هل يشترط في الإمام أنْ يكون أكبر ولد أبيه؟

السؤال: من شروط الإمام عند الشيعة أنْ يكون أكبر أبناء أبيه، فعن أبي الحسن الرضا أنه قال: «للإمام علاماتٌ منها أنْ يكون أكبر ولد أبيه» [الكافي ج1 ص284]، والإشكال هنا أنَّ بعض الأئمة لم يكن أكبر إخوته، كموسى الكاظم والحسن العسكري

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الرواية التي أشار إليها السائل هي: ما رواه الشيخ الكلينيّ – واللفظ له – وابن بابويه القميّ والشيخ الصدوق بإسنادهم عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)، إذا مات الإمام بمَ يُعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علاماتٌ، منها أنْ يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصيّة، ويقدم الركب فيقول: إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى فلان، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان» [الكافي ج1 ص284، الإمامة والتبصرة ص137، الخصال ص116].

وقد شرح المولى محمد صالح المازندرانيّ هذه الرواية:

* قوله «منها أنْ يكون أكبر ولد أبيه»، المراد به أنَّه أغلبيٌّ، أي أنْ معظم الأئمة كانوا الأكبر بين إخوتهم، لكنّه ليس قانوناً ثابتاً لا يقبل الاستثناء، أو أنَّ هذا ينطبق عندما تكون الإمامة في الولد، أو أنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) كان يتحدّث عن الإمام بعده تحديداً.

* قوله «ويكون فيه الفضل والوصية»، الفضل يعني الصلاح، وكمال النفس بالفضائل، والعلم الكامل بالشرائع الإلهيَّة.

* الوصية قد تعني الوصية الظاهرة التي يعرفها الناس، والتي يؤكّدها وجود شخصٍ يشهد على وصية الإمام السابق، أو قد تعني الوصية النبويَّة التي جاءت عن طريق جبرئيل (عليه السلام)، وفي هذه الحالة تكون علامةً مستقلةً عن غيرها.

* قوله «والسلاح فينا»، السلاح هنا رمزٌ للإمامة، تماماً كما كان التابوت في بني إسرائيل علامةً على الملك والنبَّوة، حيثما كان السلاح تكون الإمامة معه، أي إنّ حمل السلاح هو علامةٌ أخرى على انتقال الإمامة من إمام إلى آخر. [شرح أصول الكافي ج6 ص104].

فبناءً على ذلك، يمكن ردّ الشبهة في النقاط التالية:

1- الرواية لم تجعل (كبر السن) شرطاً أساساً أو شرطاً حتمياً في تعيين الإمام، بل ذكرته بصفته علامةً تتحقق غالباً، لكنها ليست قاعدةً صارمة لا تُستثنى. وهذا ما أكَّده المازندارنيّ حين أشار إلى أنَّ هذه العلامة ليست أمراً مطرداً على جميع الأئمة، بل هي أمرٌ شائعٌ وليس لازماً.

2- الإمامة تعتمد على النص والفضل، لا على الترتيب العمريّ، وهو ما أكَّدته الرواية نفسها بذكر علاماتٍ متعدّدةٍ أخرى مثل الوصية ووجود السلاح؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الأكبريَّة ليست العامل الحاسم في تعيين الإمام.

3- الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) لم يكن أكبر إخوته، حيث كان له أخوان أكبر منه، وهما إسماعيل الذي توفي في حياة أبيه، وعبد الله الأفطح الذي توفي بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بتسعين يوماً دون عقب، وبرغم كِبَر عبد الله الأفطح، إلَّا أنَّه لم يكن مؤهلاً للإمامة بسبب جهله ووجود عاهةٍ فيه. وقد روى الكُلينيُّ عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة» [الكافي ج1 ص285].

وكذلك الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) لم يكن الأكبر بين إخوته، حيث كان له أخٌ أكبر يُدعى السيد محمد (سبع الدجيل)، لكنَّه توفي فجأة في حياة والده، فصار الإمام العسكريُّ (عليه السلام) أكبر إخوته بعد وفاة أبيه.

4- وأمّا السلاح باعتباره علامةً على الإمامة، فالرواية تشير إلى أنَّ السلاح في أهل البيت (عليهم السلام) بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، أي أنَّ الإمامة تنتقل مع السلاح والوصية، وليس بمجرد ترتيب الولادة.

وفي المحصلة أنَّ علامة الأكبريَّة ليست مستقلةً بنفسها، بل لا بد أنْ تنضمَّ إليها علاماتٌ أخرى مثل الوصية، والعلم، والفضل، والخلو من العاهة، وامتلاك السلاح.