دعاء يستشير

السؤال: ما هو رأيكم بدعاء يستشير؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

 بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم ـ عزيزي السائل ـ أنَّ المراد من دعاء (يستشير) هو الدعاء المعروف الذي يبدأ بقوله (عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا إله إلَّا هو الملك المبين، المدبِّر بلا وزير، ولا خلقٍ من عباده يستشير...»، وقد سُمِّي بهذا الاسم لتضمنه فقرة: «ولا خَلْقٍ من عباده يستشير»، كما هو الظاهر.

إذا بان هذا ينبغي الكلام في أمرين:

الأمر الأوَّل: مصدر الدعاء وفضله:

فقد رواه السيِّد رضي الدين ابن طاووس (طاب ثراه) بالإسناد عن الحرث بن عمير، عن جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «علَّمني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) هذا الدعاء، وأمرني أنْ أحتفظ في كلِّ ساعة لكلِّ شدَّة ورخاء، وأنْ أعلِّمه خليفتي من بعدي، وأمرني أنْ لا أفارقه طول عمري حتَّى ألقى الله (عزَّ وجلَّ) غداً بهذا، وقال: قل لي حين تصبح وتمسي هذا الدعاء، فإنَّه كنزٌ من كنوز العرش، قلت: ما أقول؟ قال: قل هذا الدعاء الذي أنا ذاكره بعد تفسير ثوابه، فلما فرغ النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) قال له أبي بن كعب الأنصاريّ: فما لمن دعا بهذا الدعاء من الأجر والثواب يا رسول الله؟ فقال له: اسكن يا أبي بن كعب الأنصاريّ، يقطع منطق قول العلماء عما لصاحب هذا الدعاء عند الله (عزَّ وجلَّ) من المزيد والكرامة، قال: بأبي أنت وأمي بيِّن لنا وحدِّثنا ما ثواب هذا الدعاء؟ فضحك رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وقال: إنَّ ابن آدم حريصٌ على منع، سأخبركم ببعض ثواب هذا الدعاء، أمَّا صاحبه حين يدعو الله (عزَّ وجلَّ) يتأثر عليه البر من مفرق رأسه من أعنان السماء إلى الأرض، وينزل الله (عزَّ وجلَّ) عليه السكينة وتغشاه الرحمة ولا يكون لهذا الدعاء منتهى دون عرش ربّ العالمين، له دويٌّ حول العرش كدويّ النحل، وينظر الله (عزَّ وجلَّ) إلى من دعا بهذا الدعاء، ومن دعا به ثلاث مرَّات لا يسأل الله (جلَّ اسمه) شيئاً من الخير في الدنيا والآخرة إلَّا أعطاه سؤله بهذا الدعاء، ومنحه إياه وينجيه الله من عذاب القبر ويصرف الله (عزَّ وجلَّ) به عنه ضيق الصدر، فإذا كان يوم القيامة وافى صاحب هذا الدعاء على نجيةٍ من درَّةٍ بيضاء فيقوم بين يدي رب العالمين ويأمر الله (عزَّ وجلَّ) له بالكرامة كلِّها، ويقول الله (تبارك وتعالى): عبدي تبوَّء من الجنَّة حيث تشاء، مع ما له عند الله (عزَّ وجلَّ) من المزيد والكرامة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلوب المخلوقين ولا ألسنة الواصفين. فقال له سلمان الفارسيُّ (رحمه الله): زدنا من ثواب هذا الدعاء جعلني الله فداك؟ قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): يا أبا عبد الله، والذي بعثني بالحق نبيَّاً لو دُعِي بهذا الدعاء على مجنونٍ لأفاق من جنونه من ساعته، ولو دُعِي به عند امرأة قد عسر عليها الولد لسهَّل الله عليها خروج ولدها أسرع من طرفة عين، ولو دُعِي بهذا الدعاء على عاقٍّ لوالديه لأصلحه الله لوالديه من ساعته، نعم يا سلمان، والذي بعثني بالحق نبيَّاً ما من عبدٍ دعا الله (عزَّ وجلَّ) بهذا أربعين ليلة من ليالي الجمع خاصَّة إلَّا غفر الله (عزَّ وجلَّ) له ما كان بينه وبين الآدميين وما بينه وبين ربّه، والذي بعثني بالحق نبيَّاً يا سلمان ما من أحد دعا الله (عزَّ وجلَّ) بهذا الدعاء إلَّا أخرج الله عن قلبه غموم الدنيا وهمومها وأمراضها، نعم يا سلمان من دعا الله (عزَّ وجلَّ) بهذا الدعاء أحسنه أم لم يحسنه ثمَّ نام في فراشه وهو ينوي رجاء ثوابه بعث الله (عزَّ وجلَّ) بكلِّ حرفٍ من هذا الدعاء ألف ملك من الكروبيين وجوههم أحسن من الشمس والقمر ليلة البدر. فقال له سلمان: يعطي الله (عزَّ وجلَّ) هذا العبد بهذا الدعاء كلَّ هذا الثواب؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله): يا سلمان، لا تخبرنَّ به للناس حتَّى أخبرك بأعظم مما أخبرتك به، فقال له سلمان: يا رسول الله، ولم تأمرني بكتمان ذلك؟ قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): أخشى أنْ يَدَعُوا العمل ويتّكلوا على الدعاء. فقال سلمان: أخبرني يا رسول الله. قال: نعم أخبرك يا سلمان، أنَّه من دعا بهذا الدعاء وكان في حياته وقد ارتكب الكبائر ثمَّ مات من ليلته أو من يومه بعد ما دعا الله (عزَّ وجلَّ) بهذا الدعاء مات شهيداً، وإنْ مات يا سلمان على غير توبةٍ غفر الله له ذنوبه بكرمه و عفوه» [مهج الدعوات ص165، وينظر: البلد الأمين ص380، بحار الأنوار ج54 ص36].

الأمر الثاني: اعتبار الدعاء وصحته:

إنَّ الأدعية بشكلٍ عامٍّ ـ ومنها دعاء يستشير ـ لا يشترط فيها صحَّة السند، وإنَّما المدار على صحَّة المضمون كما صرَّح بذلك الأعلام [يُنظر: استفتاءات مكتب السيِّد السيستاني دام ظلُّه ص479].

وقال الشيخ الصافيّ (طاب ثراه): (في باب الدعاء، إذا كانت مضامينه مقبولةً يؤيدها الشرع فإنَّ تلاوته راجحة ومستحبَّة - إلى قوله (طاب ثراه) - وتزيد من اعتبار الدعاء: قوَّة متنه وألفاظه ومضامينه، وهذا ما يعرفه العارفون باللغة وبأخبار وكلام أهل البيت (عليهم السلام)، وبالأدعية الواردة عنهم، كما أنَّهم يدركون من خلال ملاحظة ضعف سبك عبارات بعض الأدعية ومضامينها غير السامية عدم صدورها عنهم (عليهم السلام)) [أنوار الولاية ص28].

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم: أنَّ دعاء (يستشير) من الأدعية المعروفة والمقبولة، لصحَّة مضمونه وعلو شأنه وفضله .. والحمد لله ربِّ العالمين.