في الحفاظِ على المسيرِ المُستقبليّ للمُسلمينَ، فحينَها تكونُ الأمّةُ في حِلٍّ عن أيّ مسؤوليّةٍ؛ بل قد يجدونَ لأنفسِهم عُذراً فيما أحدثوهُ مِن إختلافاتٍ وتمذهُبٍ وفُرقةٍ، حيثُ يمكنُهم الإحتجاجُ بالقول: بأنَّ اللهَ لم يخلُقهم في عهدِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لكَي يلتفّوا حولَه ويعصمَهم منَ الفرقة؟ أو أنَّ اللهَ لم يُطِل عُمرَ نبيّه (صلى الله عليه وآله) آلافَ السّنين حتى ينعمَ جميعُ المُسلمينَ بقيادتِه، ومنَ الواضحِ تماماً، أنّ كلا الخيارين يُمثّلان ضمانةً لعصمةِ الأُمّةِ منَ الإختلاف، وكلاهما خارجانِ عن إرادةِ الأُمّةِ، فيصبحونَ بذلك معذورينَ أمام الله، ولا تكونُ للهِ الحُجّةُ البالغةُ عليهم، وهذا خلافُ قولِه تعالى: (للهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ)، وهذا ما لا يمكنُ قبوله، ولا يستقيمُ فهمُنا لهذهِ الآيةِ إلّا بالقولِ أنّ اللهَ قد عيّنَ لهذهِ الأُمّةِ أئمّةً معصومينَ، إنتجبَهم اللهُ ليكونوا قادةً، وبذلكَ تُصبحُ الأمّةُ مسؤولةً إذا لم تتّخذَهم أئمّةً.
هذهِ الضّرورةُ العقليّة والحالةُ الفطريّة تُمثّل الرّكيزةَ الأولى للخيارِ الشيعيّ، ومنَ الواضحِ أنَّ هذا الخيارَ يصطدمُ مع واقعِ التجربةِ التي حكمَت الأُمّةَ، ولذا ضحّوا بتلك التجربةِ في قِبال الإنتصارِ للنصِّ وحُكمِ العقلِ والفطرة، أمّا الذينَ رفضوا الإمامةَ المعصومةَ إنّما ضحّوا بها مِن أجلِ الحفاظِ على تجربةِ الصحابةِ في الخلافةِ والقيادةِ، فالمُسلمُ بينَ خيارين: بينَ التمرّدِ على حُكمِ العقلِ والنّقلِ، أو التمرّدِ على واقعِ التجربةِ الإسلاميّة.
فالدين الذي جاءَ بما يوافقُ فطرةَ البشرِ، وأمرَهم أن يتحاكموا إلى العقلِ، لا يمكنُ أن يتجاوزَ هذه الحقيقةِ، التي عليها إجماعُ كلِّ العقلاءِ، وهي أنَّ المرجعيّةَ المعصومةَ متى ما وُجدَت شكّلت ضماناً لوحدةِ الإسلام والمُسلمين، وبالتالي نجدُ القرآنَ وأحاديثَ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد أكّدت هذهِ الحقيقةَ. ولكَي يتّضحَ هذا الأمرُ لابُدَّ منَ الإشارةِ إلى أنّ حقيقةَ الدينِ تتمثّلُ في الطاعةِ بوصفِها الأساسَ للنظامِ الدّينيّ، فطاعةُ اللهِ والتسليمُ له تُمثّلُ الرّابطَ الحقيقيّ بينَ العبدِ وربّه، ومنَ المعلومِ عندَ كلّ المسلمينَ أنّ هذهِ الطاعةَ لا تتحقّقُ بشكلٍ مُباشرٍ، وإنّما عبرَ طاعةِ الرّسول (صلى الله عليه وآله)، فمَن أطاعَ الرّسولَ فقد أطاعَ الله، وهذا إعتقادُ كافّةِ المُسلمين.
ولكنّ معظمَ المُسلمين يتوقّفونَ عندَ هذا الحدّ، ولا يعترفونَ بطاعةٍ خاصّةً لمّن يأتي بعدَ الرّسول (صلى الله عليه وآله)، وبذلك تتشكّلُ مُفارقةٌ كُبرى بينَ الإسلامِ في الوعيّ الشيعيّ وبين الإسلام السّنّيّ، فالشيعةُ يعتقدونَ بضرورةِ وجودِ إمامٍ معصومٍ، تكونُ له منَ الطّاعةِ كما كانَ للرّسولِ (صلى الله عليه وآله)، وهذا بخلافِ الفكرِ السّنّيّ، الذي رفضَ تحديدَ شخصٍ بعينِه تكونُ لهُ الإمامةُ.
وقد وقعَ الفكرُ السّنيّ بشكلٍ مباشرٍ، في طاعةِ كلِّ مَن يتحكّم ويستلمُ زمامَ الأمور، فالطاعةُ حقيقةٌ تلازمُ الإنسانَ، وضرورةٌ لقيامِ المُجتمع، فإمّا الطاعةُ لأولياءِ الله، وإمّا الطاعةُ لأولياءِ الشيطان.
فالقول أنَّ الدينَ يتحقّقُ بطاعةِ اللهِ ورسولِه فقط، قولٌ مُخالفٌ لبداهةِ العقلِ ونصِّ القرآنِ؛ لأنَّ الدينَ لا يكتملُ إلّا بثلاثة محاورَ تُمثلُ حقيقةَ الطّاعة، وهيَ اللهُ ورسولُه والأئمّةُ مِن بعدِه، وذلكَ في قولِه تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم).
ولو حاولنا التدبّرَ في هذهِ الآية، فسنكتشفُ أنَّ الإمامَ المعصومَ هوَ المُكمّلُ للدّين، وهوَ المحورُ الذي غفلَت عنهُ الأُمّةُ، فإنَّ اللهَ قد أوجبَ في هذه الآية طاعتَه وطاعةَ رسولِه، وإستخدمَ في ذلكَ لفظة (أطيعوا)، وقد تكرّرت هذهِ اللفظةُ مرّتين في الآيةِ، في موردِ طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسوله، ولم تتكرّر في موردِ طاعةِ أولي الأمر، بل عطفَت طاعتَهم على طاعةِ الرّسولِ، ممّا يعني أنّ طاعةَ أولي الأمر هيَ نفسُ طاعةِ الرّسول، من دونِ أيّ شرطٍ أو تفريقٍ في الطاعةِ، ولو أرادَ اللهُ التفريقَ بينَ الطّاعتينِ لأمكنَه إستخدامُ لفظةِ (وأطيعوا) مرّةً ثالثةً، فتكونُ الآيةُ: (أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأطيعوا أولي الأمر)، فحينئذٍ يمكنُنا القولُ أنَّ طاعةَ أولي الأمرِ تختلفُ عن طاعةِ الرّسول.
وبما أنَّ اللهَ تعالى قد عطفَ طاعةَ أولي الأمر على طاعةِ الرّسول، والمعطوفُ يشملُه حكمُ المعطوفِ عليه جملةً وتفصيلاً، فتكونُ طاعةُ وليّ الأمرِ حينئذٍ بنفسِ درجةِ طاعةِ الرّسول، فإن كانت طاعةُ الرّسولِ مُطلقةً من دونِ أيّ شرطٍ أو قيدٍ، فطاعةُ وليّ الأمرِ كذلك، ومِن هُنا، فإنّ هذهِ الآيةَ لا تتركُ مجالاً لكلِّ مَن يحاولُ أن يضعَ شروطاً لطاعةِ وليّ الأمرِ، لأنّها طاعةٌ مُطلقةٌ على سبيلِ الجزمِ والحتمِ.
ومنَ الواضحِ أنَّ مَن يأمرُ اللهُ بطاعتِه على سبيلِ الجزمِ والحتمِ لا بدَّ أن يكونَ معصوماً، إذ كيفَ يأمرُنا بطاعتِه مُطلقاً وقد يُحتملُ منهُ الخطأ، وقد أمرَنا اللهُ بتركِ الخطأ، بل قَد وعدَ بحسابِ مَن يرتكبُ مثقالَ ذرّةٍ منَ الخطأ: (وَمَنْ يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، الأمرُ الذي يؤدّي إلى إجتماعِ النّقيضينِ، وهوَ الأمرُ بالخطأ والنهيُّ عنِ الخطأ في نفسِ الوقت، ومِن هُنا فإنَّ العقلَ والشّرعَ يتّفقانِ في إشتراطِ العصمةِ للإمام.
وإذا رجعنا لآيةٍ أخرى في القرآن، وهي قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، سنجدُ أنَّ الآيةَ قَد أكّدَت على طهارةِ أهلِ البيتِ خاصّةً دونَ غيرِهم، وبعيداً عن مناقشةِ ما المقصودُ مِن أهلِ البيت في هذهِ الآية، نجدُ أنَّ الذينَ أطلقَ القُرآنَ عليهم (أهلَ البيت) قد خصّهم اللهُ بالطّهارةِ، ممّا يعني أنَّ هؤلاءِ لا يصيبُهم مثقالُ ذرّةٍ منَ الرّجس؛ لأنَّ كلَّ ذنبٍ صغيرٍ أو كبيرٍ هو رجسٌ مِن عملِ الشيطانِ، فإذا تكفّلَ اللهُ لهم بالطّهارةِ، يكونُ قد تكفّلَ لهم بالعصمةِ قولاً واحداً، ولا يمكنُ أن نجدَ لها معنىً آخر إلّا غروراً وبهتاناً.
فإذا قبِلنا بهذا المعنى ورجعنا لآيةِ الطّاعةِ، نستفيدُ الآتي: (أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرّسولَ وأهلَ البيت)، ونكتشفُ بذلك، أنّ ملامحَ مُستقبلِ الرّسالةِ قد بدأت بالوضوحِ، وهيَ أنَّ أهلَ البيتِ هُم مَن يستلمونَ الرّايةَ مِن بعدِ الرّسولِ (ص)، ويؤكّد هذا المعنى الحديثُ الذي أجمعَت على روايتِه كلُّ المذاهبِ والفِرقِ، وهوَ قولُ الرّسولِ (صلى الله عليه وآله): (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتابَ الله وعترتي أهل بيتي ...
) ، وهذهِ دلالةٌ واضحةٌ، لا تحتاجُ إلى كبيرِ عناءٍ لشرحِها وفهمِها، فقد أكّدَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديثِ، على أنَّ عدمَ ضلالةِ هذهِ الأُمّةِ هو بالتمسّكِ بالكتابِ وأهلِ البيت (عليهم السّلام)، الأمرُ الذي يرجعُنا لِما ذكرناهُ سابقاً، وهوَ أنَّ إختلافَ هذهِ الأُمّةِ وتفرّقها كانَ بسببِ عدمِ إتّباعِ القيادةِ المعصومةِ.
وإنّ تجاهلَ الأُمّةِ لقيادةِ أهلِ البيت، لم يكُن لعدمِ وجودِ دليلٍ يدلُّ على إمامتِهم، وإنّما كانَ تماشياً معَ واقعِ التجربةِ، وإستسلاماً لضغوطِ الواقعِ، وإلّا كيفَ نفهمُ أنّ الإمامَ الحُسينَ إبنَ بنتِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، لم يجِد ناصراً مِن هذهِ الأمّةِ إلّا سبعينَ رجُلاً.
والأمرُ الذي يجبُ تأكيدُه هُنا، هوَ أنّ مسارَ الرسالةِ في الفهمِ الشّيعيّ لا يتحقّقُ بشكلِه الطبيعيّ، إلا بقيادةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، فهُم الضمانةُ لتحقيقِ فهمٍ مُوحّدٍ للإسلامِ ومسيرةٍ مُوحّدةٍ للمُسلمين، وعليهِ؛ فإنّ حاجةَ الأُمّةِ للإمامِ ليسَ على مُستوى الضرورةِ السّياسيّةِ والإجتماعيّة فحسب، معَ ما تمثّلهُ هذهِ الحاجةُ مِن أهميّةٍ لنظمِ أمرِ المُسلمين، وتحديدِ خياراتِهم المُستقبليّةِ وضبطِ رؤيتِهم الإستراتيجيّةِ، إلّا أنّ الإمامَ معَ ذلكَ يقومُ بالدّورِ المحوريّ لبيانِ مضامينِ هذهِ الرّسالة، وتفهيمِ الأُمّةِ وتوعيتِها بحقيقةِ الإسلامِ، بوصفِه المرجعيّةَ التي تُحقّقُ فهمَ النّصِّ، والجهةَ الموثوقةَ لبيانِ مدلولاتِ الرّسالةِ وتحديدِ مُراداتِ اللهِ عزّ وجل، ولذلكَ لا يمكنُ الإكتفاءُ بالنصِّ دونَ آليّةٍ تضبطُ فهمَ ذلكَ النّصِّ، وهذهِ الخطوةُ ضروريّةٌ للخطوةِ التي تليها، وهيَ تحويلُ الرّسالةِ إلى حقيقةٍ خارجيّةٍ لها تجسّدها العينيّ، وتفاعلها معَ حاجةِ الإنسانِ الواقعيّة، وبالتالي لا نكونُ قد تجاوَزنا الواقعَ إذا قُلنا أنَّ الإمامَ هوَ التطبيقُ العمليّ للتوحيدِ والتجسيدُ الحقيقيّ للرّسالةِ.
وهذا النوعُ منَ الفهمِ هو الذي يُحقّق تمامَ المشروعِ وكمالَه، بذلكَ نفهمُ عشراتِ النّصوصِ التي جعلَت قبولَ الأعمالِ منوطٌ بولايةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، فعَن أبي سعيدٍ الخُدري قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقول: (لو أنَّ عبداً عبدَ اللهَ ألفَ عامٍ ما بينَ الرّكنِ والمقام، ثمَّ ذُبحَ كما يُذبحُ الكبشُ مظلوماً، لبعثَهُ اللهُ معَ النّفرِ الذين يقتدي بهم، وبهُداهم يهتدي، ويسيرُ بسيرتِهم، إن جنّةً فجنّة وإن ناراً فنار) .
جاء في حديثٍ عنِ الإمامِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ الصّادق (ع)، قالَ: (إنَّ أوّلَ ما يُسألُ عنهُ العبدُ إذا وقفَ بين يدي اللهِ جلّ جلاله، عنِ الصّلواتِ المفروضاتِ، وعنِ الزّكاةِ المفروضة، وعن الصيامِ المفروضِ، وعنِ الحجّ المفروض، وعن ولايتِنا أهلَ البيت، فإن أقرَّ بولايتِنا ثمّ ماتَ عليها قُبلَت منهُ صلاتُه، وصومُه، وزكاتُه، وحجّه، وإن لم يُقِرَّ بولايتِنا بينَ يدي اللهِ جلّ جلاله، لم يقبَل اللهُ عزّ وجلّ منهُ شيئاً مِن أعمالِه) .
وعَن عليٍّ (ع) كانَ يقول: (لا خيرَ في الدّنيا إلّا لأحدِ رجلين، رجلٌ يزدادُ كلَّ يومٍ إحساناً، ورجلٌ يتداركُ سيّئتَه بالتوبةِ، وأنّى له بالتوبةِ؟ واللهِ لو سجدَ حتّى ينقطعَ عُنقُه، ما قبلَ اللهُ منه إلّا بولايتِنا أهلَ البيت) .
وعَن أنس بنِ مالك، عَن رسولِ الله (صلى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) قالَ: (معاشرَ النّاس إليَّ إليَّ، إذا ذُكر آلُ إبراهيم (ع) تهلّلت وجوهكُم وإذا ذُكر آلُ محمّد كأنّما يُفقأ في وجوهِكُم حبُّ الرّمّان؟ فوالذي بعثني بالحقِّ نبيّاً لو جاء أحدُكم يومَ القيامةِ بأعمالٍ كأمثالِ الجبلِ، ولم يجئ بولايةِ عليٍّ بن أبي طالب (ع)، لأكبّه اللهُ عزّ وجلّ في النّار) ..
وغيرُ ذلكَ منَ الرّواياتِ، التي تشهدُ بنفسِها على صحّتها، لأنّها تُثبتُ قضايا ثابتةً منَ العقلِ والدينِ بالضّرورة.
فمَن يُمثلُ اللهَ لا بدَّ أن يكونَ مُعيَّناً منه، ولا يمكنُ الوصولُ إليه عبرَ الشورى والإنتخاب، وهذا ما يؤكّدُ إصرارَ الشّيعةِ على أنَّ الإمامةَ فريضةٌ إلهيّةٌ، بوصفِ الإمام مُمثّلاً عن الله.
اترك تعليق