إمامة الإمام الرضا (ع)

السؤال: ما هو الدليل على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في جوابٍ سابقٍ تحت عنوان (تواتر النصوص على الأئمَّة الاثني عشر) أنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الأئمَّة الاثني (عليهم السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين، وقد أشرنا إلى ذكر جملةٍ كبيرةٍ من كتب الأعلام والمحققين الناقلة لتلك الأخبار مما تجعل الباحث المنصِف على درجةٍ عاليةٍ من التصديق والاطمئنان بذلك.

إذا اتَّضح هذا فنقول: إنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) على أقسامٍ عدَّةٍ يتجاوز مجموعها رتبة التواتر المفيد للعلم واليقين، كما سوف يتَّضح، نذكر شطراً منها، حذراً من التطويل.

القسم الأوَّل: النصوص العامَّة:

وهي ما روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في حقِّ الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) جميعاً، ومنهم الإمام الرضا (عليه السلام)، وهي كثيرةٌ أيضاً نذكر بعضاً منها.

1ـ ما رواه شيخنا الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: «كنتُ عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر والفضل بن العبَّاس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود، إذْ دخل الحسين بن علي فأخذه النبيُّ وقبَّله - إلى قوله (صلَّى الله عليه وآله) - يا حسين! أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمَّة، تسعةٌ من ولدك أئمَّة أبرار.

فقال له عبد الله بن مسعود: ما هؤلاء الأئمَّة الذين ذكرتهم يا رسول الله في صلب الحسين؟

فأطرق ملياً ثمَّ رفع رأسه وقال: يا عبد الله، سألت عظيماً ولكني أُخبرك، إنَّ ابني هذا ـ ووضع يده على كتف الحسين ـ يخرج من صلبه ولدٌ مباركٌ سمّي جدّه عليٍّ يسمَّى العابد ونور الزهَّاد، ويُخرج الله من صلب عليٍّ ولدٌ اسمه اسمي وأشبه الناس بي، يبقر العلم بقراً وينطق بالحق ويأمر بالصواب، ويُخرج الله من صلبه كلمة الحق ولسان الصدق.

فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا نبي الله؟ قال: يقال له: جعفر، صادقٌ في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليَّ، والرادُّ عليه كالرادّ عليَّ ... إلى أنْ قال: فقلتُ له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ألا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين؟ قال: نعم يا أبا هريرة، ويخرج الله من صلب جعفر مولوداً نقياً طاهراً أسمر ربعة سمِيَ موسى بن عمران.

ثمَّ قال له ابن عبَّاس: ثمَّ من يا رسول الله؟ قال: يخرج من صلب موسى علي ابنه يدعى بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم.

ثمَّ قال (صلَّى الله عليه وآله): بأبي المقتول في أرض الغربة، ويخرج من صلب عليٍّ ابنه محمَّدٌ المحمود أطهر الناس خلقاً وأحسنهم خلقاً، ويخرج من صلب محمَّد ابنه عليٌّ طاهر الجيب صادق اللهجة، ويخرج من صلب عليٍّ الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن الله وأبو حجة الله، ويخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت، يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، له هيبة موسى، وحكم داوود، وبهاء عيسى...» [كفاية الأثر ص151].

2ـ وما رواه أيضاً بسنده عن عطاء، عن الحسين بن علي(عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ثمَّ أنت يا عليُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده عليٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده محمَّدٌ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده جعفرٌ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده عليٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده محمَّدٌ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده عليٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجة بن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمَّة أبرار، هم مع الحق والحق معهم» [كفاية الأثر ص273].

إلى غيرهما من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعنى.

القسم الثاني: النصوص الخاصَّة:

وهي ما رُوي من نصِّ آبائه أو أبيه الإمام الكاظم (عليه السلام) عليه بالخصوص، نذكر جملة منها:

1ـ ما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن هارون بن خارجة قال: «قال لي هارون بن سعد العجليُّ: قد مات إسماعيل الذي كنتم تمدُّون أعناقكم إليه، وجعفرٌ شيخٌ كبيرٌ يموت غداً أو بعد غد، فتبقون بلا إمام! فلم أدر ما أقول له، فأخبرتُ أبا عبد الله (عليه السلام) بمقالته، فقال: هيهات هيهات، أبى اللهُ ـ واللهِ ـ أنْ ينقطع هذا الأمر حتَّى ينقطع الليل والنهار، فإذا رأيته فقل له: هذا موسى بن جعفر، يكبر ونزوِّجه، فيولد له ولدٌ فيكون خلفاً إنْ شاء الله» [كمال الدين ج1 ص685، الغيبة للطوسيّ ص41].

2ـ وما رواه الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن داوود الرقيّ قال: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): جعلت فداك، إنّي قد كبر سني، فخذ بيدي من النار، قال: فأشار إلى ابنه أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: هذا صاحبكم من بعدي» [الكافي ج1 ص312].

وفي آخر: «قد كبرت سني ودقَّ عظمي وإني سألتُ أباك (عليه السلام) فأخبرني بك، فأخبرني [من بعدك] فقال: هذا أبو الحسن الرضا» [الكافي ج1 ص312، وانظر: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج4 ص291].

3ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن زياد بن مروان القنديّ ـ وكان من الواقفة ـ قال: «دخلتُ على أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن (عليه السلام)، فقال لي: يا زياد، هذا ابني فلان، كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله» [الكافي ج1 ص312، الإرشاد ج2 ص250].

4ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن محمَّد بن الفضيل قال: حدثني المخزوميُّ ـ وكانت أمُّه من ولد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ـ قال: «بعث إلينا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فجمعنا ثمَّ قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا، فقال: اشهدوا أنَّ ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدةٌ فلينجزها منه، ومن لم يكن له بدٌ من لقائي فلا يلقني إلَّا بكتابه» [الكافي ج1 ص312، الإرشاد ج2 ص250].

5ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن داوود بن سليمان قال: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني أخاف أنْ يحدث حدثٌ ولا ألقاك، فأخبرني مَن الإمام بعدك؟ فقال: ابني فلان، يعني: أبا الحسن (عليه السلام)» [الكافي ج1 ص313، الإرشاد ج2 ص251].

6ـ وما رواه الكشيّ (طاب ثراه) بسنده عن نصر بن قابوس، قال: «كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) في منزله فأخذ بيدي فوقَّفني على بيت من الدار، فدفع الباب فإذا عليٌّ ابنه (عليه السلام) وفي يده كتاب ينظر فيه، فقال لي: يا نصر، تعرف هذا؟ قلت: نعم، هذا عليٌّ ابنك. قال: يا نصر، أتدري ما هذا الكتاب الذي ينظر فيه؟ قلت: لا. قال: هذا الجفر الذي لا ينظر فيه إلَّا نبي ٌّأو وصي» [اختيار معرفة الرجال ج2 ص747].

إلى غيرها من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعنى.

القسم الثالث: المعاجز والكرامات:

وهي النصوص التي تتضمَّن نقل المعاجز والكرامات التي صدرت من الإمام الرضا (عليه السلام) والتي تكشف عن كونه حُجة لله تعالى وإماماً للخلق، كما لا يخفى. نذكر بعضاً منها:

1ـ ما رواه الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن علي، عن ابن قياما الواسطيُّ قال: «دخلتُ على عليِّ بن موسى (عليهما السلام) فقلت له: أيكون إمامان؟ قال: لا إلَّا وأحدهما صامت، فقلت له: هو ذا أنت، ليس لك صامتٌ ـ ولم يكن ولدٌ له أبو جعفر (عليه السلام) بعد ـ فقال لي: والله، ليجعلنَّ الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر (عليه السلام) وكان ابن قياما واقفياً» [الكافي ج1 ص ٣٢١].

2ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن معلَّى بن محمَّد، عن الوشاء قال: «أتيت خراسان ـ وأنا واقف ـ فحملتُ معي متاعاً، وكان معي ثوبٌ وشيٌّ، في بعض الرزم ولم أشعر به ولم أعرف مكانه، فلما قدمت مرو، ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلَّا ورجل مَدَنيٌّ من بعض مُولَّدِيها، فقال لي: إنَّ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول لك: ابعث إليَّ الثوب الوشي الذي عندك. قال: فقلت: ومن أخبر أبا الحسن بقدومي وأنا قدمت آنفاً وما عندي ثوب وشي؟! فرجع إليه وعاد إليَّ، فقال: يقول لك: بلى، هو في موضع كذا وكذا، ورزمته كذا وكذا، فطلبته حيث قال: فوجدته في أسفل الرزمة، فبعثت به إليه» [الكافي ج1 ص354].

3ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن عبد الله بن المغيرة قال: «كنتُ واقفاً وحججت على تلك الحال، فلما صرتُ بمكة خلج في صدري شيءٌ، فتعلَّقت بالملتزم ثمَّ قلت: اللَّهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أنْ آتي الرضا (عليه السلام)، فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام: قل لمولاك رجلٌ من أهل العراق بالباب.

قال: فسمعتُ نداءه وهو يقول: ادخل يا عبد الله بن المغيرة، ادخل يا عبد الله بن المغيرة، فدخلت، فلما نظر إليَّ قال لي: قد أجاب الله دعاءك وهداك لدينه، فقلت: أشهد أنَّك حجة الله وأمينه على خلقه» [الكافي ج1 ص355، عيون أخبار الرضا ج1 ص236].

4ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن موسى بن عمر بزيع قال: «كان عندي جاريتان حاملتان فكتبت إلى الرضا (عليه السلام) أعلمه ذلك وأسأله أنْ يدعو الله تعالى أنْ يجعل ما في بطونهما ذكرين وأنْ يهب لي ذلك.

قال: فوقَّع (عليه السلام) أفعل إنْ شاء الله تعالى، ثمَّ ابتدأني (عليه السلام) بكتابٍ مفردٍ نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك بأحسن عافية في الدنيا والآخرة برحمته، الأمور بيد الله (عزَّ وجلَّ) يمضي فيها مقاديره على ما يحب، يُولد لك غلامٌ وجاريةٌ إنْ شاء الله تعالى، فسمِّ الغلام محمَّداً والجارية فاطمة على بركة الله تعالى، قال: فولد لي غلامٌ وجاريةٌ على ما قاله (عليه السلام)» [عيون أخبار الرضا ج1 ص236].

5ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن أبي محمَّد الغفاريّ قال: «لزمني دينٌ ثقيلٌ فقلت: ما لقضاء ديني غير سيِّدي ومولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فلما أصبحت أتيت منزله فاستأذنت فأذن لي، فلما دخلت قال لي ابتداءً: يا أبا محمَّد، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك، فلما أمسينا أُتي بطعام للإفطار فأكلنا فقال: يا أبا محمَّد، تبيت أو تنصرف؟ فقلت: يا سيِّدي، إنْ قضيت حاجتي فالانصراف أحبُّ إليَّ، قال: فتناول (عليه السلام) من تحت البساط قبضة فدفعها إليَّ، فخرجتُ ودنوت من السراج فإذا هي دنانير حمرٌ وصفرٌ، فأوَّل دينار وقع بيدي ورأيت نقشة كان عليه: يا أبا محمَّد، الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك وأربعة وعشرون لنفقة عيالك، فلما أصبحت فتَّشتُ الدنانير فلم أجد ذلك الدينار، وإذا هي لا تنقص شيئاً» [عيون أخبار الرضا ج1 ص235، الثاقب في المناقب ص477].

إلى غيرها من الروايات الواردة في هذا المعنى.

فتحصَّل من جميع ذلك، أنَّ الروايات الدالَّة على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ هذه النصوص ـ وغيرها ـ من أوضح الدلائل على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)..والحمد لله ربِّ العالمين.