من وشى بالإمام الكاظم (ع)؟

السؤال: من هم الذين وشوا بالإمام الكاظم (عليه ‌السلام) إلى هارون العبَّاسي؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لا بأس أنْ يُعلم بأنَّ أصل الوشاية بالإمام الكاظم (عليه السلام) نابعٌ من الحسد، وذلك لما فضَّلهم الله به على العالمين؛ ولذلك ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54]، أنَّهم هم المحسودون.

فقد روى الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال - في معنى الآية -: «نحن المحسودون» [الكافي ج1 ص ٢٠٦].

إذا اتضح هذا فنقول: ذُكِر في بعض الأخبار أنَّ هناك مجموعةً من الأشخاص الذين وشوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) للحاكم العبَّاسيّ، نستعرض أسماءهم مع إيكال التحقيق في المسألة إلى محلِّه، وهم:

أوَّلاً: محمَّد بن جعفر الصادق:

1ـ فقد روى الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن موسى بن القاسم البجليّ

، عن علي بن جعفر قال: «جاءني محمَّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمَّد، وذكر لي: أنَّ محمَّد بن جعفر دخل على هارون الرشيد، فسلَّم عليه بالخلافة، ثمَّ قال له: ما ظننتُ أنَّ في الأرض خليفتين حتَّى رأيت أخي موسى بن جعفر (عليهما السلام) يسلَّم عليه بالخلافة» [عيون أخبار الرضا ج2 ص72].

2ـ وقال الشيخ الإربليُّ (طاب ثراه): (ومات في حبس الرشيد، وقيل: سعى به جماعةٌ من أهل بيته، منهم محمَّد بن جعفر بن محمَّد أخوه، ومحمَّد بن إسماعيل بن جعفر ابن أخيه. والله أعلم) [كشف الغمَّة ج3 ص45].

ثانياً: علي بن إسماعيل بن جعفر الصادق:

1ـ فقد روى الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن علي بن محمَّد بن سليمان النوفليّ، عن صالح بن علي بن عطية، وفيه قوله: «ألا تدلَّني على رجلٍ من آل أبي طالب له رغبةٌ في الدنيا فأوسع له منها؟ قال: بلى، أدلُّك على رجلٍ بهذه الصفة، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر.

فأرسل إليه يحيى فقال: أخبرني عن عمِّك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه؟ فقال له: عندي الخبر، وسعى بعمِّه فكان من سعايته أنْ قال: من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعةً تسمَّى البشريَّة بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال قال البائع: لا أريد هذا النقد، أريد نقداً كذا وكذا، فأمر بها فصبَّت في بيت ماله، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد، ووزنه في ثمن الضيعة.

قال النوفليُّ: قال أبي: وكان موسى بن جعفر (عليهما السلام) يأمر لعلي بن إسماعيل ويثق به، حتَّى ربما خرج الكتاب منه بعض شيعته بخطّ علي بن إسماعيل، ثمَّ استوحش منه، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر أنَّ علياً ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق فأرسل إليه، مالك والخروج مع السلطان؟! قال: لأنَّ عليَّ ديناً. فقال: دينك عليَّ. قال: فتدبير عيالي؟! قال: أنا أكفيهم فأبى إلَّا الخروج فأرسل إليه مع أخيه محمَّد بن إسماعيل بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم، فقال له: اجعل هذا في جهازك ولا تؤتِم ولدي» [عيون أخبار الرضا ج1 ص72].

2ـ وروى الشيخ المفيد عن علي بن محمَّد النوفليّ، عن أبيه، وأحمد بن محمَّد بن سعيد، وأبو محمَّد الحسن ابن محمَّد بن يحيى، عن مشايخهم، وفيه: «ثمَّ قال يوماً لبعض ثقاته: تعرفون لي رجلاً من آل أبي طالب ليس بواسع الحال، يعرفني ما أحتاج إليه؟ فدُلَّ على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمَّد، فحمل إليه يحيى بن خالد مالاً - وكان موسى بن جعفر (عليه السلام) يأنس بعلي بن إسماعيل ويصله ويبرَّه - ثمَّ أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغِّبه في قصد الرشيد ويعده بالإحسان إليه، فعمل على ذلك، وأحسَّ به موسى (عليه السلام) فدعاه فقال له: إلى أين يا بن أخي؟ قال: إلى بغداد. قال: وما تصنع؟ قال: عليَّ دينٌ وأنا معلق.

فقال له موسى: فأنا أقضي دينك وأفعل بك وأصنع.

فلم يلتفت إلى ذلك، وعمل على الخروج، فاستدعاه أبو الحسن فقال له: أنت خارج؟ قال: نعم، لابدَّ لي من ذلك. فقال له: انظر يا بن أخي واتَّقِ الله، ولا تؤتم أولادي.

وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم، فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لمن حضره: والله ليسعينّ في دمي، ويؤتمنَّ أولادي. فقالوا له: جعلنا الله فداك، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله! قال لهم: نعم... قالوا: فخرج علي بن إسماعيل حتَّى أتى يحيى بن خالد، فتعرَّف منه خبر موسى بن جعفر (عليهما السلام) ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه، ثمَّ أوصله إلى الرشيد فسأله عن عمِّه فسعى به إليه وقال له: إنَّ الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وأنه اشترى ضيعة سمَّاها اليسيرة بثلاثين ألف دينار... فسمع ذلك منه الرشيد وأمر له بمائتي ألف درهم... وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج، وبدأ بالمدينة فقبض فيها على أبي الحسن موسى (عليه السلام)» [الإرشاد ج2 ص237، وانظر: مقاتل الطالبيين ص333، الغيبة للطوسيّ ص27، روضة الواعظين ص ٢١٨، وغيرها].

ثالثاً: محمَّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق:

1ـ فقد روى الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن علي بن جعفر قال: «جاءني محمَّد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذٍ بمكَّة، فقال: يا عمّ، إنّي أريد بغداد وقد أحببت أنْ أودِّع عمِّي أبا الحسن ـ يعني: موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ وأحببت أنْ تذهب معي إليه... فدنا منه فقبَّل رأسه وقال: جعلت فداك أوصني فقال: أوصيك أنْ تتقي الله في دمي، فقال مجيباً له: من أرادك بسوءٍ فعل الله به. وجعل يدعو على من يريده بسوء، ثمَّ عاد فقبَّل رأسه، فقال: يا عمّ أوصني. فقال: أوصيك أنْ تتقي الله في دمي، فقال: من أرادك بسوء فعل الله به وفعل، ثمَّ عاد فقبَّل رأسه، ثمَّ قال: يا عمّ أوصني، فقال: أوصيك أنْ تتقي الله في دمي، فدعا على من أراده بسوء، ثمَّ تنحَّى عنه ومضيت معه فقال لي أخي: يا علي، مكانك فقمت مكاني فدخل منزله، ثم دعاني فدخلتُ إليه فتناول صرَّة فيها مائة دينار فأعطانيها وقال: قل لابن أخيك يستعين بها على سرٍّه، قال عليٌّ: فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ثمَّ ناولني مائةً أخرى وقال: أعطه أيضاً، ثم ناولني صرَّةً أخرى وقال: أعطه أيضاً فقلت: جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت، فلم تعينه على نفسك؟ فقال: إذاً وصلته وقطعني قطع الله أجله، ثمَّ تناول مخدَّة أدم، فيها ثلاثة آلاف درهم وضح وقال: أعطه هذه أيضاً قال: فخرجتُ إليه فأعطيته المائة الأولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمِّه، ثمَّ أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتَّى ظننتُ أنه سيرجع ولا يخرج، ثمَّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتَّى دخل على هارون فسلَّم عليه بالخلافة وقال: ما ظننتُ أنَّ في الأرض خليفتين حتَّى رأيتُ عمِّي موسى بن جعفر يسلَّم عليه بالخلافة، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم، فرماه الله بالذبحة فما نظر منها إلى درهم ولا مسه» [الكافي ج1 ص485].

2ـ وروى الشيخ الكشيّ (طاب ثراه) عن علي بن جعفر بن محمَّد (عليه السلام)، قال: «جاءني محمَّد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أنْ أسال أبا الحسن موسى (عليه السلام) أنْ يأذن له في الخروج إلى العراق... قال: فلما خرج قلت له: إنَّ ابن أخيك محمَّد بن إسماعيل يسألك أنْ تأذن له في الخروج إلى العراق وأنْ توصيه، فأذن له (عليه السلام)، فلما رجع إلى مجلسه قام محمَّد بن إسماعيل وقال: يا عمّ، أحبُّ أنْ توصيني فقال: أوصيك أنْ تتقي الله في دمي، فقال: لعن الله من يسعى في دمك. ثمَّ قال: يا عم أوصني، فقال: أوصيك أنْ تتقي الله في دمي، قال: ثمَّ ناوله أبو الحسن (عليه السلام) صرَّة فيها مائة وخمسون ديناراً، فقبضها محمَّد ثمَّ ناوله أُخرى فيها مائةٌ وخمسون ديناراً فقبضها، ثمَّ أعطاه صرَّةً أُخرى فيها مائة وخمسون ديناراً فقبضها، ثمَّ أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك واستكثرته فقال: هذا ليكون أوكد لحجَّتي إذا قطعني ووصلته.

قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أنْ ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين إنَّ محمَّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمَّد بالباب .... فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين، خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج؟ فقال: والله، فقال: والله، قال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلما قبضها وحمل إلى منزلة، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحول من الغد المال الذي حمل إليه» [اختيار معرفة الرجال ج2 ص540].

3ـ روى أيضاً (طاب ثراه) عن علي بن جعفر، قال: «سمعتُ أخي موسى (عليه السلام) قال: قال أبي لعبد الله أخي: إليك ابني أخيك، فقد ملآني بالسفه، فإنهما شرك شيطان - يعني: محمَّد بن إسماعيل بن جعفر، وعلي بن إسماعيل -، وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه) [اختيار معرفة الرجال ج2 ص542].

رابعاً: يعقوب بن داوود:

فقد قال الشيخ الصدوق (طاب ثراه) : (وكان ممن سعى بموسى بن جعفر (عليهما السلام) يعقوب بن داوود، وكان يرى رأي الزيديَّة) [عيون أخبار الرضا ج2 ص72].

والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك، أنَّ هؤلاء قد ذُكر في حقِّهم أنهم ممن وشوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) لهارون العبَّاسي.. والحمد لله ربِّ العالمين.