شهادة الإمام الجواد (ع)

السؤال: ما هو الدليل على شهادة الإمام محمَّد بن علي الجواد (عليه السلام)؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في جوابٍ سابق تحت عنوان «ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم»: أنَّ المستفاد من جملةٍ من الروايات المعتبرة والمؤيَّدة بكلمات الأعلام: أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) وسائر المعصومين (عليهم السلام) قد خرجوا من الدنيا بالقتل أو السُّم، ومنهم سيِّدنا ومولانا الإمام الجواد (عليه السلام)، كما هو واضح.

هذا، وقد ورد في جملةٍ من المصادر التصريح بشهادة الإمام الجواد (عليه السلام) على وجه الخصوص نذكر منها ما يأتي:

1ـ ما قاله الشيخ العيَّاشيُّ (طاب ثراه)، ولفظه: (عن زرقان صاحب ابن أبي داوود وصديقه بشدة قال: رجع ابن أبي داوود ذات يومٍ من عند المعتصم وهو مغتمٌّ، فقلت له في ذلك، فقال: وددتُ اليوم أني قد متُّ منذ عشرين سنة، قال: قلت له: ولم ذاك؟ قال: لِـمَا كان من هذا الأسود أبي جعفر محمَّد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم.

قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إنَّ سارقاً أقرَّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدِّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمَّد بن علي، فسألنا عن القطع في أيِّ موضعٍ يجب أنْ يقطع؟ قال: فقلتُ من الكرسوع ... إلى قوله: فالتفت إلى محمَّد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلَّم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممَّا تكلَّموا به، أيُّ شيءٍ عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمتُ عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه، فقال: أمَّا إذا أقسمت عليَّ بالله إنّي أقول: إنهم أخطئوا فيه السنَّة، فإنَّ القطع يجب أنْ يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف. قال: وما الحجَّة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (عليه وآله السلام) السجود على سبعة أعضاء، الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله (تبارك وتعالى): ﴿وَأَنَّ الْمسَاجِدَ لِله﴾ [الجن: 18] يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَداً﴾ [الجن: 18] وما كان لله لم يقطع.

قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال ابن أبي داوود: قامت قيامتي وتمنَّيتُ أنّي لم أك حياً.

قال زرقان: إنَّ ابن أبي داوود قال: صرتُ إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: إنَّ نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة ... إلى قوله: فتغيَّر لونه وانتبه لما نبَّهته له وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً.

قال: فأمر يوم الرابع فلاناً من كتَّاب وزرائه بأنْ يدعوه إلى منزله، فدعاه فأبى أنْ يجيبه، وقال: قد علمتَ أنّي لا أحضر مجالسكم، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام، وأحبُّ أنْ تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرَّك بذلك، وقد أحبَّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار إليه، فلمَّا أُطعم منها أحسَّ السم، فدعا بدابته فسأله ربُّ المنزل أنْ يقيم، قال: خروجي من دارك خيرٌ لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفه حتَّى قبض» [تفسير العياشيّ ج1 ص319].

2ـ وما قاله الشيخ الصدوق (طاب ثراه)، ولفظه: (وأبو جعفر مُحمَّد بن علي (عليهما السلام) قتله المعتصم بالسُّم) [الاعتقادات ص99].

3ـ وما جاء في إثبات الوصية، ولفظه: (فلما انصرف أبو جعفر (عليه السلام) إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّرون ويعملون في الحيلة في قتله، فقال جعفر لأخته أم الفضل وكانت لأُمه وأبيه في ذلك؛ لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه، لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها، مع شدَّة محبّتها له، ولأنَّها لم ترزق منه ولداً، فأجابت أخاها جعفراً وجعلوا سمَّاً في شيءٍ من عنبٍ رازقيٍّ، وكان يعجبه العنب الرازقيُّ. فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها: ما بكاؤك؟ والله ليضربنَّك الله بفقرٍ لا ينجي، وبلاٍء لا ينستر. فبليت بعلَّةٍ في أغمض المواضع من جوارحها ... وتردَّى جعفر بن المأمون في بئرٍ فأخرج ميتاً وكان سكراناً) [إثبات الوصية ص227].

4ـ وما قاله المحدِّث الطبريُّ (طاب ثراه)، ولفظه: (وكان سببُ وفاته أنَّ أم الفضل بنت المأمون ـ لما تسرَّى ورزقه الله الولد من غيرها ـ انحرفت عنه، وسمَّته في عنب، وكان تسعة عشر عنبة، وكان يحبُّ العنب، فلما أكله بكتْ، فقال لها: ممَّ بكاؤك، والله ليضربنَّك الله بفقرٍ لا ينجبر، وببلاءٍ لا ينستر. فبليت بعده بعلَّة في أغمض المواضع، أنفقت عليها جميع ملكها، حتَّى احتاجت إلى رفد الناس ... ودفن (عليه السلام) ببغداد بمقابر قريش إلى جنب جدِّه موسى بن جعفر (عليه السلام)) [دلائل الإمامة ص359].

5ـ وما قاله الفتَّال النيسابوريُّ (طاب ثراه) بعد ذكره ولادة الإمام الجواد (عليه السلام)، ولفظه: (وقُبض ببغداد قتيلاً مسموماً في آخر ذي القعدة) [روضة الواعظين ص 244].

6ـ وما قاله ابن شهر آشوب (طاب ثراه) بعد ذكره اسم الإمام الجواد (عليه السلام) وألقابه، ولفظه: (وقُبض ببغداد مسموماً في آخر ذي القعدة) [مناقب آل أبي طالب ج4 ص411].

7ـ وما قاله المحدِّث حسين بن عبد الوهاب (طاب ثراه)، ولفظه: (روى عبد الرحمن بن محمَّد، عن كلثم بن عمران قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع الله أنْ يرزقك ولداً، فقال (عليه السلام): إنما أرزقُ ولداً واحداً وهو يرثني، فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) قال الرضا (عليه السلام) لأصحابه: قد ولد لي شبيه موسى ابن عمران (عليه السلام) فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم ( عليه السلام)، قُدِّست أمٌّ ولدته، فلما ولدته طاهرةً مطهَّرةً قال الرضا (عليه السلام): يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله تعالى على عدوه وظالمه، فلا يلبث إلَّا يسيراً حتَّى يحلَّ الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد) [عيون المعجزات ص107].

8ـ وما قاله المحدِّث يوسف بن حاتم الشاميّ (طاب ثراه)، ولفظه: (وتوفي (عليه السلام) ببغداد في رحبة أسوار بن ميمون، ودفن في مقابر قريش إلى جنب جدِّه موسى (عليهما السلام). وحملت امرأته أم الفضل بنت المأمون إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم. وقيل: إنَّ سبب وفاته (عليه السلام) أنَّ أم الفضل بنت المأمون لما رزق ابنه أبا الحسن من غيرها انحرفت عنه، وأنها سمته في عنب) [الدر النظيم ص717].

9ـ وما قاله السيد ابن طاووس (طاب ثراه) في عنوان الصلاة على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في كلِّ يومٍ من شهر رمضان، ولفظه: (اللهم صلِّ على مُحمَّد بن علي إمام المسلمين ووالِ من والاه و عادِ من عاداه، و ضاعف العذاب على من شَرِك في دمه [وهو المعتصم]) [إقبال الأعمال ص372].

10ـ وما قال الشيخ عبَّاس القمِّيُّ (طاب ثراه)، ولفظه: (فدخلها في اليوم الثامن والعشرين من المحرَّم سنة عشرين ومئتين، وفي أواخر تلك السنة اغتاله المعتصم شهيداً مسموماً) [منتهى الآمال ج2 ص449].

11ـ وما قاله ابن الصباغ المالكيُّ ـ من علماء العامَّة ـ ولفظه: (توفي بها يوم الثلاثاء لستٍّ خلون من ذي الحجَّة من السنة المذكورة، ودُفن في مقابر قريش في ظهر جدِّه أبي الحسن موسى الكاظم. ودخلت امرأته أُم الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم، وكان له من العمر خمس وعشرون سنة وأشهر.

وكانت مدَّة إمامته سبعة عشر سنة، أوَّلها في بقية ملك المأمون، وآخرها في ملك المعتصم. ويقال: إنَّه مات مسموماً) [الفصول المهمة ج2 ص1057].

12ـ وما قاله مؤمن بن حسن الشبلنجيُّ ـ من علماء العامَّة أيضاً ـ ولفظه: (توفي أبو جعفر محمَّد الجواد ببغداد، وكان سبب وصوله إليها إشخاص المعتصم له من المدينة، فقدم بغداد ومعه زوجته أم الفضل بنت المأمون لليلتين بقيتا من المحرَّم سنة عشرين ومائتين، وكانت وفاته في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة، ودفن في مقابر قريش في قبر جدِّه أبي الحسن موسى الكاظم ودخلت امرأته أم الفضل إلى قصر المعتصم، وكان له من العمر يومئذٍ خمس وعشرون سنة. ويقال: إنه مات مسموماً، يقال: إنَّ أم الفضل بنت المأمون سقته بأمر أبيها) [نور الأبصار ص330].

إلى غيرها من كلمات الأعلام.

والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ الأدلَّة ـ العامَّة والخاصَّة ـ الدالَّة على استشهاد سيَّدنا وإمامنا محمَّد بن علي الجواد (عليه السلام) كافيةٌ في إثبات ذلك، كما هو واضح.. والحمد لله ربِّ العالمين.