كيف تخطب الزهراء وهي مريضة؟

السؤال: أنَّى للزهراء ـ بعد أنْ كُسِرَ ضلعها وأُسْقِطَ جنينها ـ أنْ تخرج ماشيةً بكامل عافيتها لإلقاء الخُطبة؟ لأنَّ المرأة التي تتعرَّض لذلك ستكون طريحة الفراش لا محالة، بل وتحتاج إلى من يقوم بتمريضها بحسب العادة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يمكن الإجابة عن هذا السؤال من وجهين:

أحدهما: إنّ المستفاد من تصريح بعض الأعلام والمحققين أنَّ خطبة الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) كانت قبل حادثة الهجوم على الدار، وبناءً على ذلك ينتفي موضوع السؤال من أساسه، وذلك لابتنائه على تقدُّم الهجوم والإسقاط على الخُطبة، كما هو واضح.

قال السيِّد صادق الروحانيُّ (طاب ثراه) - في جواب سؤالٍ وجِّه إليه -: (من الثابت أنَّ للزهراء (عليها السلام) خُطبتين: الاُولى: في مسجد النبي (صلَّى الله عليه وآله). والثانية في مجلس النساء قبل وفاتها. ومن التدقيق في المصادر التاريخيَّة يظهر أنَّ الهجوم على بيت فاطمة تكرَّر ثلاث مرَّات، وأنَّ الجريمة الكبرى قد حصلت في المرَّة الثالثة التي تمرَّضت بعدها إلى أنْ توفِّيت، وأنَّ خطبتها في المسجد كانت قبل تلك الجريمة، وبذلك تندفع الإشكاليَّة) [أجوبة المسائل ج1 ص137].

بل إنَّ النص الوارد في وصف مشيتها (عليها السلام) لأجل إلقاء الخُطبة يشير إلى تقدُّم الخُطبة على الهجوم، فلاحظ قولهم: «لـمَّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فدكاً، وبلغ ذلك فاطمة (عليها السلام) لاثت خمارها على رأسها وأقبلت في لُـمَّةٍ من حفدتها، تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) شيئاً» [بلاغات النساء ص12]. إذِ الظاهر من هذا الكلام أنَّها كانت في كامل قواها البدنيَّة، بخلاف ما ورد في وصفها بعد حادثة الهجوم، حيث وصفت بأنَّها (طريحة الفراش) [يُنظر: الهجوم على بيت فاطمة ص367]، ولازم هذا كلِّه القول بتقدُّم خطبتها على الحادثة الأليمة التي تعرَّضت لها من قبل القوم آنذاك.

والوجه الثاني: لو أعرضنا عن ذلك وقلنا بأنَّ الخُطبة كانت بعد الهجوم على دارها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها، فيتّضح الجواب عن ذلك ببيان أمور:

الأوَّل: إنَّ الثابت في حقِّ الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) أنَّها حوراء أنسيَّة، وهذا يقتضي أنْ تكون تركيبتها الجسمانيَّة مختلفةً عن سائر النساء، وبناءً على ذلك فلا تصحُّ المقايسة بينها وبين سائر النساء في هكذا ظروف.

فقد رُوِي عن النبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «لمَّا عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنَّة، فناولني من رطبها فأكلتُه، فتحوَّل ذلك نطفةً في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيَّة» [الأمالي للصدوق ص546، التوحيد ص118، علل الشرائع ج1 ص184، معاني الأخبار ص396، عيون أخبار الرضا ج1 ص107، تاريخ أصبهان ج1 ص108].

الثاني: من المعروف أنَّ السيِّدة الزهراء (عليها السلام) قد خطبت خُطبتها المشهورة في المسجد النبويّ بمحضر أبي بكرٍ وجماعةٍ من المهاجرين والأنصار، وبما أنَّ دارها ملاصقةٌ للمسجد – كما يدلّ حديث سدّ الأبواب إلّا باب بيتها - فلا يستدعي خروجها وخطبتها في المسجد جُهداً كبيراً.

فقد روى أحمد بن عبد العزيز الجوهريُّ بسنده عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، قالوا جميعاً: «لما بلغ فاطمة (عليها السلام)، إجماع أبي بكر على منعها فدكاً، لاثت خمارها، وأقبلت في لُـمَّةٍ من حفدتها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، حتَّى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار» [بلاغات النساء ص12، السقيفة وفدك ص100].

وروي عن عليٍّ (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): سدُّوا الأبواب الشارعة في المسجد إلَّا باب علي» [الأمالي للصدوق ص413، علل الشرائع ج1 ص201، عيون أخبار الرضا ج2 ص72، مسند أحمد ج1 ص175، الولاية لابن عقدة ص186]، وغيرها.

الثالث: إنَّ كسر الضلع وإسقاط الجنين، وإنْ أدّى لألمٍ شديدٍ على الزهراء (عليها السلام)، إلَّا أنَّه لا يمنع من حركتها بشكلٍ كاملٍ كما صُوِّر في السؤال، كما أنَّه لا يسلب منها القدرة على الكلام والمطالبة بالحقوق المسلوبة.

قال السيِّد جعفر مرتضى العامليُّ (طاب ثراه) في جواب سؤال وجِّه إليه: (وأمَّا السؤال الثالث فإننا نقول: إنَّ كسر الضلع لا يمنع ـ ولاسيَّما بعد مرور عدَّة أيام ـ من الحركة والمشي، مع مراعاة الاحتياط، لا يمنع من الكلام والاحتجاج، وذلك ظاهرٌ لا يخفى) [مختصر مفيد ج8 ص111].

الرابع: إنَّ ما نعتقده في الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) أنَّها تسعى لتحقيق هدفٍ حسَّاسٍ ومهم، وهو الدفاع عن الإمامة الإلهيَّة المتمثلة بزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ ولذلك يهون دونه الألم والأوجاع، ولعلَّ هذا من نوع (الامتحان) الذي صبرت عليه، كما روي في زيارتها المعروفة.

روى الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن إبراهيم بن محمَّد بن عيسى بن محمَّد العريضيّ قال: حدَّثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يومٍ قال: «إذا صرت إلى قبر جدَّتك فاطمة (عليها السلام) فقل: يا ممتحنةٌ امتحنكِ الله الذي خلقكِ قبل أنْ يخلقكِ، فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة...» [تهذيب الأحكام ج6 ص10].

قال الميرزا التبريزيُّ (طاب ثراه): (وأمَّا الامتحان المذكور في زيارة الزهراء (سلام الله عليها) فالمراد به علم الله بما يجري عليها، وصبرها على جميع الابتلاءات السابقة على وجودها الماديّ الخارجيّ، ممَّا أوجب إعطاءها المقام الخاص بها، كما هو جارٍ في سائر الأئمَّة (عليهم السلام)، ويدلُّ على ذلك جملة من الأدلَّة، منها ما ورد في حقِّهم في دعاء الندبة المعروف المشهور، والله العالم) [الأنوار الإلهيَّة ص115].

والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك، أنَّ ما ذُكر في السؤال إمّا أنّه مُبتنٍ على تقدُّم الهجوم على الخُطبة ـ وهو غير مسلَّم ـ أو لكونه أمراً مقدوراً للصدِّيقة الزهراء (عليها السلام)، كما بيَّنا.. والحمد لله ربِّ العالمين.