هل بَرَزْنَ بنات الرسالة ناشرات الشعور؟
السؤال: ورد في زيارة الناحية المقدَّسة العبارة التالية: «بَرَزْنَ مِنَ الْخُدُورِ، نَاشِرَاتِ الشُّعُورِ، عَلَى الْخُدُودِ لَاطِمَاتِ، الْوُجُوهِ سَافِرَاتٍ»، وهذا يثير التساؤل، فهل بَرَزْنَ بنات الرسالة أمام الأعداء ناشرات الشعور؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
بادئ ذي بدءٍ من المستحسن أنْ نورد هنا نصّ زيارة الناحية المقدّسة التي أوردها ابن المشهدي، إذ ورد فيها: «فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرنَ سرجك عليه ملويّاً، برزنَ من الخدور، ناشراتِ الشعور، على الخدود لاطمات، الوجوه سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، والى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك» [المزار الكبير ص504].
أقول: ذكر السادة الأعلام عدّة معانٍ ووجوهٍ للمقطع المذكور من الزيارة، نورد من بينها الآتي:
الوجه الأوّل: أنْ يُحمل نشر الشعور على حقيقته، ويكون المراد به هو فتح الضفائر تحت ما يغطّيها من خمارٍ ومقانع ونحو ذلك من الثياب، فقد كانت وما تزال عادة النساء العربيّات حلّ شعورِهنَّ عند المصيبة وعدم ضفرها أو جمعها وشدّها، والعرف شاهدٌ على ذلك كما لا يخفى.
قال السيّد الروحانيّ (قدّس سرّه) – في جوابٍ له عن القول بعدم وجود نصٍّ صحيحٍ يُثبت خروج نساء الحسين (عليه السلام) حواسرَ -: (باسمه جلّت أسمائه، القول المذكور صحيحٌ لا إشكال فيه، فإنّ نساء أهل بيت النبوّة والإمامة أجلّ من أنْ يخرجنَ حواسرَ مكشّفاتٍ بمرأى الناظر الأجنبيّ. ولكن هذا لا يعني بطلان ما جاء في زيارة الناحية من خروجهنَّ ناشرات الشعور؛ لإمكان حمله على النشر من وراء الثياب، تعبيراً عن شدّة الحزن والمصاب.) [أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة ج1 ص154].
الوجه الثاني: أن يكون نشرهنَّ الشعور محمولاً على الحقيقة أيضاً، ولكنّه حصل في موضعٍ لا يراهنّ فيه أحدٌ من الأعداء، بحسب الاستفتاء الصادر من مكتب سماحة السيّد السيستانيّ (دام ظلّه الوارف) [ينظر: الفوائد الفقهيّة ج2 ص151]، وذلك بأن تكون المرأة منهنّ تخرج من خيمتها إلى الساحة المتوسطة بين الخيام، أي هو خروجٌ من الخيام لا من المخيّم، كما يُشعر به قوله: «فبرزنَ من الخدور»، فقد أفادت المصادر التاريخيّة: أنّ الحسين (عليه السلام) كان قد أمر أصحابه بجعل الخيام متقاربةً متداخلةً، وأنْ يحفروا خندقاً خلفها ويطرحوا فيه الحطب لكيلا يطمع العدو بمباغتتهم من الخلف [ينظر: إرشاد المفيد ج2 ص94، تاريخ الطبريّ ج4 ص319].
والذي يؤيد هذا الوجه بل يقوّيه: هو تصريح المقطع المذكور بأنّ خروج النساء على هذه الحالة قد حصل في الوقت الذي كان القوم يحيطون بالحسين (عليه السلام) منشغلين عن كلّ مَن سواه، أضف إلى ذلك: أنّ مخيّم النساء كان بعيداً عن موضع شهادته (عليه السلام) كما هو معلومٌ ممّا يُشكّل حاجباً ومانعاً من رؤية النساء على تلك الحال.
الوجه الثالث: أنّ المخيّم الحسينيّ لم يكن مقتصراً على وجود عقائل النبوّة ومخدّرات الوحي، بل كان يضمّ نساء الأنصار وبعض الإماء أيضاً، فمن الممكن أن يكون المراد بما في زيارة الناحية هؤلاء النسوة اللواتي لم يكنَّ بكمال بنات الرسالة ولا بمستوى صبرهنَّ بلا إشكال. [ينظر: كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء (ع) ج2 ص182].
وممّا يؤيّد هذا الوجه: ما عُرف من جلالة قدر السيّدة زينب الكبرى (عليها السلام) وأنّها كانت صدّيقةً معصومةً، عالِمةً غير معلّمة، وفهِمَة غير مفهّمة، وإليها كانت وصيّة الحسين (عليه السلام)، ونحو ذلك ممّا يرجّح خروجها عن سياق العبارة المذكورة وإن كان المصاب عظيماً. [ينظر جواب سابق لمركزنا بعنوان: خصائص السيدة زينب الكبرى (ع)].
ختاماً، هذا ما وفّقنا الله تعالى لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
اترك تعليق